رموز وأعلام الدولة في سورية (32) حقي العظم

يعد حقي العظم واحدًا من أبرز رجال السياسة في تاريخ سورية الحديث، وأحد المؤسسين الأوائل للدولة السورية خلال فترة الانتداب الفرنسي. وُلد في دمشق عام 1864، وتلقى تعليمه في مدرسة الآباء الإلعازريين حيث أتقن العربية والتركية والفرنسية، قبل أن يبدأ مسيرته العملية في الدفتر الخاقاني بدمشق.

النشأة والمسيرة قبل الانتداب:

انتقل حقي العظم إلى إسطنبول حيث تولى مناصب في المصالح العقارية والجمارك، ثم عُين وزيرًا للمعارف في مصر. وفي عام 1909 شغل منصب مفتش عام وزارة الأوقاف العثمانية بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني، بصفته عضوًا في جمعية الاتحاد والترقي.
غير أن سياسات التتريك التي انتهجتها الجمعية دفعته للاستقالة والعودة إلى مصر عام 1911، حيث أسس حزب الإصلاح وجمعية اللامركزية.

المواقف الوطنية خلال الحرب العالمية الأولى:

أصدرت المحكمة العسكرية التي أنشأها جمال باشا السفاح حكمًا بإعدامه نتيجة دعوته العلنية للامركزية الإدارية في بلاد الشام، لكن وجوده في مصر حال دون تنفيذ الحكم.

رئاسته لدولة دمشق:

في سبتمبر 1920 أعلن الجنرال هنري غورو قيام دولة دمشق، وبعد استقالة جميل الألشي في نوفمبر من العام نفسه، تولى حقي العظم رئاسة الدولة والحكومة.
ضمت حدود الدولة دمشق وأقضيتها باستثناء مناطق ألحقت بلبنان أو الأردن أو بدولة جبل العلويين. ورغم أن العظم كان رئيسًا، فإن السلطة الفعلية بقيت بيد المندوب الفرنسي.

عمل العظم على تقليص النفقات وتحسين كفاءة الإدارة، وأقر إصلاحات شملت ترتيب التسلسل الوظيفي في المناسبات الرسمية، واستحداث رئاسة العلماء، وهيئة لمراقبة أموال الأوقاف، وتنظيم عمل السجناء مقابل أجر.

حادثة محاولة اغتيال الجنرال غورو:

في يونيو 1921، وأثناء زيارة غورو للجولان برفقة حقي العظم، تعرض الموكب لهجوم مسلح بقيادة أدهم خنجر. أصيب العظم بعدة طلقات أثناء حمايته لغورو، مما عزز مكانته لدى الفرنسيين.

المظاهرات والمعارضة السياسية:

أثارت قرارات تقسيم البلاد وفصل السويداء عن دمشق موجة مظاهرات بين عامي 1921 و1922، واجهتها الحكومة بالاعتقالات والنفي قبل أن يصدر عفو عام. وفي عام 1922 أُعلن الاتحاد الفيدرالي بين دمشق وحلب واللاذقية، واحتفظ العظم برئاسة إقليم دمشق حتى يناير 1925.

العودة إلى البرلمان وتولي رئاسة الوزراء:

انتُخب حقي العظم نائبًا عن دمشق عام 1932 وترأس كتلة الجنوب النيابية. وفي يونيو من العام نفسه، كُلف برئاسة الحكومة بعد انتخاب محمد علي العابد رئيسًا للجمهورية.
نجحت حكومته في خفض النفقات وخصخصة بعض المرافق، لكنها سقطت عام 1933 بسبب الخلاف حول معاهدة السلم والصداقة مع فرنسا. عاد العظم لتشكيل حكومة ثانية ضمت المعتدلين والمستقلين، ونجحت في خفض ديون الدولة من سبعين مليون ليرة تركية إلى أربع وعشرين مليونًا، لكنها بقيت ضعيفة سياسيًا.

نهاية المسيرة السياسية:

استقالت حكومة العظم الثانية في مايو 1934، وتولى بعدها رئاسة مجلس الشورى حتى تقاعده عام 1938.
انتقل إلى القاهرة لإدارة أملاك عائلته، وبقي فيها حتى وفاته عام 1955 حيث دُفن هناك.

الدروس المستفادة من تجربته:

إن تجربة حقي العظم تقدم صورة واضحة عن تعقيدات الحكم في ظل الانتداب، وعن التوازن الصعب بين العمل الإداري والسياسي، والتعامل مع سلطة أجنبية مفروضة.

إننا في تيار المستقبل السوري، نرى أن دراسة سيرته بما فيها من نجاحات وإخفاقات، تساعدنا على فهم مسار بناء الدولة السورية، وتلهمنا لمواصلة العمل من أجل إقامة دولة حديثة، مستقلة، وقادرة على حماية مصالح شعبها.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع