آخر الأخبارالمكتب العلميباحثون مستقلون

حول الواقع الأمني السوري وتأثيره على عودة اللاجئيين السوريين

يعد الواقع الأمني في سورية قبل الثورة في 2011م وما بعدها، موضوعاً مهماً ومعقداً، لذا يتطلب منا تحليلاً تاريخياً وسياسياً واجتماعياً، وقد تطورت الأوضاع الأمنية في سورية خلال العقد الماضي عبر مراحل مفصلية وهي:

  1. قبل الثورة، حيث كانت سورية تحت حكم نظام بشار الأسد، والذي تولى السلطة عام 2000م بعد وفاة والده حافظ الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد منذ عام 1970م.
    كان اعتماد تثبيت دعائم النظام السوري يقوم على بسط سلطة أجهزته الأمنية المتشابكة والمتنافسة في آنٍ معاً، بحيث تتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة!
    كانت كما يقول رئيس تيار المستقبل السوري د.زاهر بعدراني أشبه بأصابع الكف الواحدة والمرتبطة بذراع الرئاسة، مع إمكانية تحريكهم معاً أو منفصلين حسب الضرورة والحاجة، وبات نفوذها ظاهراً بيناً في جميع مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، كانت تلك الأجهزة تملك حرية التصرف (كرت بلانش)، حيث تمارس جميع أساليب القمع والتعذيب والاعتقال والقتل ضدّ أي معارضٍ أو نصفِ معارض، أو ناشط، أو صحفي، أو مواطن ينتقد النظام أو يطالب بالإصلاحات، أو حتى مواطن وشيَ به أنه من بين مَن ذكرنا آنفاً (وهو مما نُسب إليه براء).
  2. في عام 2011، اندلعت الثورة السورية في إطار الربيع العربي، حيث خرج الآلاف من السوريين في مظاهرات سلميّة ضد نظام الأسد، مطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية، وكان رد النظام السوري عنيفاً شديداً حاسماً، فمع أول حِراكٍ شعبي قتل واعتقل من المتظاهرين والمدنيين بشكل عشوائي بالمئات إن لم نقل بالآلاف! وتحولت الثورة معها إلى معارك بين أبناء الوطن، فما لبث أن انشق ضباط وأفراد من الجيش السوري، وتشكلت على إثره فصائل مسلحة مختلفة لمحاربة النظام السوري المدجج بالسلاح والعتاد والذخيرة.
    وهنا تدخلت قوى خارجية في الصراع، داعمة للنظام السوري أو للمعارضة السورية، مثل إيران وروسيا وحزب الله وتركيا والسعودية وقطر والإمارات والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهم.
    وكعادتها استغلت الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، الفوضى في سورية لنشر نفوذها، وفرض رؤيتها.
  3. بعد الثورة، تدهور الواقع الأمني في سورية بشكل كبير، حيث شهدت البلاد مجازر، وتهجير، وتدمير، وانتهاكات لحقوق الإنسان، على نطاق واسع.
    وتفتتت البلاد إلى مناطق متنازع عليها بين النظام السوري، والمعارضة السورية، والجماعات الإرهابية، والقوات الخارجية. وتضررت البنية التحتية، والخدمات الأساسية، والمؤسسات الحكومية والمدنية. وعانى الشعب السوري من الفقر، والجوع، والمرض، والنزوح، واللجوء.
    وفقدت سورية مئات الآلاف من أبنائها وبناتها، وتشرَّد ملايين آخرين داخلياً وخارجياً.

الواقع الأمني الراهن في المناطق السورية:
الواقع الأمني في مناطق سيطرة النظام السوري، واقع متردٍ ومتناقض، يعكس الفشل والفساد، والانقسامات، والتدخلات الخارجية التي تعاني منها تلك المناطق، فمن جهة، يحاول النظام السوري أن يظهر نفسه كقوة مركزية وموحدة، ومن جهة أخرى يعاني النظام السوري من ضعفٍ وتشظٍ وتبعيةٍ وتبدّلٍ في سلطته الأمنية المركزية، بسبب تدفق الميليشيات الأجنبية الحليفة له، مثل إيران، وروسيا، وحزب الله، وتشكيل ميليشياتٍ محليةٍ مسلحةٍ، تحت رعاية كبار أمراء الحرب، مثل قوات الدفاع الوطني، والشبيحة (اللجان الشعبية)، وقوات النظام السوري وغيرها، ضمن تنافس وتتصارع على النفوذ والمصالح والموارد في المناطق التي تسيطر كلٌّ منها عليها، وتتمايز بينها بانتهاك حقوق وكرامة المواطنين السوريين، وتتورط أحياناً في نزاعات ومناوشات مع القوى الخارجية، بما قد يخالف ولا يتماشى مع مصالح النظام السوري.
وملخص الأمر أن الواقع الأمني في مناطق سيطرة النظام السوري هو واقع مأساوي ومتردٍ، حيث يعاني السكان من انتهاكات صارخبة، وانتشار للفساد والفقر والبطالة، مع حصار وقصف، بالإضافة للاعتقالات والاغتيالات، مع انتشار المخدرات والفتن الطائفية.
حيث إن النظام السوري يستخدم ميليشيات محلية وأجنبية للسيطرة على المناطق التي استعادها من المعارضة السورية، على أن تنفذ الميليشيات أجنداتها الخاصة من نهب لثروات البلاد، وممارسة القمع والتنكيل بالمدنيين.
كما أن النظام السوري يواجه تحديات أمنية من قبل خلايا نائمة تابعة للمعارضة السورية، والتي تشن هجمات على القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها، وتستهدف المنشآت العسكرية والأمنية والمدنية، بالإضافة إلى أن النظام السوري يتعرض لضغوط دولية وإقليمية للتفاوض على حل سياسي للأزمة السورية، وللسماح بدخول المساعدات الإنسانية، والمراقبين الدوليين إلى المناطق التي يسيطر عليها، ولمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب، وانتهاكات حقوق الإنسان. ولكن النظام السوري يرفض هذه المطالب ويواصل سياسة الحرب والقمع والتمادي.

أما الواقع الأمني في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ في محافظة ادلب وريفها، فهو واقع متقلب ومعقد، يتأثر بعوامل عديدة داخلية وخارجية، من بين هذه العوامل، يمكن ذكر ما يلي:

  1. العلاقة بين هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى المنضوية تحت مظلة الجيش الوطني الذي تدعمه تركيا، والتي تشهد توترات واشتباكات متكررة بسبب الخلافات السياسية والأيديولوجية والمصالحية.
  2. العلاقة بين هيئة تحرير الشام والمجتمع المدني والناشطين والإعلاميين والمؤسسات الإغاثية والخدمية في مناطق سيطرتها، والتي تشهد احتجاجات وانتقادات متنوعة.
  3. العلاقة بين هيئة تحرير الشام والقوى الخارجية، خاصة تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة، والتي تشهد تصعيداً تحت ضغط الوضع العسكري والإنساني والسياسي في الشمال السوري.
  4. العلاقة بين هيئة تحرير الشام والجماعات الإرهابية، خاصة تنظيم الدولة الإسلامية, عبر خلاياها النائمة، واختباء بعض قياداتها في ادلب، وما يتأتى على ذلك من فتن وقلاقل وخروق أمنية في مناطق حكومة الانقاذ.
    وأما مناطق سيطرة قسد والتي تمتد على طول الحدود السورية مع تركيا والعراق، وتشمل محافظات الحسكة والرقة ودير الزور وحلب والقنيطرة، فتبلغ مساحتها نحو 30 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل ثلث مساحة سورية، ويقطنها نحو خمسة ملايين نسمة، أي ما يعادل ربع سكان سورية.
    حيث إن الواقع الأمني فيها يتأثر بعوامل داخلية وخارجية متعددة ومتغيرة.
    ومن العوامل الداخلية، يمكن ذكر الصراعات والتوترات بين مكونات قسد نفسها، وبين قسد والمجتمع المحلي والمجموعات المسلحة المناوئة كالعشائر العربية، والخلايا النائمة لداعش.
    و من العوامل الخارجية، يمكن ذكر التهديدات والهجمات من قبل تركيا، والفصائل الموالية لها، وقوات النظام السوري، وحلفائها، والقوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف السوري.
    أما الواقع الأمني في مناطق قسد فيشهد تحديات وتهديدات كبيرة، تتمثل في ما يلي:
    • استمرار العمليات العسكرية والأمنية ضد بقايا داعش في البادية السورية والمناطق الحدودية، ومواجهة محاولات تنظيم الدولة لاستغلال الفراغ الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي لإعادة تنظيم صفوفه وشن هجمات.
    • مواجهة التهديد التركي لشن عمليات عسكرية جديدة ضد مناطق قسد، بحجة مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي وإنشاء منطقة آمنة وإعادة اللاجئين السوريين، وذلك بعد أن شنت تركيا عمليات عسكرية سابقة في عفرين ورأس العين وتل أبيض ومنبج وعين عيسى .
    • التعامل مع الوضع الإنساني والخدمي والإداري في مخيم الهول، الذي يضم نحو 60 ألف شخص، والذي يسبب مشاكل أمنية متنوعة.

أما الواقع الأمني في مناطق سيطرة الائتلاف الوطني، والجيش الوطني السوري المعارض، فهو واقع مضطرب ومحفوف بالمخاطر، يتأثر بعوامل عديدة داخلية وخارجية، من بين تلك العوامل، يمكن ذكر ما يلي:

  1. العلاقة بين الائتلاف الوطني والجيش الوطني والفصائل الأخرى المنضوية تحت مظلة الجيش الحر، والتي تشهد توترات واشتباكات وانقسامات بسبب الخلافات السياسية والأيديولوجية والمصالحية والطائفية.
  2. العلاقة بين الائتلاف الوطني والجيش الوطني والمجتمع المدني والناشطين والإعلاميين والمؤسسات الإغاثية والخدمية في مناطق سيطرتهم، والتي تشهد احتجاجات وانتقادات ومطالبات بالحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة والسلام.
  3. العلاقة بين الائتلاف الوطني والجيش الوطني والقوى الخارجية، خاصة تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة والتحالف الدولي، والتي تشهد تفاوضا تحت ضغط الوضع العسكري والإنساني والسياسي في الشمال السوري.
  4. العلاقة بين الائتلاف الوطني والجيش الوطني والجماعات التي يصنفها بالإرهابية، خاصة تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” و “قسد” وغيرها من الجماعات المتطرفة.

خاتمة:
يظهر من كل ماسبق افتقار سورية للواقع الآمن لعودة اللاجئين السورين لبلدهم، الأمر الذي دفع جميع المنظمات الأممية والحقوقية للدعوة إلى عدم السماح بعودة السوريين لبلادهم بشكل قسري.
من هنا فإننا في تيار المستقبل السوري ندعو إلى مايلي:
1- على الدول التي تريد للشعب السوري أن يعود لوطنه (طوعاً أو كرهاً) مساعدتنا كسوريين للوصول إلى حل سياسي حقيقي وتطبيق مقررات جنيف ذات الصلة.
2- إننا في تيار المستقبل السوري نُحمل كل دولة تُعيد مواطناً سورياً بشكل قسري، كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية لما قد يصيب المواطنين السوريين جراء هذا الواقع الأمني المعقد والمتردي.

…………..
المراجع والمصادر
لا يجوز إعادة اللاجئين السوريين قسراً – Pro Justice (pro-justice.org)
الأزمة السورية: 12 عاماً من الهزات الارتدادية الإنسانية – BBC News عربي
الأزمة السورية (2011-) (fanack.com)
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية – الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي (omrandirasat.org)
قصة الصراع السوري منذ بدايته – BBC News عربي
تدهور الواقع الأمني والمعيشي في مناطق سيطرة النظام السوري – التوجيه المعنوي (twjih-sy.net)
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية – الواقع الأمني في سورية وسبل حوكمته (omrandirasat.org)
معوقات وأسباب الواقع الأمني الهش في المناطق المحررة (syria.tv)
“هيئة تحرير الشام” كسلطة أمر واقع… – مركز حرمون للدراسات المعاصرة (harmoon.org)
سوريا… تجدد الاقتتال بين “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني” | أخبار DW عربية | أخبار عاجلة ووجهات نظر من جميع أنحاء العالم | DW | 17.10.2022
دمشق وموسكو وأنقرة على خط المفاوضات.. هذه خيارات “قسد” لمنع هجوم تركي شمال سوريا | سياسة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
خارطة القوى المسيطرة شرق سورية – مركز حرمون للدراسات المعاصرة (harmoon.org)
عشائر دير الزور و”قسد”.. من سلطة الأمر الواقع إلى المواجهة المسلحة | سياسة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية – الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من شباط حتى تموز 2019 (omrandirasat.org)
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية – Displaying items by tag: الواقع الأمني في مناطق سيطرة المعارضة (omrandirasat.org)
إعادة فتح المعابر مع نظام الأسد: قراءة في السياق والفرص والتحديات – مركز الحوار السوري (sydialogue.org)

بلال برهان
باحث مستقل
المكتب السياسي
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى