اللاجئون السوريون في تركيا، وهاجس الترحيل المستمر
في السنوات الأخيرة، شهدت تركيا عمليات ترحيل للاجئين السوريين إلى الشمال السوري، وقد أثارت هذه العمليات جدلاً واسعًا وانتقادات من منظمات حقوق الإنسان، إذ وفقًا لتقارير “هيومن رايتس ووتش”، فإن السلطات التركية قامت بترحيل مئات اللاجئين السوريين بشكل تعسفي بين فبراير ويوليو 2022، حيث تم اعتقالهم من منازلهم وأماكن عملهم ومن الشوارع والطرقات العامة، ثم احتجزوا في ظروف سيئة، وأُجبروا على التوقيع على استمارات العودة الطوعية تحت التهديد، وقد أفادت تقارير BBC إلى أن السلطات التركية أعطت السوريين الذين يحملون هويات “حماية مؤقتة” من محافظات تركية أخرى (غير اسطنبول) مهلة لمغادرة المدينة، وإلا سيتم ترحيلهم إلى المحافظات المسجلين فيها.
وتُظهر الأخبار أن هذه الإجراءات قد تكون جزءًا من استراتيجية تركية أوسع لإدارة الهجرة، وتعزيز أمان الحدود، حيث تطمح الحكومة التركية إلى إعادة 200 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم خلال عام 2024.
هذه السياسات والإجراءات تُثير قلقًا كبيرًا بين اللاجئين السوريين في تركيا، وتُعقد وضعهم القانوني والإنساني، خاصةً في ظل الظروف الحالية في سورية.
موقف الحكومة التركية:
يتسم موقف الحكومة التركية بهذا الموضوع بالتعقيد، فمن جهة، هناك تصريحات من المعارضة التركية تعهدت بترحيل اللاجئين السوريين خلال عامين في حال الفوز بالانتخابات، ومن جهة أخرى، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خطة لإنشاء منطقة آمنة لإعادة نحو مليون سوري إلى بلادهم.
تركيا، التي استضافت ملايين اللاجئين السوريين منذ بداية الثورة في سورية، تواجه ضغوطًا داخلية متزايدة بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مما يجعل ملف اللاجئين موضوعًا حساسًا ومحوريًا في السياسة التركية، وقد أدت هذه الضغوط إلى تغيرات في سياسات الهجرة واللجوء، بما في ذلك ترحيل اللاجئين السوريين.
لذلك، يمكن القول إن موقف الحكومة التركية يتأرجح بين محاولة التوفيق بين الالتزامات الدولية والضغوط الداخلية، وهو ما ينعكس في السياسات المتبعة والتصريحات الرسمية.
موقف المعارضة التركية:
يتميز موقف المعارضة التركية بالتأكيد على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فمرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية، كمال كليجدار أوغلو، تعهد بترحيل اللاجئين خلال عامين إذا أصبح رئيسًا، كما وأعلنت المعارضة عن نيتها مراجعة الاتفاقيات المتعلقة باللاجئين مع الاتحاد الأوروبي، وزيادة عدد وسعة مراكز الترحيل، كما وتركز المعارضة على ضرورة تأمين الحدود ومنع تشكيل ما تسميه “الكانتونات غير المنضبطة” للاجئين، وتؤكد على أهمية عودة السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة إلى بلدهم في أسرع وقت ممكن وفق القانون التركي الداخلي والقانون الدولي.
هذا الموقف يعكس الضغوط الداخلية التي تواجهها تركيا بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ويجعل ملف اللاجئين موضوعًا حساسًا في السياسة التركية.
مما يبدو أنه لا يوجد توافق كامل بين المعارضة والحكومة التركية فيما يتعلق بمسألة اللاجئين السوريين.
فمن جهة، تتبنى الحكومة التركية بقيادة حزب “العدالة والتنمية” سياسة تهدف إلى إيجاد حلول لقضاياهم، بما في ذلك إنشاء مناطق آمنة في سورية تسهيلا لعودتهم. ومن جهة أخرى، تركز المعارضة التركية، وخاصة تحالف الأمة، على ضرورة ترحيل اللاجئين وإعادتهم إلى سورية، معتبرة أن وجودهم يشكل ضغطًا على الموارد التركية ويؤثر على التركيبة الديموغرافية للبلاد.
وقد أصبحت قضية اللاجئين السوريين موضوعًا رئيسيًا في الخطاب السياسي التركي، خاصةً عند اقتراب أي استحقاق انتخابي، حيث تستخدم كل من الحكومة والمعارضة هذه القضية لكسب الدعم الشعبي، ومع ذلك، يبدو أن هناك اختلافًا في الرؤى والأساليب بين الطرفين في التعامل مع هذه القضية الحساسة.
وبعد انتخابات البلديات في تركيا، يبدو أن الموقف التركي (حكومة ومعارضة) حيال ترحيل السوريين لا يزال موضوعاً محوريا في النقاش السياسي، إذ بحسب استبيان قمنا به في بعض المناطق التركية سننشره في موعد لاحق، فإن هناك قلقًا متصاعداً بين اللاجئين السوريين من احتمالية تصاعد موجات الترحيل في الأيام المقبلة! وفي حال اتخذت الحكومة التركية خطوات جادة لاستئناف العلاقات مع دمشق، فإن ذلك قد يؤدي إلى ابرام اتفاق ما لإعادة السوريين إلى سورية (ولو على النَّفس الطويل)، إلا أن التحديات تظل كبيرة ومعقدة.
لذا ومن المتوقع استمرار الحكومة التركية والأحزاب السياسية التعامل مع قضية اللاجئين السوريين كمسألة مركزية في السياسة الداخلية، كما يبدو أن الحكومة التركية تستخدم برنامج مكافحة “الهجرة غير الشرعية” في إسطنبول كدعاية انتخابية، وفي الآن نفسه فإن المعارضة ستستمر باستغلال ملف اللاجئين كورقة تنافسية.
كما يبدو لنا في تيار المستقبل، فمن المحتمل أن تتضمن الخطوات التركية المتوقعة حول السوريين:
- تسريع (العودة الطوعية) للاجئين إلى مناطق شمالي غرب سورية.
- استمرار النقاش حول إنشاء منطقة آمنة لإعادة اللاجئين السوريين.
يُشار إلى أن هذه الخطوات تأتي في سياق معقد يتأثر بالتوترات السياسية والاجتماعية داخل تركيا، والوضع الأمني في سورية، ومن المهم متابعة التطورات لفهم كيف ستتشكل السياسات المستقبلية تجاه اللاجئين.
موقف المجتمع الدولي:
يُتوقع أن يلعب المجتمع الدولي دورًا مهمًا في تسهيل عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى سورية، هذا الدور قد يشمل:
- الدعم اللوجستي والمالي: عبر تقديم المساعدات اللازمة لضمان عودة آمنة وكريمة للاجئين.
- المساعدة في إعادة الإعمار والمساهمة في إعادة بناء البنية التحتية والمجتمعات المحلية في سورية لتمكين اللاجئين من العودة إلى حياة طبيعية.
- الضغط السياسي على كافة الأطراف لخلق بيئة مواتية لعودة اللاجئين.
- التنسيق مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة لتنظيم عملية العودة وضمان حقوق اللاجئين.
من المهم أن تكون هذه الجهود متوافقة مع القوانين الدولية، وتحترم حقوق الإنسان وتضمن عودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين، لضمان عودة آمنة وكريمة إلى بلادهم، وكما نرى أنه على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات ملموسة تشمل:
- توفير الدعم المالي والموارد لضمان توفير التمويل الكافي للمساعدات الإنسانية وبرامج إعادة الإعمار.
- تحسين الظروف في مناطق العودة والعمل مع المنظمات ذات الصلة لتحديد الاحتياجات اللازمة لتحسين الخدمات العامة.
- ضمان الحماية القانونية وتعزيز الأمن القانوني للاجئين عبر مراسيم العفو وتسهيل الإجراءات القانونية للعودة وعدم جعلها قسرية مخالفة لحقوق الانسان.
- التنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتنظيم عملية العودة وضمان حقوق اللاجئين، وتسجيلهم لديها ضمن قيود رسمية.
- تعزيز الظروف المناسبة للعودة والضغط السياسي لتحقيق استقرار الأوضاع في سورية، وضرورة تأمين المناطق التي سيعود إليها اللاجئون.
هذه الخطوات يجب أن تُنفّذ بما يتوافق مع القوانين الدولية، واحترام حقوق الإنسان، وأن تكون العودة طوعية وآمنة.
سورية ليست آمنة لعودة قسرية:
الوضع في سورية معقد ويتغير باستمرار، وهناك تقارير متضاربة حول ما إذا كانت سورية آمنة بما يكفي لعودة اللاجئين إليها! كما هناك مخاطر تحول دون ضمان أمن اللاجئين السوريين العائدين من الأردن ولبنان وتركيا، ويُشار إلى أن الوضع الأمني غير المستقر، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، قد يشكل تهديدًا للعائدين.
الحكومة التركية تعلن أنها تسعى لإعادة اللاجئين طواعية إلى “المناطق الآمنة” في شمال سورية، ولكن يبقى السؤال حول مدى استقرار تلك المناطق وما إذا كانت توفر الظروف الملائمة لعودة آمنة (وهنا نكرر أنه ومن الضروري أن تتم العودة وفقًا للمعايير الدولية التي تضمن العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين، مع مراعاة حقوقهم وحاجتهم للحماية).
المعارضة السورية وترحيل السوريين من تركيا ودول اللجوء قسراً:
لإيقاف الترحيل القسري من تركيا ودول اللجوء للسوريين، يمكن للمعارضة السورية اتخاذ عدة خطوات استراتيجية:
- التواصل الدبلوماسي عبر تعزيز الحوار مع الحكومات المعنية والمجتمع الدولي لشرح الأوضاع الحقيقية في سورية, والمخاطر التي قد يواجهها اللاجئون عند العودة.
- التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية لحقوق الإنسان للضغط على تلك الحكومات لوقف الترحيل القسري.
- المناصرة الإعلامية عبر استخدام الإعلام لتسليط الضوء على قضايا اللاجئين والتأثيرات السلبية للترحيل.
- الدعم القانوني للاجئين السوريين في تركيا ودول اللجوء الأخرى، والتأكيد على حقهم في الحماية الدولية.
- تشكيل منصة حقوقية يكون لها أفرع في دول اللجوء للوقوف على حالات اللاجئين ومتابعة الانتهاكات ودراسة بعض الملفات التي تعد حساسة ومعقدة لذويها، ثم التواصل الرسمي مع حكومات تلكم الدول لفكفكة المسائل العالقة، وتجاوز خلق أزمات توترات بسبب ملف اللاجئين (بين الدول المضيفة واللاجئين أنفسهم).
هذه الخطوات يمكن أن تساهم في تحسين وضع اللاجئين السوريين في تركيا ودول اللجوء، وتقليل احتمالية ترحيلهم.
وفي الحديث عن موقف الائتلاف الوطني المعارض من ترحيل السوريين من تركيا فإنه يتسم بالقلق، والسعي لمعالجة الأخطاء المتعلقة بعمليات الترحيل! حيث عقدت الهيئة السياسية في الائتلاف اجتماعًا لبحث حملة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وتأثيراتها على اللاجئين السوريين، وقدمت مقترحات للجهات الرسمية التركية لتسوية الأوضاع القانونية للاجئين وحسب!
يبدو أن الائتلاف يسعى للتواصل مع الجهات التركية لمعالجة القضايا القانونية والصحية للسوريين في تركيا، ويعمل على تحسين الظروف المعيشية لهم وضمان حقوقهم، ولكن بشكل غير مؤثر بالواقع بكل أسف.
أخيرا، تُظهر قضية ترحيل السوريين من تركيا ضعفاً كبيرا للمعارضة السورية برمتها، إن لم نقل وفشلها في حل هذه المسألة، خصوصا أن المتوقع ازديادها بعد نجاح المعارضة في الانتخابات البلدية، والذي تتحمل بشكل كبير قيادات المعارضة السورية مسؤوليته، وبالتالي فإننا نوصي في المكتب السياسي لتيار المستقبل السوري أن تعمل المعارضة السورية عبر مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية على وقف موجات الترحيل القسري للاجئين، والاستعاضة عن ذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة ليكون ترحيلاً طوعياً وآمناً فعلاً، وبما يضمن حق اللاجئ السوري ويحفظ كرامته ويحميه من التخوف الدائم على حياته التي يراها غير مستقرة، ما يدفعه للسفر عبر البحر وخوض المخاطر للتخلص من هذا التخوف.
الياس عبد المسيح
المكتب السياسي
تيار المستقبل السوري