الملخص التنفيذي:
في سياق جهود الحكومة السورية لإعادة الإعمار وتحفيز النمو الاقتصادي، تم توقيع مذكرات تفاهم بقيمة 14 مليار دولار مع عدد من الشركات الدولية لتنفيذ مشاريع استراتيجية في دمشق.
وبينما تضم القائمة شركات ذات سجل مهني موثوق، برزت شركة "يوباكو" الإيطالية كمصدر قلق قانوني ومؤسسي.
تهدف هذه الورقة إلى تقديم تقييم موضوعي للشركات المتعاقدة، مع تحليل خاص لحالة "يوباكو"، واقتراح سياسات لتعزيز الحوكمة الاستثمارية في سورية.
المنهجية:
تعتمد الورقة على منهج دراسة الحالة، وتستخدم أدوات التحليل المؤسسي والقانوني لتقييم الجدارة التشغيلية والمخاطر المرتبطة بالشركات المتعاقدة.
تم جمع البيانات من مصادر رسمية، وتقارير إعلامية، وقواعد بيانات دولية، إضافة إلى تصريحات حكومية سورية.
السياق العام:
تسعى سورية، في مرحلة ما بعد النزاع، إلى إعادة بناء بنيتها التحتية وتحريك عجلة الاقتصاد عبر جذب الاستثمارات الأجنبية، وقد وقّعت الحكومة السورية مؤخرًا مذكرات تفاهم مع شركات من الإمارات، وقطر،و تركيا، وإيطاليا لتنفيذ مشاريع تشمل تطوير مطار دمشق الدولي، إنشاء مترو، بناء أبراج ومراكز تجارية، ومحطات طاقة.
تقييم الشركات المتعاقدة:
من بين الشركات المتعاقدة، تبرز المؤسسة الوطنية للاستثمار الإماراتية كمثال على الجدارة المؤسسية، إذ تمتلك سجلًا تنفيذيًا قويًا في مشاريع البنية التحتية والعقارات، وتُعد من أبرز المؤسسات الاستثمارية في الخليج، ومشاركتها في مشروع مترو دمشق تعكس توجهًا استراتيجيًا نحو الاستثمار طويل الأمد، وتُظهر قدرة تشغيلية عالية.
كذلك، تُعد شركتا Cengiz وKalyon التركيتان من الجهات ذات الخبرة الواسعة في مجالات الطاقة والإنشاءات، وقد نفذتا مشاريع ضخمة داخل تركيا وخارجها، بما في ذلك مطارات ومحطات كهرباء، فمشاركتهما في مشاريع الطاقة في سورية ضمن تحالف دولي يُعزز مصداقيتهما، ويُشير إلى رغبة في الانخراط في إعادة الإعمار ضمن أطر مؤسسية واضحة.
في المقابل، تثير شركة "يوباكو" الإيطالية تساؤلات جدية حول أهليتها التعاقدية، فهي شركة حديثة التأسيس، وغير مدرجة في قواعد بيانات الشركات الكبرى في إيطاليا، ولا تمتلك سجلًا معروفًا في تنفيذ مشاريع إنشائية ضخمة، كما أنها طرحت أسهمها للاكتتاب العام داخل سورية دون الحصول على موافقة هيئة الأوراق والأسواق المالية، ما أدى إلى وقف الاكتتاب وفتح تحقيق رسمي في المخالفات القانونية المحتملة.
هذا السلوك يُضعف من قدرتها على تنفيذ مشروع بقيمة ملياري دولار، ويُعرض الحكومة لمخاطر تشغيلية وقانونية، فضلًا عن تأثير سلبي محتمل على صورة الدولة في حال تعثر المشروع.
التوصيات:
أولًا، ينبغي على الحكومة السورية إنشاء وحدة مستقلة لتدقيق الشركات الأجنبية قبل التعاقد، تعتمد معايير دولية صارمة في تقييم الجدارة المؤسسية، بما يشمل السجل التجاري، القدرة التشغيلية، والالتزام القانوني.
ثانيًا، يجب تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال نشر تفاصيل العقود الاستثمارية للرأي العام، وإشراك المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ المشاريع، بما يضمن بناء ثقة مجتمعية حقيقية في العملية الاستثمارية.
ثالثًا، من الضروري إدراج بنود جزائية واضحة في العقود، وتفعيل آلية التحكيم الدولي في حال النزاعات، لضمان حماية المصالح الوطنية وتفادي التعثرات القانونية.
خاتمة:
إن نجاح سورية في جذب الاستثمارات الأجنبية لا يعتمد فقط على حجم المشاريع، بل على جودة الشراكات وصرامة الحوكمة، فالشركات ذات السجل المهني الموثوق، مثل المؤسسة الوطنية الإماراتية وشركتي Cengiz وKalyon التركيتين، تمثل فرصًا حقيقية للنمو.
أما حالات مثل "يوباكو"، فتفرض ضرورة مراجعة آليات التعاقد، وتطبيق معايير صارمة لضمان سلامة العملية الاستثمارية.
إن بناء اقتصاد سوري مستدام يبدأ من اختيار الشريك المناسب، وتأسيس بيئة قانونية ومؤسسية شفافة تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.