إيناس نصر الدينالمكتب الاقتصاديالمكتب العلميدراساتقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيار

الحل السوري من بوابة الاقتصاد

إن الوضع السياسي في سورية معقد، ولعل السبب يعود لجمود المجتمع الدولي عن إيجاد وسيلة لتطبيق مقررات الأمم المتحدة، أو حتى تخليق أي تسوية سورية -سورية.
كما أن الواقع السوري برمته معقد بسبب تدخل قوى أجنبية متعددة! ففي الحد الأدنى هناك أربعة جيوش أجنبية غير السري منها.
وأما التموضعات النفوذية فهي تنقسم إلى أربع مناطق، كل منطقة تعاني من واقع اقتصادي منهار، قد يكون البدء بإصلاحه بوابة للحل السياسي وكسر جموده.

الوضع الاقتصادي في المناطق الأربعة:
الاقتصاد في مناطق النظام السوري، يشهد تحديات كبيرة وأزمات متعددة، وبنظرة عامة على الوضع الاقتصادي بتلك المناطق نجد مايلي:

  1. الأزمة الاقتصادية العامة والتي بدأت بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، إذ خرجت العديد من المناطق عن سيطرة النظام السوري، مما أثر على الاقتصاد بشكل كبير, خصوصا بعد توزع الموارد بيد مافيات وميليشيات متنوعة.
    كما تراجعت الإيرادات العامة وتزايدت النفقات العسكرية، مما أدى إلى تدمير موارد البلاد وتحويل المقومات الاقتصادية إلى مصادر لاستدامة العنف.
    ومنذ بداية الأزمة، تجاوز حجم خسائر اقتصاد النظام السوري 400 مليار دولار بحسب بعض التقارير.
  2. انهيار سعر الصرف وارتفاع التكاليف المعيشية، حيث انخفض سعر الصرف إلى مستويات قياسية أمام الدولار، مما أثر على قوة الشراء، وزاد من تكاليف المعيشة، كما وحصل نقص في الأدوية والسلع الأساسية، حيث أن أكثر من 9.3 ملايين سوري بمناطق النظام مهددين بالجوع حسبَ التقارير الإغاثية.
  3. اقتصاد الظل والتحديات المعقدة، فاقتصاد الظل في سورية مركب، ويحاول النظام السوري إعطائه الشرعية من خلال قوانين تضعّف قدرة الدولة على التصدي له.
  4. التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 وقانون قيصر، مما شدد من العقوبات الاقتصادية على النظام السوري ورموزه.

أما واقع الاقتصاد في مناطق الإدارة الذاتية شرق سورية، فيشهد هو الآخر تحديات متعددة، ويعبر عن وضع معقد من خلال:

  1. التهميش السابق، فقبل بداية الثورة السورية، كان القطاع الصناعي في شمال شرق سورية مهمشًا اقتصاديًا، فالحكومة السورية حينها فرضت قيودًا صارمة على تأسيس المصانع والمعامل، مما أثر سلبًا على فُرص التنمية الاقتصادية، إضافة إلى الفساد والتعقيد البيروقراطي أيضًا، فقد أثرا على الحصول على تراخيص لإنشاء معامل جديدة.
  2. بعد استلام الإدارة الذاتية زمام الحكم، شهد قطاع الصناعة تقدمًا ملحوظًا، تم افتتاح العديد من المعامل والمنشآت الصناعية التي كانت تفتقر إليها المنطقة، حيث تم إنشاء 256 معملاً إنتاجيًا ضمن مناطق الإدارة الذاتية بعد العام 2011.
  3. التحديات الحالية:
  • البنية التحتية المتهالكة والحصار الاقتصادي يشكلان تحديًا للتنمية الاقتصادية.
  • الهجمات التركية المتكررة وسياسات النظام السوري تؤثر على وصول المواد الخام والبضائع إلى المنطقة.
    باختصار، الإدارة الذاتية تواجه تحديات اقتصادية، لكنها تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير القطاع الصناعي.

في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب، يشهد الاقتصاد تحديات متعددة نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية المعقدة:

  1. السيطرة على الموارد الاقتصادية، فهيئة تحرير الشام تسيطر على أبرز المعابر التجارية في إدلب، سواء كانت تلك التي تربط بمناطق سيطرة قوات النظام السوري بتركيا، كما أن المعبر الحدودي (باب الهوى) يعتبر أهم مورد للجهة التي تسيطر عليه، حيث يساهم في تمويلها ويمنحها سلطة أكبر.
  2. التحديات الاقتصادية الحالية والتي تتمثل بارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور الوضع الاقتصادي، ويُلاحظ انتشار المدارس الخاصة ونفوذ المدارس الدينية التي تراقبها هيئة تحرير الشام.
  3. الصراع على السيطرة الاقتصادية، فهيئة تحرير الشام تسعى للسيطرة على كامل الموارد الاقتصادية في المنطقة، مما يؤدي إلى صدامات مع الفصائل الأخرى، حيث إن السيطرة على الاقتصاد يمكن أن تؤثر على السيطرة العسكرية في المحافظة.
    كما ويلاحظ انتشار العمل العمراني وارتفاع قطاع العقارات بشكل أكبر من باقي المناطق السورية, كما أن مناطق الهيئة تُعتبر من أكثر المناطق تنظيما وحوكمة.
    ويبقى أن هيئة تحرير الشام تسعى للسيطرة على الموارد الاقتصادية في إدلب، والتحديات الاقتصادية تظل مستمرة في هذه المناطق.

أما الواقع الاقتصادي في مناطق الحكومة المؤقتة السورية بالشمال الغربي لسورية أو ما يسمى بمناطق الشمال السوري المحررة، فهي تعاني من تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية المعقدة من خلال:

  1. تذبذب الليرة التركية حيث شهدت مناطق الشمال السوري هزات اقتصادية عنيفة تكررت عدة مرات، وبعد انهيار الليرة السورية في منتصف عام 2020، تبنت هذه المناطق التداول بالليرة التركية، فخلقت حالة عدم الاستقرار في قيمة الليرة التركية في النصف الثاني من عام 2021 أثراً سلبياً على الاقتصاد المحلي.
  2. ارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية بشكل جنوني، وانخفاض القيمة الشرائية للرواتب، كما وبدأت بوادر أزمة إنسانية كبيرة بالظهور في المنطقة، فعلى الرغم من تعافي الليرة التركية مقابل الدولار، إلا أن الأسعار لا تزال مرتفعة وأجور العمال متدهورة، ومن المُحتمل أن تتأثر المنطقة بهزة جديدة مع انهيار قريب متوقع للعملة التركية.
  3. تحديات إضافية، وتكمن في الفساد السياسي وانتشار المحسوبية والعشائرية والمناطقية وفقدان الحوكمة والعمل المؤسساتي الذي يعيق تحسن الوضع الاقتصادي.

إمكانية كون الحل في الاقتصاد:
الاقتصاد السياسي هو مجال دراسة، يستكشف العلاقة المُعقدة بين السياسة والاقتصاد، ويهدف إلى تحليل كيفية تفاعل المؤسسات السياسية والأنظمة الاقتصادية لتشكيل نتائج اجتماعية واقتصادية. يعود تاريخ دراسة الاقتصاد السياسي إلى زمن الإغريق القدماء، وقد شكَّلتها مجموعة متنوعة من المفكرين والنظريات، وكنتُ قدمت في مقال سابق تمهيداُ لهذا المقال بمقال آخر بعنوان: (الاقتصاد عاملاً للتغيير السياسي في سورية).
ومن ذلك يظهر أن الاقتصاد السياسي يساهم في فهم التفاعلات بين السياسة والاقتصاد، ويمكن أن يكون عاملاً إيجابياً في بلد منهار اقتصاديا مثل سورية من خلال:

  1. تحليل السياسات الاقتصادية، والذي يساعد في تقديم تقييم دقيق للسياسات الاقتصادية وتأثيرها على الناس والمجتمع، ويمكن أن يوجه السياسة العامة لتحقيق أهداف اقتصادية محددة.
  2. فهم النظم الاقتصادية، والذي يساعد في تحليل كيفية عمل الأنظمة الاقتصادية وتأثيرها على الناس، ويمكن أن يساهم في تطوير نماذج اقتصادية أكثر عدالة واستدامة.
  3. تحديد العدالة الاقتصادية، والذي يساعد في تحديد كيفية توزيع الثروة والفرص بين الناس، ويمكن أن يساهم في تحقيق توازن أكبر في الفرص والموارد.

من هنا يظل الاقتصاد السياسي أداة لتحقيق الحلول السياسية من خلال فهم التفاعلات بين السياسة والاقتصاد وتوجيه السياسة العامة.
فالاقتصاد السياسي في سورية يشكل جزءًا أساسيًا من التحديات التي تواجه البلاد، وإننا في تيار المستقبل السوري نرى أن حالة الجمود السياسي يمكن كسره من خلال ولوج البوابة الاقتصادية، لهذا فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري الاهتمام بالاقتصاد، خصوصاً بالمناطق خارج سيطرة النظام السوري، حتى تكون محجاً وملجأ للسوريين بدل دول اللجوء! من خلال استقطاب مشاريع وفتح مصانع وجلب اليد العاملة بأجور جيدة، وهذا بحد ذاته يُفقد النظام السوري ورقة اللاجئين، ويدفع بعودتهم من دول الجوار وبمبرر قوي وعلى أرضٍ صلبة، مما يضطر النظام للرضوخ للحل السياسي.

إن حل الأزمة الاقتصادية يمكن أن يساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي، من خلال تعزيز فرص العمل، كما يمكن أن يخفف من التوترات، ويعزز الاستقرار، وتعاون الدول الإقليمية والدولية في دعم الاقتصاد السوري، فيكون جزءًا من الحل الشامل.

باختصار، الاقتصاد السوري يمكن أن يكون عاملاً مؤثرًا في الدفع نحو الحل السياسي، من خلال تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، خصوصا في المناطق خارج سيطرة النظام السوري، وأما مناطق النظام السوري فغير متوقع أن تستفيد من أي اصلاحات اقتصادية بسبب العقوبات الغربية، إضافة للفساد الكبير المستشري.

  • إيناس نصر الدين
  • المكتب الاقتصادي
  • قسم البحوث والدراسات
  • تيار المستقبل السوري

المراجع:

(1) الاقتصاد السياسيّ في سوريا: ترسيخ توجّهات ما قبل الحرب.

(2) اقتصاد سوريا بعد عقد من الحرب.. الحلول لا تزال غائبة.

(3) بعد عقد على الثورة.. الاقتصاد السوري في القاع واقتصاد الظل يتمدد في ….

(4) السياسات الاقتصادية في سورية من التهميش إلى الثورة.

(5) الأزمة الاقتصادية في سوريا: توليفة من الأسباب الداخلية والخارجية.

(6) الاقتصاد السياسي: مفهومه وأهميته وأهدافه ونظرياته.

(7) كيف يمكن أن يكون الاقتصاد المحرك الأساسي للحياة؟ – مركز مسارات ….

(8) الاقتصاد السياسي العربي: مسارات نحو النمو العادل.

(9) الواقع الاقتصادي في الشمال السوري وتأثره بحالة التذبذب في الليرة ….

(10) خبير يكشف حقيقة الواقع الاقتصادي شمال سوريا رغم إعفاءها من “قيصر ….

(11) الواقع الإقتصادي في شمال سوريا – ACU.

(12) مؤتمر الاستثمار.. محاولة حكومية للارتقاء بالواقع الاقتصادي ولفت الأنظار ….

(13) مرصد الاقتصاد السوري، شتاء 2022 / 2023 – World Bank.

(14) الواقع الاقتصادي في شمال وشرق سوريا (تداعيات جائحة كورونا وقانون قيصر ….

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى