7 أكتوبر بوصلةٌ ضائعة
قبل سنة من الآن لم تبدأ صفارة تغيير منطقتنا فقط، بل بدأ غياب العقلانية لدى كثيرين، وبما أن الدليل على العقول خطاب، فإننا نرى أن الخطاب العام بات مُنقسماً لمسربين:
المسرب الأول، تقديس عملية طوفان الأقصى، ليس لذاتها، بل لطريقتها، وأسلوبها، وتوقيتها، ثم تداعياتها.
المسرب الثاني، ولو أنه أقلية، إلا أن خطورته تكمن في أنه حالةٌ تعدُّ الأولى بالعصر الحديث، حيث نجد من يصفق للجيش الإسرائيلي وهو يقتل من الطرف المقابل من يقتل.
وبين تقديس هنا وتدنيسٍ هناك، نتغافل أنه تم محو أكثر من ثلثي غزّة، مع آلاف الضحايا، ومئات آلاف المهجّرين والمصابين والمفقودين!
نتغافل أن الجيش الإسرائيلي متهمٌ من قبل الشرعية الدولية قيامهُ بأعمال إجرامية ضد مدنيين، وهؤلاء المدنيّون يتحدثون العربية، وينطقون الشهادة.
وبين من يريد أخذنا لواحدية الصراع العنفي، حيث لا يرى مقاومة إلا بالدم والقتال، وبين من يريد جرنا لمستنقع التفتت والتشرذم، هنااااك تضيع البوصلة!
بوصلةٌ من شأنها رسم معالم طريقٍ يحمي ما تبقى من ديار وبشر..
بوصلةٌ تشير إلى أن الصراع العنفي لم يعد ممكناً في زمن الصواريخ الفراغية والقنابل الفوسفورية والطائرات المسيّرة المدمرة.
بوصلةٌ تنادي بالحاجة لتغيير الخطاب العام، نحو استبدال عقلية “إما نحن أو الطوفان”.
ثم بعد ذلك نحن أبناء هذه الأرض بكل أطيافها وتنوعاتها، لسنا طارئين عليها، وبالتالي فخلافاتنا ليست وليدة الساعة، بل هي ضاربة في عمق التاريخ، ومع ذلك، تجمعنا مشتركات كثيرة يجب أن نبني عليها، بينما نجد مُتصيّدي الفرص يزيدون من خلال خطابهم الشرخ أكثر، ولتكبر الهوّة بيننا أضعافاً.
إننا نرى أن العنف لم يعد وسيلة لتحقيق أيّة غاية، بل ويجب الوقوف أمام حملاته وخطابه باستخدام وسائل مختلفة سياسية وديبلوماسية واستخباراتية وديمغرافية وعلمية وعملية.
مع العمل على تضميد الجراح، خاصةً بين الشعوب والدول ذات المشتركات الوحدوية، مع ضرورة العمل على عدالة انتقالية تنظم العِقد بينها بشكل متين ورصين.