ضرورة حماية ودعم المرأة السورية

المقدمة:

في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي يشهدها المجتمع في سورية، تبرز قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي بوصفها احد اخطر التحديات التي تمس تماسك الاسرة واستقرار المجتمع.
وقد أعاد حادث وقع مؤخرا في قرية بزاعة شرقي حلب تسليط الضوء على حجم الانتهاكات التي قد تتعرض لها المرأة داخل الاطار الاسري، حين جرى إرغام امرأة يتيمة على الركوع وتقبيل قدم حماتها كشرط للعودة الى منزل زوجها، مع توثيق المشهد بالفيديو بطلب من الحماة وتنفيذ الزوج.
وقد أثار تداول هذا المقطع موجة واسعة من الغضب المجتمعي، انتهت بتوقيف الحماة وفرار الزوج، الامر الذي يعكس حساسية متزايدة تجاه قضايا كرامة المرأة، لكنه يكشف في الوقت ذاته عن عمق المشكلات البنيوية المرتبطة بالتمييز الجندري والعنف الاسري، وهي مشكلات تفاقمت بفعل سنوات النزاع، وتدهور الاوضاع الاقتصادية، وضعف الوعي القانوني والاجتماعي.

تهدف هذه الورقة الى تحليل هذه الحالة بوصفها نموذجا دالاً، وتسليط الضوء على واقع حقوق المرأة في سورية، مع تقديم مقترحات سياسات عملية موجهة لصناع القرار، تستند الى المعايير الدولية والتقارير المحلية، وتسعى الى تبني مقاربة شاملة تعزز الحماية القانونية والتمكين الاجتماعي للمرأة السورية.

اولا: الخلفية العامة لوضع المرأة في سورية

تعاني المرأة السورية من تحديات مركبة تراكمت خلال اكثر من عقد من النزاع، وامتدت اثارها لتشمل الحقوق الاساسية في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
وقد أدى تفكك البنى المؤسسية، وتراجع الخدمات العامة، وارتفاع نسب الفقر، الى زيادة هشاشة النساء، ولا سيما الارامل واليتيمات والمهجرات.
وتشير تقارير الامم المتحدة الى ارتفاع معدلات الزواج المبكر والحمل لدى المراهقات، بما يعكس فجوات واضحة في التعليم والصحة الانجابية.
كما لا تزال بعض التشريعات السورية تتضمن أشكالا من التمييز القانوني، من بينها قانون الجنسية، الذي يحرم المرأة من حق نقل جنسيتها لأطفالها، الامر الذي يفاقم مخاطر انعدام الجنسية ويضعف الامن الاسري.
الى جانب ذلك، تشهد سورية انتشارا مقلقا للعنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تفيد تقارير دولية ومحلية بأن النساء والفتيات يعشن في بيئات تتسم بانعدام الشعور بالامان، نتيجة مخاطر العنف الجنسي والعنف الاسري والزواج القسري. وقد وثقت منظمات حقوقية سورية الاف الانتهاكات بحق النساء خلال السنوات الاخيرة، شملت القتل والاحتجاز التعسفي والتعذيب والعنف المنزلي.
وتتفاقم هذه الانتهاكات في بعض المناطق الريفية وشبه الريفية، حيث تسود انماط ثقافية تقليدية تمنح الأسرة، أو بعض أفرادها، سلطة مفرطة على النساء، وتبرر ممارسات الاذلال والعقاب تحت ذرائع الشرف او الطاعة، كما تجلى بوضوح في حادثة بزاعة.

ثانيا: التحليل الاجتماعي والقانوني للحالة

تعكس حادثة بزاعة تداخلا معقدا بين الفقر والجهل القانوني والتقاليد الاجتماعية، التي تنظر الى المرأة باعتبارها طرفا تابعا داخل الاسرة، لا يتمتع باستقلالية أو حماية كافية.
وقد ساهم النزاع في إضعاف منظومة الضبط الاجتماعي والقانوني، ما عزز اللجوء الى اعراف تقليدية بوصفها بديلا عن القانون، تحت مسميات الحفاظ على الكرامة أو السلم الاسري.

وتظهر الدراسات الاقليمية أن العنف الاسري يرتبط ارتباطا وثيقا بالضغوط الاقتصادية وبالانماط الثقافية الذكورية، ويترك آثاراً عميقة على الصحة النفسية والجسدية للضحايا، فضلا عن انعكاساته السلبية على الاطفال والمجتمع ككل.

في المقابل، أبرز التفاعل الواسع مع الحادثة على وسائل التواصل الاجتماعي مؤشرات على تطور الوعي العام بحقوق المرأة، وازدياد الرفض المجتمعي لممارسات الاذلال والعنف.
غير أن هذا الوعي لا يزال يصطدم بضعف المنظومة القانونية، إذ يعالج القانون السوري العنف الاسري بوصفه ايذاء عاما، من دون تعريف مستقل او إجراءات حماية متخصصة للضحايا.
ويؤدي هذا القصور الى مضاعفة هشاشة النساء، ولا سيما اللواتي يفتقدن السند الاسري أو الوضع الاقتصادي المستقر، ما يكرس دائرة مغلقة من العنف والتبعية الاجتماعية.

ثالثا: المقترحات والتوصيات السياسية

انطلاقا من هذا التحليل، تقترح هذه الورقة حزمة من السياسات الواقعية والقابلة للتنفيذ، مستندة الى تجارب دولية ناجحة ومتكيفة مع السياق السوري:

  1. اصلاح وتشريع قانوني متخصص:
    تعديل قانون العقوبات بما يتضمن تعريفا صريحا للعنف الاسري، يشمل العنف النفسي والاهانة والاكراه، مع استحداث عقوبات رادعة واجراءات حماية فورية للضحايا. كما يوصى باصلاح قانون الجنسية بما يضمن المساواة بين الرجل والمرأة، انسجاما مع الالتزامات الدولية.
  2. برامج وطنية للتوعية والتربية:
    اطلاق حملات توعية مستدامة عبر وسائل الاعلام والمؤسسات التعليمية، تستهدف النساء والرجال على حد سواء، وتركز على المناطق الاكثر هشاشة، بالتعاون مع المنظمات الدولية المختصة.
  3. الدعم الاجتماعي والاقتصادي للنساء المتضررات:
    انشاء مراكز متخصصة تقدم خدمات قانونية ونفسية مجانية، الى جانب برامج تدريب مهني وتمكين اقتصادي، بما يعزز استقلالية النساء ويحد من عودتهن الى بيئات عنيفة.
  4. تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة:
    ضمان تمثيل فعلي للنساء في مسارات الانتقال السياسي وصنع القرار، بوصف ذلك شرطا اساسيا لصياغة سياسات عادلة ومستدامة.
  5. المتابعة والتقييم المؤسسي:
    تشكيل لجنة وطنية مستقلة لمراقبة تنفيذ هذه السياسات، واصدار تقارير دورية تقيم مستوى التقدم، وتقدم توصيات تصحيحية عند الحاجة.

الخاتمة

تؤكد حادثة بزاعة أن حماية المرأة السورية ليست مسالة أخلاقية فحسب، بل شرطا جوهريا لتحقيق الاستقرار الاجتماعي وبناء دولة القانون.
وإن تجاهل هذه القضايا يهدد تماسك الاسرة ويقوض فرص التعافي المجتمعي في مرحلة انتقالية دقيقة.

وعليه، ندعو في مكتب شؤون الأسرة لـِ تيار المستقبل السوري الحكومة السورية الى اتخاذ خطوات عاجلة وجادة لاعادة النظر في التشريعات والسياسات القائمة، بالتوازي مع شراكة فاعلة مع المجتمع المدني والدعم الدولي، بما يسهم في بناء سورية جديدة تقوم على الكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية للجميع.

شاركها على:

اقرأ أيضا

انطلاق البطولة الوطنية الاولى لمناظرات الجامعات السورية

انطلاق البطولة الوطنية الاولى لمناظرات الجامعات السورية في دمشق يساهم في تعزيز مهارات الحوار والتفكير النقدي.

14 ديسمبر 2025

إدارة الموقع

تحالف منظمات سورية أمريكية يطلق رؤية لمستقبل سورية من واشنطن

تحالف منظمات سورية أمريكية يطلق رؤية لمستقبل سورية في واشنطن، معززًا العلاقات السورية الأمريكية ودعم التنمية.

14 ديسمبر 2025

إدارة الموقع