الفقر، العدو المسكوت عنه
إن واقع الفقر في سورية عموماً، وفي الشمال السوري خصوصاً – باعتباره البديل المفترض عن سلطة نظام بشار الأسد – مأساويٌ ومعقد، حيث تفاقم بشكل كبير بسبب الحرب المستمرة، والنزوح، والظروف الاقتصادية الصعبة.
حيث يعاني ملايين السوريين في تلك المنطقة من نقص حاد في الغذاء والدواء والمأوى، مما يؤثر بشكل كبير على جميع جوانب حياتهم اليومية.
وإذا جعلنا الشمال السوري نموذجاً لاقتصاد سورية الكلي، فإننا نرى أن أبرز ملامح الفقر تكمن في كون غالبية السوريين تحت خط الفقر المدقع، ما يعني أنهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والماء والملبس والمسكن.
كما تشهد أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً مستمراً، مما يزيد من معاناة الأسر الفقيرة، ويجعلها غير قادرة على تأمين الغذاء الكافي لأبنائها، إضافة إلى نقص فرص العمل! إذ يعاني الشباب من ارتفاع معدلات البطالة، ما يحد من قدرتهم على تحقيق الاستقلال المالي ودعم أسرهم.
هذا وقد تعرضت البنية التحتية في الشمال السوري للتدمير بشكل كبير، مما أثر على الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء.
كما أدى النزاع الدائر في سورية إلى نزوح ملايين الأشخاص داخل البلاد وخارجها، وجعل الشمال السوري قبلةً للنزوح الداخلي خصوصاً لدى الشباب الفارين من التجنيد الاجباري في مناطق النظام السوري ومن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، ما زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية.
ويمكن القول أيضاً أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية تسببت في تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وقد أدت التغيرات المناخية إلى تفاقم الجفاف وتدهور الأراضي الزراعية، مما أثر سلباً على الإنتاج الزراعي وسبل العيش.
وعلى الرغم من الصعوبات، فإن العديد من المنظمات الإنسانية والمحلية يبذلون جهوداً كبيرة لتقديم المساعدات الإنسانية لسكان الشمال السوري، بما في ذلك توفير الغذاء والدواء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم.
ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تزال غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
ولتحسين الوضع في الشمال السوري، فهناك حاجة إلى:
- وقف العنف: وإنهاء النزاع الدائر باعتباره الخطوة الأولى لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.
- زيادة المساعدات الإنسانية المقدمة لسكان الشمال السوري.
- دعم المشاريع التنموية التي تساهم في خلق فرص عمل وتحسين البنية التحتية.
- ضمان حماية المدنيين من العنف والانتهاكات.
إن واقع الفقر في الشمال السوري مأساوي، ويستدعي تضافر الجهود الدولية والإقليمية لتقديم المساعدة الإنسانية اللازمة، وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
ونرى ضرورة اتخاذ بعض الاجراءات الاقتصادية التي يمكن أن تساهم في تخفيف تداعيات هذا الوضع، وبدورنا في المكتب الاقتصادي لِـ تيار المستقبل السوري فإننا نقترح التالي:
- دعم القطاع الزراعي، عبر توفير الإمدادات من البذور والأسمدة والأدوات الزراعية للمزارعين بأسعار مدعومة، وتطوير أساليب الري عبر تبني تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط لزيادة كفاءة استخدام المياه، إضافة إلى توفير التمويل الزراعي وتقديم قروض ميسرة للمزارعين لتطوير مزارعهم وشراء معدات جديدة، وتأسيس أسواق زراعية منظمة لضمان حصول المزارعين على أسعار عادلة لمنتجاتهم.
- دعم القطاع الصناعي عبر توفير الطاقة بأسعار معقولة للمنشآت الصناعية، وتسهيل الإجراءات البيروقراطية وتقديم الحوافز الاستثمارية للصناعات الصغيرة والمتوسطة، إضافة لتدريب القوى العاملة من خلال توفير برامج تدريب مهني لتطوير مهارات العمال في القطاعات الصناعية المختلفة.
- دعم قطاع الخدمات عبر تطوير السياحة الداخلية والاستفادة من الموارد السياحية المتاحة في المنطقة وتطوير البنية التحتية السياحية، إضافة إلى ما اقترحناه سابقا من تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في القطاعات الخدمية مثل التجارة والحرف اليدوية.
- دعم التعليم والتدريب عبر توفير التعليم المجاني لجميع الأطفال والشباب، وربط التعليم بسوق العمل من خلال تصميم المناهج الدراسية لتلبية احتياجات سوق العمل المحلي، إضافة إلى توفير برامج تدريب مهني للشباب لزيادة فرص عملهم.
- بناء البنية التحتية عبر إصلاح وصيانة الطرق والجسور لتسهيل حركة التجارة والخدمات، وتوفير المياه والصرف الصحي في المناطق المتضررة، وتوفير الطاقة بل وزيادة إنتاج الطاقة وتوزيعها بشكل عادل.
- دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والذي نؤكد عليه بشدة عبر تقديم القروض الميسرة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم الاستشارات الإدارية والتسويقية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى إنشاء حاضنات أعمال لتشجيع ريادة الأعمال وتوفير بيئة عمل مناسبة للشركات الناشئة.
- تعزيز التعاون الدولي عبر جذب الاستثمارات وجعلها ثقافة اقتصادية، خصوصاً جذب الاستثمارات الأجنبية وجلبها إلى المنطقة، إضافة إلى التعاون مع المنظمات الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، وتبادل الخبرات مع الدول الأخرى في مجال التنمية الاقتصادية.
- مكافحة الفساد عبر تعزيز الشفافية والمساءلة في القطاع العام، والتأكيد على مكافحة الفساد بكل أشكاله، وتعزيز سيادة القانون وحماية الملكية الفكرية.
وإننا إذ نؤكد على أن الجانب الاقتصادي مهم في محاربة الفقر الذي يرزح تحت نيره شعبنا، فإننا نرى وجوب أن تشمل أي جهود لتخفيف الفقر مشاركةَ المجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية بشكل مشترك، وأن تكون أي حلول مقترحة مستدامة وقابلة للتطبيق على المدى الطويل، إضافة إلى تقييم برامج التنمية بشكل مستمر لتحديد نقاط القوة والضعف، وتعديل الاستراتيجيات حسب الحاجة.
إن التغلب على مشكلة الفقر في الشمال السوري يتطلب جهودًا مشتركة من قبل المجتمع الدولي، وسلطة الأمر الواقع بالمنطقة، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص، انطلاقاً من غاية تكون فيها كل الجهود الاقتصادية مستدامة وشاملة لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، وتحقيق التنمية المستدامة، مما يجعل مجابهة الفقر نوع من أنواع الثورة الحقيقية، والبديل الجيد عن الاستبداد!
وإذ نطالب بكل ماسبق، فإننا نراهن على قضية الوعي بخطورة الفقر على الصحة الوطنية والأخلاقية والدينية والمجتمعية، وضرورة رفع الصوت في ضرورة مجابهته على اعتباره عدواً قاتلاً مجرماً غير مبالٍ فيه، واللامبالاة به من صانع القرار هي قوة الفقر، والبدء بها بداية هزيمته.