نقل الملكيات العقارية في سورية وإلغاء شرط الإيداع البنكي

مقدمة:

أعلنت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في 7 آب 2025، استئناف عمليات نقل الملكيات العقارية في مديريات المصالح العقارية، بعد توقف دام عدة أشهر، مع إلغاء شرط الإيداع البنكي الذي كان يلزم المشتري بإيداع 50% من قيمة العقار في أحد المصارف المعتمدة.
كما شمل القرار إلغاء شرط الموافقة الأمنية، وتخفيض القيمة الرائجة للعقار بنسبة 30% لأغراض الضريبة، مع منح المواطن حق الاعتراض على التقدير.

يأتي هذا القرار في سياق سياسي واجتماعي بالغ التعقيد، حيث لا تزال سورية تعاني من انقسام جغرافي ومؤسساتي، وغياب الثقة بين المواطن والدولة، وتحديات قانونية متعلقة بالملكية.

تهدف هذه الورقة إلى تحليل القرار من منظور نقدي، وتقديم توصيات عملية لتكييفه في السياقات المحلية، وبما يراعي العدالة وحقوق المهجرين.

أولًا، السياق السياسي والاجتماعي للقرار:
منذ عام 2011، شهدت سورية تحولات جذرية في بنيتها السياسية والاجتماعية، أبرزها:

  • الانقسام الجغرافي والسياسي بين مناطق سيطرة النظام ومناطق المعارضة، ما أدى إلى تباين في المرجعيات القانونية والإدارية.
  • التهجير القسري وفقدان الوثائق العقارية، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف السكان تعرضوا للنزوح الداخلي أو الخارجي.
  • استخدام الموافقات الأمنية كأداة رقابية، ما جعل نقل الملكية في مناطق النظام مرتبطًا بالولاء السياسي أكثر من كونه إجراءً قانونيًا.
  • غياب القضاء المستقل، مما يضعف قدرة المواطنين على الاعتراض أو الطعن في قرارات إدارية تمس حقوقهم الأساسية.

ثانيًا، تحليل القرار من منظور قانوني واقتصادي:
من الناحية القانونية، إلغاء شرط الإيداع البنكي والموافقة الأمنية يمثل تحولًا في فلسفة الإدارة العقارية، ويعيد الاعتبار لمبدأ حرية التعاقد.
كما أن تخفيض القيمة الرائجة للعقار يعكس اعترافًا ضمنيًا بأن التقديرات السابقة كانت غير واقعية، ويمنح المواطن هامشًا للاعتراض، مما يعزز الشفافية.

ومع ذلك، تبقى هناك إشكاليات قانونية جوهرية:

  • غياب ضمانات لحماية حقوق المهجرين والنازحين.
  • إمكانية استخدام القرار لتثبيت ملكيات مشوبة بالاستيلاء أو التزوير، في ظل غياب رقابة قضائية مستقلة.

ومن الناحية الاقتصادية يحمل القرار آثارًا مباشرة على السوق العقاري، منها:

  • تحفيز حركة البيع والشراء، خاصة في ظل شح السيولة.
  • تقليل التكاليف غير المباشرة المرتبطة بالإيداع والسحب البنكي.
  • تعزيز الثقة بالسجل العقاري، وهو أمر حيوي في بيئة ما بعد النزاع.

لكن هذه الآثار تبقى محدودة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام كالسويداء وشمال شرق سورية، حيث لا توجد مؤسسات عقارية رسمية، ولا سجل موحد للملكيات.

ثالثًا، توصيات لتكييف القرار في السياقات المحلية:


في ظل محاولة بناء سلطة جديدة موحدة، يمكن للجهات المدنية أن تتبنى مبادئ مشابهة بطريقة تراعي العدالة والشفافية:
١. اعتماد ميثاق أخلاقي لنقل الملكيات، يراعي حقوق المهجرين، ويشترط وجود شهود ومراجعة مجتمعية.
٢. تشكيل لجان مصالحة عقارية، تضم ممثلين عن المجتمعات المحلية والنازحين، لحل النزاعات العقارية بطريقة توافقية.
٣. توثيق كل عملية نقل ملكية بشكل رقمي ومفتوح، لضمان الشفافية وتسهيل المراجعة مستقبلاً.

خاتمة:

رغم صدور القرار من جهة رسمية إلا أنه يفتح نافذة للنقاش حول مستقبل إدارة الملكيات في سورية.
إن إعادة الاعتبار للملكية الفردية، وتوفير ضمانات قانونية لحمايتها، يشكلان ركيزة أساسية لأي مشروع وطني للعدالة الانتقالية وإعادة الإعمار.
لذا، فإن تكييف هذا القرار في السياقات المحلية، بعيدًا عن التوظيف السياسي، يمكن أن يكون خطوة أولى نحو بناء مؤسسات مدنية مستقلة، تعيد الثقة للمواطن وتؤسس لثقافة قانونية عادلة.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع