اليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي، نحو عدالة صحية انتقالية

ملخّص تنفيذي:

تمثل مناسبة اليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي (28 تموز/يوليو) فرصة استراتيجية للمجتمع المدني السوري لتوظيف قضية صحية مزمنة بوصفها مدخلًا لإعادة تشكيل العلاقة بين المواطن والمنظومة الصحية المنهارة بعد مرحلة التحرير.

تستعرض الورقة مقاربة سياساتية قائمة على مبادئ العدالة الصحية الانتقالية، والحق في الصحة، وتدعو إلى مأسسة هذه المناسبة ضمن خطط التعافي المؤسسي والحوكمة المحلية، في ظل غياب السلطة المركزية واستمرار تفكك البنية الصحية.

  1. الإطار النظري والمنهجي:
    ترتكز الورقة على منهج تحليلي تركيبي يستند إلى:
  • مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
  • مفاهيم العدالة الصحية في فترات ما بعد النزاع، حسب توصيف منظمة الصحة العالمية ومنظمة "أطباء العالم".
  • مراجعة أدبيات الحوكمة المجتمعية والمساءلة الصحية في المناطق الخارجة عن سيطرة الدول.
    تم اعتماد مقاربة سياسية-صحية متعددة المستويات، تربط بين الحق الفردي في الوصول إلى الخدمات الصحية، والدور الجماعي للمجتمع المدني في بناء الشرعية المؤسسية الصحية، وإعادة تشكيل المشهد الصحي في سورية بعد سقوط النظام.

2. السياق السوري بعد التحرير: أزمة صحية وهيكلية مزدوجة
منذ ديسمبر 2024، دخلت سورية مرحلة انتقالية غير مركزية، تتسم بتعدد الفاعلين المحليين، وانهيار أكثر من 70٪ من البنية الصحية، وغياب التشريعات الموحدة، وتضاؤل الثقة المجتمعية في المؤسسات الصحية السابقة.
يشكل التهاب الكبد الوبائي تحديًا خاصًا، بالنظر إلى:

  • نقص التشخيص والفحص المبكر (أقل من 20٪ من المصابين يتم كشف إصابتهم).
  • ضعف التغطية التلقيحية، خصوصًا ضد فيروس B لدى الأطفال.
  • انتشار الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمرض، لا سيما في المناطق الريفية.
  • استمرار العقوبات الدولية وتداعياتها على توريد الأدوية والتقنيات التشخيصية.

3.اليوم العالمي كمدخل للحوكمة الصحية المجتمعية:
تبرز أهمية اليوم العالمي لالتهاب الكبد بوصفه آلية مجتمعية ذات طابع رمزي وعملي، تسمح بما يلي:

  • توطيد الوعي الصحي القائم على الحق وليس الإحسان.
  • إعادة بناء الثقة بين المواطن والممارسين الصحيين عبر خدمات ملموسة.
  • تمكين المجتمع المدني من لعب دور رقابي وسياساتي في قطاع الصحة.
  • تعزيز الشراكة مع الجهات الدولية عبر نقطة دخول واضحة وموسمية.

4. فجوات الاستجابة الصحية والفرص السياساتية:
4.1 أبرز الفجوات:

  • غياب آليات وطنية لتوثيق الإصابات والأثر الوبائي.
  • انعدام السياسات المحلية الخاصة بالفحص المبكر والتطعيم.
  • ضعف التنسيق بين الفاعلين المحليين والمؤسسات الدولية.
  • محدودية استخدام الأدوات الرقمية في التوعية والتوثيق

.
4.2 فرص البناء السياساتي بعد التحرير:

  • وجود رغبة مجتمعية متنامية في إعادة تشكيل منظومة الخدمات على أسس الحقوق والمساءلة.
  • تحوّل المجتمع المدني إلى فاعل مؤسساتي بديل في المناطق الخارجة عن هيمنة الدولة.
  • استعداد عدد من الجهات الدولية لإعادة التموضع في سورية عبر برامج الصحة المجتمعية.

5.مقترحات سياساتية لتفعيل المناسبة:
5.1 الحوكمة الصحية الانتقالية:

  • اعتماد 28 تموز مناسبة وطنية غير رسمية تُدار من قبل المجتمع المدني، بدعم مؤسسي دولي.
  • صياغة "مدونة أخلاقية للحق في الصحة" يُلتزم بها الفاعلون المحليون ضمن برامج التوعية والفحص.

5.2 التمكين المجتمعي عبر أدوات محلية

  • تنظيم حملات توعية مجتمعية متكررة، تتوافق مع السياقات الثقافية والمناطقية.
  • إنشاء فرق صحية متنقلة تقدم خدمات الفحص والتطعيم في المناطق النائية.
  • تدريب كوادرة محلية على البروتوكولات الصحية الدولية للتعامل مع التهاب الكبد.

5.3 الشراكة مع المنظمات الدولية:

  • توقيع اتفاقيات تعاون صحي مع منظمات كـ"أطباء بلا حدود" و"أطباء العالم"، لتوفير أدوات الفحص والعلاج.
  • إدراج المناسبة ضمن تقارير الاستجابة الصحية للأمم المتحدة والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان.

6. نموذج مقترح: "عدالة الكبد":
تقترح الورقة إطلاق مبادرة تجريبية بعنوان "عدالة الكبد"، تهدف إلى:

  • توفير خدمات الفحص والتطعيم لخمسة آلاف مواطن في العام الأول.
  • تدريب 100 متطوع صحي مجتمعي على أدوات التوعية والرصد.
  • إنتاج تقرير سنوي يتضمن خرائط تفاعلية لانتشار المرض وجهود الاستجابة.
  • بناء تحالفات مع سبع منظمات صحية دولية على الأقل لضمان التمويل والاستدامة.

7.التحديات وسُبل التجاوز:

  • التسييس المحلي: تُوصى الورقة ببناء نموذج مستقل إداريًا، بإشراف لجنة أهلية صحية مستقلة.
  • التمويل: يُقترح تبني سياسة التمويل المختلط، تجمع بين التبرعات المجتمعية والمنح الدولية.
  • ضعف البنية القانونية: توصي الورقة بإطلاق عملية تشاركية لصياغة تشريعات صحية جديدة تتضمن الحق في الفحص والتطعيم المجاني.

خاتمة:

تمثل مناسبة اليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي فرصة نادرة لإعادة بناء العلاقة بين المواطن والحق في الصحة، بعيدًا عن الأطر السلطوية السابقة، وبما يتناسب مع التحولات السياسية السورية في مرحلة العدالة الانتقالية. ويُمكن للمجتمع المدني أن يتجاوز الدور الخدمي ليصبح شريكًا مؤسسيًا في إعادة تأسيس الحوكمة الصحية على أسس الحقوق والمساءلة والمشاركة.

مكتب شؤون الأسرة
مقال

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع