واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

المقدمة:

شهدت سورية خلال العقدين الأخيرين تحولات عميقة في موقعها ضمن شبكات تجارة المخدرات الإقليمية والدولية، حيث انتقلت تدريجيًا من كونها ممراً تقليدياً لبعض أنواع التهريب إلى إحدى أبرز بؤر إنتاج وتصدير المواد المنشطة، وعلى رأسها الكبتاغون، في ظل بيئة سياسية وأمنية واقتصادية شديدة الهشاشة.
في فترة حكم بشار الأسد، تشكّلت بنية شبه مؤسسية للاقتصاد غير المشروع للمخدرات، ما حول هذه التجارة من نشاط هامشي إلى رافد اقتصادي بديل، خصوصا في ظل العقوبات الدولية وانهيار القطاعات الإنتاجية التقليدية.

ومع سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت هذه المنظومة مرحلة تفكك وإعادة تشكل، حيث انهارت البنية المركزية للاحتكار، وظهرت أنماط جديدة من الانتشار الأفقي للشبكات، وتراجع وزن التصدير الخارجي لصالح السوق المحلية، ما نقل خطر المخدرات من مستوى التهديد الإقليمي إلى مستوى التهديد الاجتماعي الداخلي.

تهدف هذه الورقة إلى تقديم قراءة تحليلية مقارنة بين واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في مرحلتي ما قبل السقوط وما بعده، بالاعتماد على مصادر مفتوحة موثوقة، وتقارير دولية، وبيانات حكومية أولية، ومؤشرات ميدانية جزئية، وفق منهج وصفي ـ تحليلي ـ مقارن.

المنهجية ومحددات البحث:
تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي والتحليلي المقارن، من خلال:

تحليل تقارير دولية صادرة عن مؤسسات بحثية وهيئات أممية متخصصة.
مراجعة بيانات رسمية صادرة عن الجهات الأمنية والصحية في سورية خلال 2025.
الاستناد إلى دراسات سابقة حول اقتصاد المخدرات في مناطق النزاع.
مقارنة المؤشرات بين المرحلتين الزمنيتين لتبيان التحولات الهيكلية والسلوكية.

محددات البحث:

صعوبة الحصول على إحصاءات رسمية مكتملة خلال فترة النزاع والتحول السياسي.
تفاوت القدرة على التحقق من الأرقام في بيئة تعاني من ضعف مؤسساتي.
الاعتماد جزئيا على تقديرات تقريبية في بعض المؤشرات، والتي تورد بصيغة تحليلية مقيدة بالإطار الزمني والجغرافي للدراسة.

مراجعة الأدبيات:

تشير الأدبيات حول اقتصاديات الحرب والدولة الهشة إلى أن الصراعات الطويلة تعيد تشكيل الاقتصاد الرسمي إلى اقتصاد بديل قائم على أنشطة غير مشروعة، من تهريب سلع ثمينة إلى المخدرات والأسلحة. في حالة المخدرات، استخدمت عدة دول نموذج “narco-state” في فترات صراعها، كما في أفغانستان (الأفيون) وكولومبيا (الكوكايين).
في سورية، وثقت تقارير New Lines Institute تحول البلاد إلى مركز رئيس لإنتاج وتصدير الكبتاغون خلال الحرب، حيث عملت وحدات عسكرية مثل الفرقة الرابعة على تأسيس بنية صناعية منظمة للمخدرات لتوفير موارد بديلة في ظل العقوبات وانهيار الاقتصاد الرسمي. (New Lines Institute, 2024–2025)
تشير الأدبيات إلى أن انهيار الدولة المركزية يعيد تشكيل الاقتصاد غير المشروع في شبكات صغيرة، غير مركزية، يصعب تتبعها أو محاسبتها، وهو ما ُينتخب يتطابق مع تحولات ما بعد 2024 في سورية.

مرحلة ما قبل السقوط (2011 – 2024):

في هذه المرحلة، فيها الاقتصاد غير المشروع في ظل دولة شبه متماهية مع شبكات التهريب، تحولت فيها المخدرات إلى أحد أهم موارد الاقتصاد غير المشروع، وارتبطت ببعض مراكز القوة داخل الدولة والاجهزة الامنية، مما قرب النظام من توصيف "دولة راعية للاقتصاد غير المشروع".

1. أنماط الإنتاج:
   تركز تصنيع الكبتاغون والمواد المنشطة في القلمون وريف دمشق الغربي، ريف اللاذقية وطرطوس، ومناطق حدودية متاخمة للبنان. تُشير تقديرات New Lines Institute إلى أن قيمة صادرات الكبتاغون السنوية تراوحت بين 5–10 مليارات دولار خلال 2018–2023.
2. قنوات التوزيع والتهريب:
   تم استخدام الموانئ البحرية، والمعابر البرية نحو الأردن والعراق، وامتدادات بحرية تجارية، وسجلت ضبطيات كبيرة مثل ميناء ساليرنو الإيطالي (2020) بقيمة تقديرية نحو مليار يورو.
3. التعاطي داخل المجتمع:
   رغم أن التصدير كان الهدف الأساسي، تشير بيانات جزئية إلى ارتفاع التعاطي تدريجيا بين الشباب، حيث تراوحت النسبة التقديرية بين 18–25% للفئة العمرية 18–35 سنة في المناطق الأكثر هشاشة.

مرحلة ما بعد السقوط (2025):

هي مرحلة التفكك واللامركزية وتحول الخطر إلى الداخل، فانهيار السلطة المركزية أدى إلى تفكك منظومة الاحتكار السابقة، وظهور شبكات صغيرة تعمل بقدرات محدودة ولكن بانتشار أفقي أوسع.

1. تراجع الإنتاج المركزي:
   انخفض إنتاج الكبتاغون بنسبة 60–70% مقارنة بالذروة، نتيجة تدمير المعامل الكبرى وغياب الحماية المنظمة، وزيادة عمليات الملاحقة الأمنية.
2. تحول السوق:
   أصبح السوق المحلي المصدر الرئيسي للربح، مع انخفاض الأسعار وزيادة توافر المواد المخدرة، وارتفاع مستويات التعاطي بين الشباب (30–35% تقديريًا في المناطق الأكثر هشاشة).
3. تصاعد العنف المرتبط بالمخدرات:
   التنافس بين الشبكات الصغيرة أدى إلى زيادة النزاعات المحدودة وظهور ظاهرة الموزعين الصغار، مع ارتفاع الجرائم المرتبطة بالمخدرات نحو 40% مقارنة بعام 2023.
4. استجابة الدولة الجديدة:
   نفذت السلطات حملات مداهمة ومصادرة ملايين الحبات المخدرة، وأعادت التعاون مع الأردن والعراق، لكن ضعف الموارد واتساع الرقعة الجغرافية حدّ من فعالية الردع الكامل.

مقارنة تحليلية

ما قبل 2024: نمط التنظيم مركزي شبه احتكاري، تصدير خارجي، السعر مرتفع، الجهات المسيطرة بنى رسمية وغير رسمية، مستوى العنف انتقائي محدود، الأثر الاجتماعي محدود نسبياً.
بعد 2024: نمط التنظيم لامركزي ومفتت، طبيعة السوق استهلاك داخلي متزايد، الجهات المسيطرة شبكات محلية متنافسة، السعر منخفض نسبياً، العنف أكثر انتشاراً، الأثر الاجتماعي واسع ومدمر اجتماعياً.

الاستنتاج:

سقوط نظام الأسد لم ينهِ اقتصاد المخدرات، بل أعاد تشكيله ضمن شبكات محلية أقل تنظيماً، مع تهديد أكبر للشباب والمجتمع المدني.
ويمثل التحدي الحالي خطراً اجتماعياً وصحياً أكثر عمقا من التهديدات السابقة، ويستدعي استراتيجية شاملة نوصي في تيار المستقبل السوري أن تشمل:

• تعزيز قدرات الضبط الأمني.
• برامج علاج وتأهيل وتأمين الدعم النفسي والاجتماعي.
• معالجة الفقر والبطالة وانخراط الشباب في بدائل إيجابية.
• مشاركة المجتمع المدني في المتابعة والمراقبة.
  إن نجاح الدولة السورية الجديدة يقاس بقدرتها على حماية أجيالها القادمة من آثار الفوضى والاقتصاد غير المشروع، لا فقط بقدرتها على فرض سيطرتها على الأرض.

المراجع:

1. New Lines Institute. Captagon in 2024: Implications After the Fall of the Syrian Regime. 2025. رابط
2. New Lines Institute. Shedding Light on Drug Use Patterns in Syria. 2024.
3. European Monitoring Centre for Drugs and Drug Addiction (EMCDDA). Annual Report 2021.
4. United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC). Regional Drug Report 2023.
5. International Crisis Group (ICG). Middle East Update, Nov 2025.
6. Ledgerwood, E., & Robinson, P. Illicit Economies in Post-Conflict Zones. 2020.
7. Collier, P., & Hoeffler, A. Greed and Grievance in Civil Wars. Oxford University Press, 2007.
8. Elliott, J. Narco-States and International Security. Routledge, 2013.