خطر الزواج المبكر (أسباب وحلول)
مقدمة:
لعل إحدى العلامات على تقدم مجتمع ما وتخلفه هي انتشار ظاهرة “الزواج المبكر”، فالزواج المبكر كان حالة طبيعية عرفتها البشرية قبل الثورة الصناعية ودخول العالم في العصر الحديث الذي يقوم على حقوق إنسانية لها تفريعاتها الكثيرة، حتى استقرت على ما هي عليه اليوم وما تزال تتشعب حسب تطور الأحداث والضرورات.
فمن الحقوق الانسانية حق التعليم الأساسي وثم حق إكمال التعليم الأكاديمي، الأمر الذي يجعل الزواج المبكر عائقاً كبيراً في تحقيقه لدى المرأة.
ومن الحقوق الإنسانية حق المرأة باختيار شريك حياتها، وعدم جواز فرض الأهل أو المجتمع في تحديد هذا الخيار، الأمر الذي يجعل الزواج المبكر عائقاً كبيراً في تحقيقه.
ومن الحقوق الإنسانية حق المشاركة بالشأن العام، واكتمال الشخصية السوية، الأمر الذي لا يسمح به الزواج المبكر للنساء، حيث يبعدهنّ عن التفاعل مع الشأن العام، ويجعلهن في طفولتهن أسيرات الأسرة وفي مقتبل شبابهن حكراً لتربية الأولاد وحسب! حتى سمعنا في مجتمعنا من يقول: “أطفالٌ يلدون أطفالاً”.
فحسب تقرير نشره صندوق الأمم المتحدة للسكان في آذار/مارس 2019، وحمل عنوان “عندما تغني الطيور الحبيسة: قصص الفتيات السوريات اليافعات”، فقد تضمنت 12 % من الزيجات المسجّلة بين السوريين، فتيات تحت سن الثامنة عشر عاماً عندما اندلعت الأزمة عام 2011، وقد ارتفعت هذه النسبة إلى 18 % عام 2012، وإلى 25 % في عام 2013، وفي أوائل العام 2014، وصلت النسبة إلى 32 % وبقيت ثابته منذ ذلك الحين.
وقد صرحت المسؤولة عن برنامج مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي في صندوق الأمم المتحدة للسكان “وداد بابكر” 2019، بأنّ نسبة الزواج المبكر في سورية ارتفعت من 13 إلى 46 بالمئة خلال فترة الحرب التي تتعرض لها البلاد، مؤكدة أن معدل ارتفاع الزواج المبكر عاد للارتفاع في البلاد رغم انخفاضه قبل الأزمة، وأنّ النسبة تمّت وفق الدراسات التي أجراها الصندوق في العديد من المناطق السورية.
أسباب الزواج المبكر في سورية:
يمكن ترتيب أسباب الزواج المبكر، حسب التأثير على النحو التالي:
1- الجهل بحقوق الإنسان والمرأة، ما يسمح بالدرجة الأولى من عدم جعل اعتبار لرأيها بالزواج، على اعتبارها طفلة لم تبلغ الرشد، خصوصا أن الزواج يتم بين عمري 12- 16 سنة! أي لم تبلغ الطفلة العمر القانوني المعترف به بالقانون.
يذكر تقرير لليونيسف في آب/ أغسطس 2019، إن حوالى 40% من البنية التحتية للمدارس في سورية تعرضت للضرر أو للدمار في أثناء الحرب، وأن أكثر من 2 مليون طفل – أي أكثر من ثلث الأطفال السوريين- هم خارج المدرسة، وأن 1,3 مليون طفل يواجهون خطر التسرب، فيما يحتاج واحد من بين ثمانية أطفال في كل صف دراسي إلى دعم نفسي واجتماعي مختصّ، لتحقيق التعلّم الفاعل.
ويذكر التقرير أيضًا أن أكثر من 800 ألف طفل سوري ما يزالون خارج المدرسة، وأن ما نسبته 38% من الأطفال السوريين الموجودين في الأردن الذين تراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة غير ملتحقين بالمدارس، ويُرجع سبب التسرب أو عدم التسجيل في المدرسة إلى بُعد المسافة والتكلفة والاكتظاظ والتعرض لظاهرة التنمّر.
2- الفقر، فالأسرة الفقيرة تهتم بتكثير النسل بغية الوصول إلى تعداد ذكور يسمح تواجدهم بسوق العمل من تحملهم نفقات المعيشة والحياة مع ذويهم، وأما المرأة ففي عموم الخريطة السورية لا تُعتبر يداً عاملة، لهذا يكون من الأنسب أن يتم التخلص منها عبر الزواج المبكر بشكل يقبله المجتمع والعرف، ليخفف زواجها نفقاتها على أسرتها بشكل أو بآخر.
3- النزوح الموجع، لعل من أكثر ما فتت المجتمع السوري وجعله يتردى في قاع التخلف عن الدول المتقدمة، هو النزوح سواء داخل سورية أو خارجها، هذا النزوح الذي يُنهي علاقة الأسرة بمحيطها سواءٌ أرضها أو بيتها أو قريتها، لتنتقل لمكان تبدأ فيه من نقطة الصفر، الأمر الذي يجعل من الزواج المبكر حامياً للنساء -حسب قناعة بعض الأسر- من تبعات فقدان الأمن بمناطق النزوح، فينقل الأهل مسؤولية حماية بناتهم عن عاتقهم إلى عاتق الزوج وعائلته وعشيرته.
4- العادات القديمة والفهم السقيم، حيث تعتبر الزواج المبكر تقليداً يجب الاهتمام به، واعتبار المرأة التي تتجاوز العمر المتعارف عليه للزواج – دون 17 سنة- عانساً بواراً، وقد تعاني بسببه من اضطهاد مجتمعي، وشعور بفقدان الأمل بتأسيس عائلة طبيعية.
سلبيات الزواج المبكر:
لعل أهم سلبية للزواج المبكر هو عدم التفكير في الحالة السورية المعقدة غير المستقرة، فالشعور بفقدان الانتماء للوطن يجعل الكثير من الشباب يفكر بالهروب عبر البحار والبحث عن حياة كريمة، الأمر الذي يجعل الزوجة تعيش حالة من التفتت الأسري بشكل أو بآخر.
إضافة إلى حالة الحرب التي ما تزال مستعرة، والتي تلتهم الشباب دون الثلاثين سنة، ففي تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عام 2017 حلت سورية في المركز الأول عالميًا في معدلات القتل، إذ بلغ عدد قتلى الحرب في سورية عام 2016 ستين ألف قتيل، الأمر الذي يرمي بالنساء الصغيرات في صف الأرامل، ليعانين من تبعاته الاجتماعية السيئة في المجتمع السوري، إذ رغم عدم وجود إحصاءات رسمية حديثة، فإنه يمكن الاستناد لاحصاءات قديمة قليلاً، فوفقًا لـ “الدليل التجاري السوري” نقلًا عن إحصاءات 2018 للمكتب المركزي الإحصاء، فقد بلغ عدد الأرامل السوريات بفعل الحرب في سورية 518 ألف أرملة، مقابل 34 ألف رجل أرمل.
ومن السلبيات شياع ظاهرة العنف الجسدي، فالزواج المبكر غالباً ما يكون دون أهليةٍ كافية لدى الطرفين، ودون وجود ميزان الحقوق والواجبات، واهتمام بعضهما بحقوق الآخر، الأمر الذي يخلق حالة من استخدام العنف من الزوج باعتباره المسؤول الأقوى بالأسرة، مع ما يحفه العنف الجسدي من قبول مجتمعي وفهم ديني سقيم في بعض الأحيان، تقول لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سورية في تقرير لها بعنوان: “فقدتُ كرامتي: العنف الجنسي والجنساني في الجمهورية العربية السورية”، يستند إلى 454 إفادة قُدمت من الناجين وأقاربهم والمنشقين ومقدمي الرعاية الصحية والمحامين وأعضاء المجتمعات المتضرِرة، ويستعرض استخدام الأطراف المتصارعة للعنف الجنسي والجنساني منذ بداية الانتفاضة في آذار/ مارس 2011 وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2017: “أخضعت أطراف النزاع السوري -على مدى السنوات الست ونصف السنة الماضية- النساء والفتيات والرجال والأولاد للعنف الجنسي والجنساني، وفق ما ذكره فريق من خبراء الأمم المتحدة اليوم.
إضافة إلى انتشار ظاهرة الطلاق المبكر بسبب نضوج عقلية الزوجين مع التقدم بالعمر واكتشاف الفوارق بينهما، ففي مناطق النظام السوري يؤكد القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي ارتفاع معدل حالات الطلاق في المحكمة الشرعية بدمشق إلى 9468 حالة، مشيرًا إلى أن نسبة حالات الطلاق إلى الزيجات الجديدة وصلت إلى 27%، وأشار إلى أن نسبة الطلاق وصلت إلى 13% من مجمل حالات الزواج منبهًا إلى ارتفاع نسبة زواج القاصرات، وهو أحد أكثر أنواع الزواج التي تنتهي بالطلاق.
خاتمة:
يظهر من كل ما سبق خطورة الزواج المبكر على المجتمع ككل، فالزواج المبكر لا يكون بين شريكين أحبا بعضهما، أو حصلت بينهما علاقة ونحوه، إذ قد يكون الزواج المبكر حلاً لبعض المشكلات المجتمعية النادرة، لكنه في الحالة السورية يُعتبر سمتاً وصفة ملازمة في كثير من المناطق السورية، خصوصاً الشمال السوري، ومخيمات النزوح في دول الجوار! ومما يفاقم المسألة تعقيداً زيجات بعض قليلي الضمير من الرجال البالغين المصابين بالبيدوفيليا، والذين يُطمعون بعض العوائل المحتاجة لتزويجهم بناتهن الصغار.
لهذا يكمن الحل لحل معضلة الزواج المبكر بحل أسبابه، حيث أننا في تيار المستقبل السوري، وحسب رؤيتنا ومنهجنا العام، نرى أن السلبيات الإجتماعية يجب حلها بمبادرات مجتمعية، ولهذا فإننا نوصي بما يلي:
1- نشر الوعي القانوني والانساني والديني المعتدل عبر انتشار التعليم المجاني والملزم حتى المرحلة الأساسية على أقل تقدير، مع تيسير الوصول للمدراس والجامعات واستجلاب منح دراسية خارجية تُساعد على تغيير العقلية المجتمعية السلبية.
2- القضاء على الفقر والسعي لضمان مستقبل السوريين من خلال تيسيير وصولهم لأعمال تحقق لهم دخلاً معقولاً، مع نشر ثقافة الضمان الاقتصادي، والتأمين، وضمان الشيخوخة، ويلحق به.
3- إنهاء حالة النزوح السورية المؤلمة، والذي لا يمكن تحقيقه في الحالة السورية بغير الانتقال لمرحلة الحل السياسي الشامل والوصول إلى بناء دولة القانون والحداثة.
4- العمل على تغيير العادات المجتمعية السلبية عبر نشر عادات عصرية حديثة، ويمكن لرجال الدين نشر الخطاب الديني المعتدل، وأن يُعتمد كرفدٍ مهمٍ نحو تغيير تلك العقلية التي تدفع نحو تلكم العادات السلبية، إضافة لنشر الثقافة المدنية العصرية، ومفهوم حقوق الإنسان، والتطلع لدولة المواطنة الحقيقة العادلة، فيشعر المجتمع نفسُهُ بخطورة الزواج المبكر دونما تدخل خارجي.
وهيبة المصري
مكتب الأسرة
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري
المراجع:
“- عندما تغني الطيور الحبيسة: قصص فتيات سوريات يافعات” في آذار/مارس 2019. آخر زيارة في 24 نيسان/أبريل 2020. https://arabstates.unfpa.org/ar/publications/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%BA%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%8A%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%81%D8%B9%D8%A7%D8%AA
- ” فتيات صغيرات تزوجن أكثر من مرة!! … الصندوق السكاني: الزواج المبكر ارتفع إلى 46 بالمئة في سورية في الأزمة” صحيفة الوطن السورية في 11 آذار/مارس 2019. آخر زيارة في 17 تموز/يوليو 2020. https://alwatan.sy/archives/190376?fbclid=IwAR1wuBGbPSH7Ho1ZfjGbrC1ebuavq8yqFWi78WgIbOsod42v_aW49WzJ_RE
- سوريا الأولى عالميًا في جرائم القتل.. الدولة الثانية جارة أميركا، صحيفة الاتحاد الإماراتية، 10 أيار/ مايو 2017:
https://bit.ly/34aRHKe - لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا: العنف الجنسي والجنساني المُوجَه ضد النساء والفتيات والرجال والأولاد من بين سمات النزاع المُدمِرة والمُستشرية، ويجب أن ينتهي الآن، 15 آذار/ مارس:
https://bit.ly/2T3i1zg - الأزمة السورية: حقائق سريعة، يونيسف، آب/ أغسطس ٢٠١٩:
https://uni.cf/2FmR6uO - الدليل التجاري السوري – بفعل الحرب .. نصف مليون أرملة ومليون عانس في سورية:
https://bit.ly/2T3ijpQ - ليلى سالم، ثلث الزيجات الجديدة تنتهي بالطلاق في سورية، العربي الجديد، 1 آب/ أغسطس 2017:
https://bit.ly/37jGmtk