من يراقب مصير الديمقراطية في سورية؟

تمهيد:

صرّحت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية (Amnesty International) في 29 نوفمبر 2025، أن السلطات الجديدة في سورية، في سياق المرحلة السياسية الجديدة التي أعقبت انهيار منظومة الحكم السابقة، قد اتخذت خطوات نحو الإصلاح والعدالة الانتقالية والمصالحة.
وأشارت المنظمة إلى وجود تصريحات معلنة عن نية طرح مشاريع إصلاح قانوني، وتشكيل لجان عدالة انتقالية، وإتاحة فرص محدودة لدخول خبراء مستقلين ومنظمات حقوقية دولية.
ومع ذلك، شددت Amnesty على أن هذه الخطوات إيجابية لكنها ليست عميقة، وأن سورية لا تزال بحاجة إلى بناء ديمقراطية حقيقية.

من “إصلاح شكلي” إلى “دولة القانون”، لماذا الفارق مهم ؟!

إن التمييز بين خطوات الإصلاح والتحول السياسي ضرورة وطنية.
والإصلاح، في أدنى صوره، قد يعني تغيير تسمية جهات، أو سنّ قوانين جديدة، أو استحداث لجان تحت مظلة “العدالة الانتقالية”.
أما التحول السياسي، فمعناه بناء مؤسسات مستقلة، وفصل سلطات، ومحاسبة حقيقية للمسؤولين عن الانتهاكات، وضمان حرية التعبير، وأيضا مشاركة شعبية واسعة، ورعاية حقوق الإنسان بلا تمييز.

وفي سورية، وثّقت جهات حقوقية، من بينها منظمة العفو الدولية، منذ عام 2011 انتهاكات جسيمة تشمل الإختفاء قسري، تعذيب، قتل، تهجير، جرائم حرب بحق مئات آلاف المواطنين بمختلف انتماءاتهم.
إنا إذا اكتفينا بالإصلاحات الشكلية، فقد تُعاد إنتاج ممارسات الدولة السلطوية السابقة بواجهات مختلفة، وهو ما يمثل خطراً على بناء دولة حقيقية تحترم حقوق السوريين.

الترحيب بالخطوات الحالية… بشروط ومراقبة دقيقة:
مما يبدو أن اعتراف المنظمات الحقوقية الدولية بمحاولات الإصلاح يُعد إشارة ذات قيمة، لأنها:

  1. تعترف رسمياً بأن سورية مرت بفترة انتهاكات واسعة، وهو أمر ضروري لبدء العد التنازلي للانتهاكات والإفلات من العقاب لغير رجعة.
  2. تضع السلطات أمام سقف توقعات دولية: العدالة، الحقيقة، التعويض، ومسار شفاف لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
  3. تتيح للمجتمع المدني السوري، من داخل البلاد وخارجها، المطالبة بحقوق الضحايا، والتوثيق، والمشاركة في العدالة الانتقالية، وضمان أن تبقى الحقوق الأساسية مصانة.
    على أن الترحيب بكل ذلك مشروط بعدم استخدام هذه التصريحات كغطاء لإعادة إنتاج منظومة قمعية سابقة، فالمخاطر المحتملة عند التعامل مع الإصلاح كشكل فقط كثيرة لعل أهمها:
  4. إعادة إنتاج الدولة السلطوية السابقة بواجهات جديدة، واحتمال بقاء بعض الشخصيات المرتبطة بالمنظومة السابقة في مواقع مؤثرة، ومحاولة تجاوز مسؤوليات الماضي دون مساءلة حقيقية.
  5. الإفلات من العقاب، فإذا لم تُتخذ إجراءات قضائية حقيقية ولم تُحفظ الأدلة، ولم يُحترم حق الضحايا في المحاكمة، فقد يُعفي هذا بعض مرتكبي الجرائم من المسؤولية، واستمرار هذه الثقافة يهدد عدم استقرار الدولة الجديدة ويزيد احتمالية تكرار الانتهاكات.
  6. استغلال الأطر القانونية لتقييد الحريات، من الممكن إصدار قوانين صارمة تحت ذريعة “حماية الأمن أو مكافحة الإرهاب”، ما يعيد المسار إلى القمع باسم القانون، ومما يقوض حرية التعبير، وحرية التنظيم السياسي، وحرية الإعلام، ويحد من بناء مجتمع مدني فاعل.

معايير تيار المستقبل السوري لإصلاح حقيقي وبناء دولة مستدامة:
انطلاقاً من ما سبق، يضع تيار المستقبل السوري أمام الرأي العام، السلطة الانتقالية، والمجتمع الدولي، وكل القوى الوطنية، معايير لا تفاوض عليها لضمان انتقال نحو دولة مدنية صحية:

العدالة والمساءلة:

  • فتح ملفات الانتهاكات منذ عام 2011 حتى اليوم.
  • محاكمات علنية، مدنية، عادلة، وفق معايير القانون الدولي.
  • عدم اعتماد محاكم طوارئ أو قوانين استثنائية كذريعة للتسريع أو التسييس.
  • ضمان حق الضحايا في الادعاء، والحماية، والتعويض، واستعادة الحقوق.

معرفة الحقيقة والتوثيق:

  • إتاحة دخول لجان حقائق ومنظمات حقوقية مستقلة لتفحص السجون، والمعتقلات، والسجلات، وشهادات المختفين.
  • حفظ الأدلة الوثائقية والشهادات والتسجيلات دون تدمير أو تزوير.
  • ضمان حرية الإعلام والصحافة، ليتاح للرأي العام معرفة الحقيقة.

إصلاح المؤسسات:

  • إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقضائية بعيداً عن إرث النظام البائد.
  • سن تشريعات تحمي الحقوق الأساسية مثل حرية تكوين الأحزاب، التنظيم السياسي، التجمع، الإعلام، تكافؤ الحقوق، وحماية الأقليات.
  • بناء مؤسسات قضائية مستقلة، ونيابة فعالة، ونقابات قانونية، ومجلس تشريعي وطني، ومفوضية حقوق إنسان وطنية.

مصالحة وطنية شاملة ومشاركة شعبية:

  • صياغة ميثاق وطني بمشاركة المجتمعات المحلية، وضحايا الحرب، والمهجرين، وأبناء كل المكونات.
  • ضمان حق العودة لمن فقد منزله والعمل لتعويض عادل.
  • احترام التنوع الثقافي والديني والطائفي تحت مظلة المواطنة المتساوية.

ديمقراطية أو ما اقترحته بـ "الشورقراطية" وتكون فعلية بحقوق مدنية:

  • العمل للوصول لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت رقابة محلية ودولية.
  • ضمان تعددية حزبية ونشاط سياسي منظم، وحرية رأي وتعريف.
  • حماية حرية التعبير والإعلام وحقوق الإنسان، ووقف أي قمع أمني أو طائفي.

دعم دولي للمساءلة وإعادة الإعمار:

  • دعوة المجتمع الدولي لتقديم دعم فني وقانوني لبناء مؤسسات قضائية، وتحقيقات مستقلة، وتدريب القضاء والمحامين، ودعم المجتمع المدني.
  • وضع آليات لملاحقة مرتكبي جرائم حرب إذا تهرّبت السلطات المحلية من المساءلة.
  • ربط إعادة الإعمار بآليات العدالة وإعادة الحقوق، وليس بإعادة إنتاج الفساد.

على أننا نحن في تيار المستقبل السوري نعتبر هذه المرحلة فرصة تاريخية لبناء سورية على قواعد عادلة وديمقراطية. وندرك أن الطريق محفوف بالمخاطر، لذلك نعلن موقفنا كالآتي:

نرحّب بالمبادرات التي تبشر بالإصلاح والعدالة، بشرط أن تكون جدّية وشفافة.

ونرفض أي إصلاح شكلي يُستخدم كغطاء لإبقاء نفس الشبكات الأمنية أو السياسية السابقة.

ونؤكد على حق الضحايا في العدالة، والشفافية، والتعويض دونما أي مساومة.

ونعرض جدية تيار المستقبل السوري في أن يكون شريكاً في بناء الدولة عبر دعم إصلاح المؤسسات، وحماية الحقوق، وتعزيز المجتمع المدني ضمن رؤية وطنية شاملة.

وندعو المجتمع الدولي للالتزام بدعم سورية في هذه المرحلة ليس عبر مصالح آنية فقط، بل عبر دعم بناء مؤسسات حقيقية، ومحاكمات نزيهة، وآليات حماية حقوق الإنسان.

خاتمة:

يمكن القول إن تصريح Amnesty International في 29–30 نوفمبر 2025 ليس مجرد تقرير حقوقي، بل لعله إنذار وتحذير وفرصة في الوقت ذاته.
فسورية اليوم أمام مفترق طرق! إما دولة قانون تُبنى على العدالة والكرامة، أو نسخة معاد تدويرها من النظام السابق تحت لباس إصلاح شكلي بلا روح.

وتيار المستقبل السوري يختار، بوعي ومسؤولية، أن يكون إلى جانب الدولة التي تُبنى على:

  • العدالة لا الإفلات
  • الحقيقة لا التعتيم
  • المشاركة لا الهيمنة
  • الكرامة لا الاستعلاء

وعلى هذه القواعد ندعو جميع السوريين، من كل المناطق والمكونات، لتبني هذه الرؤية ليس بالكلام فقط، بل بالمراقبة، والمساءلة، والمشاركة المدنية والسياسية.
فالحكم على الفترة الانتقالية لن يُقاس بالتصريحات أو الانطباعات، بل بحجم العدالة المنجزة وعمق المؤسسات المبنية وحقيقة المشاركة الشعبية في صياغة المستقبل.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع