المكتب السياسيالمكتب العلميد. زاهر إحسان بعدرانيرئيس التيارمقال / تصريحمقالاتمقالات سياسيةمكتب الرئاسة

عاشر المستحيلات

مقدمة:
يؤكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي ٣/١/٢٠٢٤، من العاصمة أنقرة على إنهاء الصراع بين النظام السوري والمعارضة، ونسيان الكراهية بينهما كما جاء في حديثه، ويقول: أن مسألة الاتصال بين بلاده والنظام السوري لها دائماً أبعاد مختلفة، ويمكن أن تكون مباشرة أو غير مباشرة، وعلى مستويات مختلفة، لكن الأولوية الأهم حالياً هي منع نشوب صراع جديد بين النظام السوري والمعارضة”.
ويقول بتصريح لافت: “تركيا تسعى لوقف أي صراع بين الطرفين، لمنع حدوث هجرة جديدة”.
ولعل أهم ماجاء في تصريحه قوله: “في بيئة هادئة وخالية من الصراعات يمكن نسيان الكراهية لدى الجانبين، ويمكن أن يظهر موقف سياسي تجاه السلام وبناء المستقبل”.

ومفهوم الكلام أن هناك حراكاً ما بين الدول الكبرى المتدخلة في سورية لمحاولة جمع النظام السوري والمعارضة ضمن تصور ما، ومن نافلة القول هنا أنّ كل دولة لها مصالحها، ولن تخطو نحو التواصل بينها وبين النظام السوري أو حتى المعارضة السورية إلا بما يوافق رؤيتها الوطنية والأمنية، ومصالحها الإقليمية والعالمية.
وهنا يمكننا القول بشكل شبه رسمي أن طبخةً هادئة لمصالحة النظام السوري والمعارضة تُعدُّ في مطبخ الدول المعنية لتوضع على مائدةٍ تجمع النظام السوري بمعارضته، وليأكل منها الشعب الجائع لاستقراره والمتعطش لحل أزماته.

لنتحدث بصراحة:
ماذا لو تحدثنا بصراحة وهدوء، وتوقفنا عند مجريات الأحداث بعقلية رجال دولة، ولنقول بتجرد أن النظام السوري لم يستطع كسر شوكة المعارضة السورية، ولا المعارضة استطاعت تقويض أركان نظام الأسد! فالنظام السوري اصطدم بحائط القواعد التركية، على اعتبارها الداعم الخارجي للمعارضة السورية، إضافة لتواجد الثوار من المسلحين في المناطق خارج سيطرته، وكذلك المعارضين من المدنيين، والذين يرفضون مجرد التفكير بالتعايش معه، ويملكون من الشراسة العقائدية ضده وضد جنوده ما لن يسهل قهره، ولعل تجربة درعا خير دليل على أن المناطق الثائرة ليست كومة حجارة وأرصفة وبيوت، بل هي شعبٌ رافضٌ لعودة سلطة النظام بقبضته المخابراتية. وبالتالي، حتى لو استلم النظام السوري ادلب مثلاً من هيئة تحرير الشام ليحصل على طريق الـ m4، فإنه لن يأمن على حواجزه ولا عناصره من صراع لن ينتهي، يحمل شعلته الشعب الغاضب بغالبيته، والحامل لثأره الذي لن ينتهي كما يبدو مادام النظام السوري، بل يمكن القول إن مصلحة النظام السوري تكمن في استمرار سلطات الأمر الواقع خارج سيطرته لضبط من خرج من مناطقه، فلا يسببوا له صداعاً على أقل تقدير كحال درعا، أو حتى السويداء، طبعاً هذا في حال أن قرر الشعب الذي استدمَت عقليته ترك العمل المسلح والتوجه نحو العمل المدني، فما بالكم إن كثّف من غزاواته أو استفاد من تجربة حماس الأخيرة ليقضّ مضجعه ويمرّغ أنفه!
إذاً فليس من مصلحة النظام السوري أبداً أن يعود الشعب الثائر لحظيرته.
أما المعارضة السورية فهي بين فصائل متعددة لم تستطع لم شعثها، ولا توحيد رؤيتها، سواء بـِ “هيئة تحرير الشام” التي باتت تأكل اليوم بعضها، أو فصائل “الجيش الوطني” التي ما أن تجتمع حتى تتشرذم، ثم لتجتمع وتتشظى من جديد في حالة مأساوية ومسار دوراني يبدو أنه لن ينتهي، أما “قسد” المشغولة بصراع الحداثة الرأسمالية، وتطبيق منهج أوجلان، ومحاربة تركيا لصالح الـ pkk، فإنها الأخرى غارقة في أوحال نهرٍ مليئ بالأعشاب المغرقة.
نعم، لم تصطدم المعارضة السورية بحائط واحد، بل بجدران روسية وإيرانية وتركية، وميليشياوية، وفي بعض الأحيان تآمر عربي!
لقد كان التدخل الخارجي عامل خسارة كبيرةٍ وموجعةٍ للمعارضة السورية بدءاً من تدخل الروس وحتى يومنا هذا، حيث يرفض الروس حتى فكرة تنحي بشار الأسد، وانتهاءً بتصريحات تركيا ذات الصلة بحديثنا هذا.

وعلى الصعيد الشعبي، فلاشك أن فتح جبهاتٍ ضد النظام السوري بات من (ثامن المستحيلات) في ظل الوضع الراهن! فلا السلاح يكفي، ولا الجهوزية العسكرية تسمح، ولا الظرف الدولي يقبل أو يساعد.

إذاً ما الطريق الآن؟
في نقاش دار مع بعض الأصدقاء السياسيين رأوا أن الطريق لا يعدوا أن يكون استمراراُ للوضع على حاله، أو نجاح الدول الكبرى في تقاسم كعكة سورية، وبالتالي إعلانهم فرض تسويةٍ ما بين النظام السوري والمعارضة بأي شكل من الأشكال، رغماً عن كليهما.

إننا في تيار المستقبل السوري نرى طريقاً أو معبراً ثالثاُ، يكمن بتطبيق تجربة ألمانيا الغربية، والتي تحدثنا عنها في بحث سابقٍ منشور. لكنّ تلك التجربة تبقى برأي كثير من المحللين (المستحيل التاسع)!، فلا المعارضة السورية تقبل، ولا هيئة الجولاني تفكر، ولا قسد تهتم، وفوق ذلك كله فإن الخلاف الأمريكي التركي يبقى في حالة مد وجزر في سورية، إلى أفق غير معروف الخاتمة.

هذا ما جعل فريقاً بدأ يتشكل بالخفاء طيفه، يتساءلُ فيقول: هل نبقى على مانحن عليه، ننتظر مجريات طوفان الأقصى وارتداداته علينا، أو بانتظار تقاطع مصالح الدول المتدخلة ببلدنا سورية نحو إفراز حلٍّ ما على قياسهم!!
يقولون: ماذا لو فكرنا خارج الصندوق قليلاً! ماذا لو تم رسم معالم تشكيل لوبي ضمن صفوف المعارضة السورية يمد يده للوبي آخر يمكن تشكيله من طرف النظام السوري!، على أن يعمل كلٌّ منهما على تعبيد فتح طريق وطني سوري ( يحفظ أهداف الثورة الأولى حسب رأيهم)، ويعتمد مبدأ (التواضع الوطني)، فيعطي كلٌّ منهما الوزن الحقيقي للطرف الآخر، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، فبرأي هؤلاء أن النظام السوري قويٌّ دولياً إن أضيفت له معارضة الخارج الطامحة لتغيير كل شيء، وكذلك يمكن للمعارضة السورية أن تقوى من خلال فرض وجودها داخلياً مع النظام ضمن مفاصل الدولة بشكلٍ ما.
يتعللون بأن ذلك يحفظ ما بقي من البلد، ويسحب البساط من تحت أقدام جميع القوى الدولية، ليُعيد للشعب تقرير مصيره من جديد (وحده)!!

ونحن نقول: نعم لعل هذه (عاشر المستحيلات)!، ولكن المفاجآت ضمن المتغيرات الإقليمية والدولية علمتنا أنه ما من مستحيل إلا وهناك من يعمل لجعله ممكناً! وأن عمّال الخفاء الذين يعملون بصمت، هم الصوت الأكثر ضجيجاً في الساحات حين يصبح الأمر واقعاً.
هؤلاء المتماهون مع الرؤية التركية ومن تدور تركيا بفلكهم أو يدورون بفلكها، هم أنفسهم سببٌ مباشرٌ كما يعلم الجميع لانحدار الخطاب السياسي الرسمي من نبرة إسقاط نظام الأسد وصولاً لتصريح وزير خارجيتها الأخير!! وهذا ما يجعلنا نظن بشدة أن هناك مِن رَبعِنا مَن هو منخرطٌ فعلاً بصنع أو تجهيز نفسه ليكون في قطار صناعة (عاشر المستحيلات)، ولعل أحاديث (الهمس) مع بعض رموز هذه المرحلة يؤكد أنهم باتوا مؤمنين أن صناعة هذا المستحيل سيجعل منهم الأبطال الأشاوس الذين انقذوا البلد من إمكانية فرض أي قرار دولي خارجي يُلزم كلا الطرفين بشكل قاهر ومُهين.

ولكن:
هل بات الطرفان مستعدان لإقرار أنهما لا يملكان إقصاء بعضهما؟!، هل النظام السوري مستعد للتواضع والاعتراف بوجود معارضة وطنية سورية قوية لها امتداتها الداخلية والخارجية؟!، معارضةٌ ترفض سرديته ومنهجه وعقليته وحزبه وطريقته كلياً وجزئياً، معارضةٌ مدعومةً بشعب بات مسلحاً، وعصياً عن الطاعة كما كان حاله قبل 2011؟!

وبالمقابل هل المعارضة السورية مستعدةٌ رسمياً للإقرار بحالة تموضع النظام السوري ضمن صورة إقليمية بل دولية (لم تسمح بتغييره ناهيكم عن اقتلاعه)؟!
نقول لفريق صنع المستحيل العاشر رويدك قليلاً، فأوراقك ما تزال من القوة بمكان (إن) أعدت النظر في مواطن قوتك إقليمياً ودولياً، ثم قدمتها للمجتمع الدولي ضمن حزمةٍ مقبولةٍ تتقاطع ومكتسباتنا في جنيف ومقررات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ومن تلك الأوراق التي تمتلكها المعارضة بوجه النظام السوري:
1- لن يتم رفع العقوبات عن النظام السوري دون تغيير سياساته، وضمن تسوية بينه وبين المعارضة السورية التي تملك اعترافاً سياسياً دولياً تستطيع من خلاله لعب دورٍ كبيرٍ لكسر عزلتها.

2- هناك حاجة لاستجلاب أموال إعادة الإعمار، الأمر الذي لن يأتي دون تسوية شاملة بحيث تكون المعارضة السورية طرفاً فيها ومنها.
وغيرها الكثير والكثير مما يمكن إفراد بحثٍ خاصٍ له.

خاتمة:
لاشك أن النظام السوري والمعارضة السورية أصبحا كحجري شطرنج تحركهما الدول الكبرى المتدخلة حالياً، وإن النظام السوري والمعارضة فقد كل منهما الكثير من قدرتهما على إدارة الصراع في سورية، ولكن ورغم ذلك، يبقى فريق صناعة المستحيل العاشر يعمل سراً لتأمين حصول اتفاق وطني يرونه قادماً، بحيث يتم الدعوة له برعاية الأمم المتحدة مثلاً، وبدعمِ وتوجيه الدول المعنية بالملف السوري وعلى رأسها تركيا، مع التنبه أننا حين نقول تركيا، فإننا نذكر على الأقل روسيا (لحالة التّنسيق والتّناغم الحاصل بينهما في العديد من المسائل الجوهرية المتعلقة بالملف السوري)، فهل فعلاً يعتقد فريق صناعة (عاشر المستحيلات) أنه في الطريق نحو قمة تحقيق انجازٍ وطني، أم أنه على شفا جُرفٍ سحيقٍ سيودي بهم وبما بقي من سورية نحو مستقبلٍ مرهون بيد النظام السوري (أباً عن جدٍ بلوغاً لعصر الحفيد)، بينما تبقى إمكانية الخروج عن أي تسويةٍ دولية أقل كلفةٍ وأكثر واقعيةً وإن طال الزمن وتعاقبت السنون!!

وبقي أن نقول: إننا في تيار المستقبل السوري نمد اليد لكل توجه وطني حرّ نظيف، ينتقل بسورية نحو إنهاء هذا الواقع المأساوي، وبلوغ مرحلة جديدة يتم السماح فيها لكل الكيانات بالعمل المشترك دون إكراه داخلي، أو إملاءٍ خارجي.

د. زاهر إحسان بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى