مدخل تحليلي:
في سياق تصاعد الأحداث في محافظة السويداء، ألقى الرئيس السوري أحمد الشرع خطابًا هو الثاني خلال 48 ساعة، ويُعد من أبرز المداخلات الرسمية التي أعقبت اتفاق وقف إطلاق النار الأخير. الخطاب الصادر بتاريخ 19 تموز 2025، حمل في طياته رسائل متعددة المستويات، تمسّ البنية الوطنية، التعاطي مع التعدد الاجتماعي، والانفتاح على وساطات دولية، في لحظة تُعيد تشكيل مشهد العلاقة بين الدولة والمجتمع والفاعلين الدوليين.
هذا المقال يسعى إلى تحليل بنية الخطاب ومضامينه الرئيسية، بالاعتماد على نصه الرسمي، ومن خلال مقاربة توازن بين عناصر القوة والقصور، دون الانحياز إلى تقييم سياسي مؤيد أو معارض.
ملامح الخطاب العامة:
جاءت كلمة الرئيس ضمن لحظة سياسية حساسة وصفها بنفسه بأنها انعطاف خطير، كادت الاشتباكات أن تخرج عن السيطرة، لولا تدخل الدولة السورية لتهدئة الأوضاع.
وتوزّع الخطاب على محاور أساسية: رفض الانفصال، تحييد الطوائف عن الاتهام الجماعي، دعوة العشائر للتهدئة، توجيه الشكر للمجتمع الدولي، وتأكيد التزام الدولة بالوحدة الوطنية والعدالة.
إيجابيات الخطاب:
- اللغة المتوازنة والمهنية، حيث حافظ الخطاب على اتساق لغوي لا يتجه نحو التصعيد أو التهديد، مما يعكس حرصًا على احتواء الأزمة بخطاب عقلاني.
- مراعاة التركيبة المجتمعية، من خلال تمييز الرئيس بين الطائفة الدرزية ومجموعات مسلحة داخلها جاء واضحًا:
"لا يجوز محاسبة الطائفة بأكملها على خلفية تصرفات فئة صغيرة". ما يُعد تفكيكًا مقصودًا لمعادلة الاتهام الجماعي، وسعيًا لاحتواء التوترات ذات الطابع الطائفي. - التأكيد على الروابط الاجتماعية بين المكونات المحلية، والدعوة لتعزيز العلاقات بين "الدروز والبدو" تُظهر توجهًا للمصالحة الداخلية، بدلاً من المعالجة الأمنية الصرفة.
- الانفتاح الدبلوماسي متعدد الأطراف بشكر الرئيس لجهود الولايات المتحدة، تركيا، روسيا، الصين، والدول العربية الشقيقة، مما يُعكس رغبة في تجاوز الاستقطابات، وتقديم سورية كمنصة للتعاون لا كساحة للصراع.
نقاط الضعف والقصور:
- غياب خريطة تنفيذية واضحة، فرغم الإعلان عن وقف إطلاق النار، لم يطرح الخطاب آلية عملية لضمان التنفيذ أو معالجة الخروقات، مما يُبقي الاتفاق عرضة للهشاشة الميدانية.
- عدم الاعتراف بشرعية الأطراف المحلية في السويداء، فالخطاب لم يُشر إلى المشيخة الروحية أو الفصائل المحلية، رغم كونها أطرافًا مؤثرة على الأرض، مما يعكس استمرار النظرة المركزية التقليدية للدولة تجاه التنوع السلطوي.
- تحليل اختزالي للأزمة، إذ اعتبار الأحداث نتيجة "طموحات انفصالية لفئة ضيقة" ويتجاهل عوامل أعمق مرتبطة بالإدارة، والتمثيل، والاحتقان المجتمعي التراكمي في السويداء.
- غياب الإشارة إلى الحوار الداخلي أو إصلاح سياسي، حيث لا يتضمّن الخطاب دعوة فعلية لإشراك المجتمع المحلي في مسار سياسي–دستوري، مما يُقلّص فرص معالجة الأزمة جذريًا.
يمكن اعتبار خطاب الرئيس أحمد الشرع خطوة مهمة نحو تطبيع سياسي داخلي وإقليمي، خصوصًا عبر الانفتاح على وساطة متعددة الأطراف، وتبني لغة تصالحية تُراعي خصوصية السويداء.
لكن في المقابل، يظل الخطاب فاقدًا للبُعد التشاركي المحلي، ولا يعرض مسارًا واضحًا لإعادة بناء الثقة بين الدولة ومجتمعات الجنوب السوري.
إن نجاح اتفاق وقف إطلاق النار، كما جاء في التصريحات الموازية للمبعوث الأميركي توم براك، يتطلب أكثر من تفاهم دولي؛ بل يحتاج إلى هندسة سياسية داخلية تُعيد الاعتبار لتمثيل الطوائف في القرار الوطني، وتُفضي إلى مصالحة مستدامة تتجاوز التهدئة الظرفية.
الدكتور زاهر بعدراني