المكتب السياسيبحوث ودراسات

المعتقلون السوريون.. جرحٌ لا يندمل

انطلقت الثورة السورية من احتجاجاتٍ شعبيةٍ عفويةٍ سلميةٍ عام 2011، استخدام النظام السوري الاعتقال والحبس التعسفيين بشكل متعمد لبثِّ الخوف وقمع المعارضين بين المدنيين، وشملت حالات الاعتقال السياسية على خلفية الحراك الشعبي، ثم انتقال الثورة إلى العسكرة.
وفي تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عام 2022م، فقد تم توثيق ما لا يقلُّ عن 2221 حالةَ اعتقالٍ تعسّفي واحتجازٍ بينهم 148 طفلاً و457 سيّدةً، وفي عام 2023م وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ما لا يقل عن 223 حالة اعتقال في سورية خلال شهر آب الماضي، منها 57 مدنيًا شاركوا في احتجاجات مناهضة للنظام السوري، من بينهم 14 طفلًا و17 سيدة، وقد تحوّل 183 منها إلى حالات اختفاء قسري، وفق تقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان يوم السبت 2 من أيلول 2023.
وكانت 121 حالة اعتقال على يد قوات النظام السوري، و42 حالة على يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، و32 حالة على يد “هيئة تحرير الشام” المسيطرة في إدلب، و28 حالة على يد فصائل “الجيش الوطني السوري”.
كما ووثقت”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ما لا يقل عن 1467 حالة اعتقال تعسفي منذ مطلع العام الحالي حتى نهاية آب، تحوّل 1219 منها إلى مختفين قسريًا، ليكون بذلك شهر آب هو ثاني أشهر العام الحالي في ارتفاع أعداد المعتقلين بعد شهر أيار الذي شهد 226 حالة اعتقال.

هذا وقد رفعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حصيلة المعتقلين والمختفين قسرياً في سورية في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 15/ تشرين الثاني/ 2023م إلى 135 ألفا، ليتم توثيق ما لا يقل عن 221 حالة اعتقال/ احتجاز تعسفي بينهم 19 طفلاً و14 سيدة، قد تمَّ توثيقها في تشرين الثاني 2023.
وقد أوضحَ التَّقرير -الذي جاء في 27 صفحة- أنَّ معظم حوادث الاعتقال في سورية إنما تتمُّ من دون مذكرة قضائية، وذلك لدى مرور المُعتقل من نقطة تفتيش أو أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الخمسة الرئيسة التابعة للنظام السوري هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية، ويتعرَّض المعتقل للتَّعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، كما ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه.

وتُنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التَّعسفي، ليتحوَّل معظمهم إلى مختفين قسرياً.

جهودٌ سياسيةٌ مبذولة:
1- المعارضة السورية:
تتضمن جهود المعارضة السورية في ملف المعتقلين في عام 2023 العديد من الأنشطة منها:
• تكرار فتح الملف في العديد من الندوات والمناسبات الدولية.

• تجهيز وإعداد الوثائق التي تدين النظام السوري.

• متابعة ما يجري من عمليات اعتقال حديثة.

• التعاون مع المؤسسات الدولية المستقلة لشؤون المختفين قسرياً.

• العمل على توحيد جهود ذوي المعتقلين والمفقودين.

• العمل على تطوير تصور لعمل المؤسسة الدولية الجديدة.

• العمل على تحقيق العدالة والمحاسبة.

2- المجتمع الدولي:
أما جهود المجتمع الدولي بشأن المعتقلين السوريين، فتتضمن العديد من الأنشطة منها:
• توثيق شهادات المعتقلين السابقين في السجون السورية.

• العمل على تحقيق العدالة والمحاسبة.

• إنشاء آلية دولية مستقلة لتنسيق ودعم الإفراج عن المعتقلين والبحث عن المفقودين.

• التعاون مع كافة أطراف المجتمع الدولي لتشكيل آلية إنسانية دولية مستقلة لتحديد أماكن الأشخاص المختفين قسرًا والمحتجزين من جانب كافة أطراف النزاع.

• العمل على تحقيق تقدم كبير بشأن المعتقلين والمختفين قسراً.

النتيجة؟
لقد استطاعت كل هذه الجهود من قبل المعارضة السورية والمجتمع الدولي بالضغط على النظام السوري في ملف المعتقلين، ولكن هذا الضغط لم يأتِ بنتيجة معه لإطلاق سراحهم، ولم يُنهِ سياسته ببسط يد أجهزته الأمنية للنيل من اي حراكٍ شعبي وإن جاء على صورة استنكارٍ!

وهنا لابد من تبيان أن النظام السوري حاول إنهاء ملف المعتقلين عبر عدة طرق:

  1. الإفراج عن بعض المعتقلين من خلال عمليات تبادل للأسرى بينه وبين فصائل المعارضة العسكرية.
  2. الإفراج عن بعض المعتقلين من خلال دفع الرّشاوات للمسؤولين لدى النظام السوري من أجل الكشف عن مصيرهم أو إطلاق سراحهم.
  3. استخدام القوانين والمراسيم حول مكافحة الإرهاب لإدخال شرائح كبيرة من المعتقلين تحت بند الجرائم الإرهابية، وبالتالي اخراجهم من معتقلات المخابرات إلى السجون المختصة بجرائم الارهاب.
  4. تحويل التوصيف القانوني من محتجزين ومعتقلين تعسّفياً إلى أسرى حرب.
  5. إصدار وثائق الوفاة لبعض المعتقلين.

ومن خلال ما كشفته الصور المسربة لجثث المعتقلين,، إضافة لتقاطع معلومات خاصة من قلب النظام السوري، فيمكن اعتبار كل معتقل سوري قبل عام 2018م، لم يخرج من أقبية المخابرات إلى سجنٍ مدنيٍّ خاضعٍ للقضاء، أو لم يتم الافراج عنه، فقد تم إعدامه! ولابد أنه في إحدى صور قيصر أو باقي مجموعات الصور التي لم تُكشف بعد!.
وبذلك يكون النظام السوري قد أنهى ملف المعتقلين حسب خطته في تبييض السجون، الأمر الذي أقنع به بعض الأطراف الدولية ومنها أنظمةٌ عربية!

ومن الجدير بالذكر أن هذه الإجراءات لا تعتبر حلاً نهائياً لملف المعتقلين وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فالحل النهائي يتطلب الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وتحديد مصير المختفين قسراً منهم، وتحقيق العدالة للأشخاص المختفين قسرياً.
إضافة إلى ملف المعتقلين والمختفين قسرياً في مناطق سيطرة المعارضة السورية والإدارة الذاتية، والتي لا تخضع كذلك لآليات مراقبة شفافة.

خاتمة وتوصية:
لأجل آهات المعتقلين وذويهم، وظلام السجون، وأوجاع المعذبين في سورية، ولأجل من تم توثيقهم، ومن لم نتمكن بعد، فإننا في تيار المستقبل السوري ننطلق من المسلّمات التالية:

  • المناطق السورية اليوم، تعدّ كافةً في حالةٍ من غياب سلطة الدولة والقانون، مما يحتّم عدم وجود قضاء نزيهٍ يخضع لحقوق الإنسان الدولية، وهذا ينطبق على مناطق المعارضة السورية و مناطق قسد، وكذلك مناطق نفوذ النظام السوري، مع ملاحظة أنه لا يمكن مقارنة إجرام نظام الأسد بغيره أبداً، إذ أن وجود حالات اعتقالات في مناطق خارج سيطرة النظام لا تعتبر سياسة دولة، كما هو الحال في مناطق النظام السوري !!
  • لا يوجد لدى سلطات الأمر الواقع في سورية قدرة ذاتية على معالجة ملف المعتقلين، ولا آليات سليمة تضمن حقوق الإنسان ولا حتى ضمانات قضائية أو إجراءاتٍ حقوقية.

لذا فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي أن يفرض المجتمع الدولي عبر آليات قوانين الأمم المتحدة إشرافاً مباشراً على السجون لدى مختلف سلطات أمر الواقع تحت طائلة العقوبات تحت الفصل السابع، ودفعاً لوقف حالات اعتقال أي مواطن سوري خارج إطار القضاء، وصولاً إلى حل سياسي يتم من خلاله بناء دولةٍ جديدةٍ مبنيّةٍ على سلطة القانون.

  • ونوصي لاستحصال ضمانات الدول الإقليمية والدولية ذات الصلة المتدخلة في الشأن السوري، فموضوع المعتقلين سواء المدنيين منهم أو السياسيين لا دخل له بالمصالح الدولية في سورية.
  • أخيرا فإننا نقترح العمل على مؤسسة مدنية أهلية سورية في كل مناطق الصراع، ليس لها مهمة سياسية، ولا يُطلب من أفرادها أن يكونوا أصحاب مواقف سياسية، بل مهمتها أن تكون حاضنةً أهليةً لكلّ معتقلٍ سابق أو لاحق، على أن تضع نصب عينها خطة عمل تبدأ بحصر الأسماء وبناء قاعدة معلومات عن المعتقلين والمغيبين قسرياً والذين تمت تصفيتهم، ثم توكيل محامين للدفاع عنهم والمطالبة بالإفراج الفوري عنهم، بلوغاً لهدف تبييض كافة السجون على امتداد التراب السوري.

ابراهيم مصطفى
باحث في قسم البحوث والدراسات
المكتب السياسي
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى