الحج مرة واحدة، بين النص الشرعي والحاجة التنموية للأمة

تمهيد:

يعيش عالمنا الإسلامي اليوم ظروفًا بالغة التعقيد، حيث يتزايد عدد الفقراء والمحتاجين، وتتسع الفجوة التنموية في كثير من المجتمعات، في وقت تُنفق فيه المليارات سنويًا في تكرار أداء مناسك الحج بعد إتمام الفريضة.  

وإذ يؤكد المكتب الديني في تيار المستقبل السوري على مكانة الحج العظمى في الإسلام، فإنه يدعو إلى إعادة قراءة مفهوم التكرار، واستحضار البعد المقاصدي، وتوجيه فائض الأموال نحو بناء الإنسان ومؤسسات الأمة.

أولًا: الحج فرضٌ مرة في العمر بنص الشريعة:

جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع." (رواه مسلم وأحمد).

وقد أجمع الفقهاء، ومنهم النووي وابن رشد وابن قدامة وابن تيمية، على أن الحج لا يجب إلا مرة واحدة في العمر للمستطيع، وما زاد عن ذلك فهو تطوع.  

وقد نص الإمام الشافعي في "الأم" أن الأفضل بعد أداء الفريضة، صرف المال في نوافل أخرى أو في وجوه البرّ حسب حاجة الأمة.

ثانيًا: واقع الأمة يدعو إلى ترشيد التكرار:

تُقدر بعض الإحصائيات غير الرسمية أن ما يزيد على 30% من الحجاج سنويًا هم من مكرري الحج.  

وإذا علمنا أن تكلفة الحج في المتوسط تبلغ نحو 7,000 إلى 10,000 دولار للحاج الواحد، فإن مجموع ما يُنفق على تكرار الحج يتراوح بين 2 مليار إلى 3 مليارات دولار سنويًا

وهذه الأرقام تكفي لتأسيس:

  1. عشرات المستشفيات والمدارس.
  2. آلاف المشاريع الوقفية.
  3. برامج تأهيل الأيتام والأرامل.
  4. تمويل صناديق التعليم والتدريب المهني.

ثالثًا: الوقف الإسلامي سبيل لتثبيت العائد:

الوقف في الإسلام هو تجميد أصل المال، وتوجيه عائداته إلى نفعٍ دائم.  

ومن هنا، فإن إنشاء "صناديق وقفية بأموال تكرار الحج" يمكن أن يحقق:

  1. استدامة مالية للمشاريع الخيرية
  2. حماية لأموال الأمة من الهدر.
  3. تخطيط استراتيجي طويل المدى لخدمة المجتمع.

وقد أشار العلماء المعاصرون، كالدكتور يوسف القرضاوي والشيخ محمد الغزالي، إلى أن إعادة توجيه المال نحو تنمية المجتمع هو من باب "أداء الواجبات العينية التي تتقدم على النوافل الشخصية".

رابعًا: الحج مؤتمر سنوي عالمي للأمة:

لا تقتصر عظمة الحج على كونه عبادة فردية، بل هو مؤتمر سنوي عالمي تتجلى فيه وحدة المسلمين، وتُعرض فيه قضايا الأمة.  

وقد دعا مفكرون كبار كمالك بن نبي ومحمد إقبال إلى استثمار هذا الموسم لبناء وعي جمعي، وتوحيد الصفوف، وإحياء المشروع الإسلامي الحضاري.

خامسًا: أثر التقنين في الواقع السياسي والاقتصادي:

في ظل أزمات اقتصادية خانقة، ومعاناة إنسانية متفاقمة، فإن تحويل الأموال من نوافل الحج إلى تنمية المجتمعات يعزز:

  1. الاستقرار المجتمعي.
  2. العدالة الاقتصادية.
  3. نهضة التعليم والرعاية الصحية.
  4. دعم الفئات الهشة من لاجئين وأيتام ونساء معيلات.

توصيــات المكتب الديني لـِ تيار المستقبل السوري:

  1. دعوة العلماء والمفتين إلى توجيه الناس للاكتفاء بالحج مرة واحدة، والتطوع بما زاد في مصالح الأمة.
  2. إنشاء صناديق وقفية وطنية لتمويل مشاريع تخدم الأيتام، الأرامل، الفقراء، وتطوير البنية التحتية.
  3. إطلاق حملة إعلامية توعوية تحت شعار: (بمال حجّك الثاني، تبني مجتمعًا).
  4. التنسيق مع المجامع الفقهية لتقنين الحج التطوعي في الظروف الخاصة بالأزمات.
  5. تخصيص جزء من عائدات الحج الرسمية لدعم التعليم والصحة في الدول الإسلامية الأشد فقرًا.
  6. التركيز على إحياء مقاصد الحج كوسيلة لتعزيز الوحدة والتكامل بين المسلمين.

خاتمة:

إن المال في الإسلام أمانة، والعبادة فيه مقصدها صلاح الفرد والمجتمع.  

وإن المكتب الديني في تيار المستقبل السوري إذ يقدّم هذا المقال، فإنه لا يُنكر فضل من تطوع بالحج، بل يُناشده أن يرتقي بمقاصد الدين، ويجعل من ماله وقفًا لحياة أمة تبحث عن العدالة والكرامة بعد سنوات طويلة من الحرب والانهيار.

المكتب الديني

فريق البحث

قسم البحوث والدراسات

مقالات

تيار المستقبل السوري

شاركها على:

اقرأ أيضا

منتدى الأعمال السوري الكوري

منتدى الأعمال السوري الكوري الذي أقيم في الشيراتون بحضور الدكتور زاهر بعدراني.

5 ديسمبر 2025

إدارة الموقع

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع