كلمة مكتب القواعد الشعبية في تيار المستقبل السوري في الحفل المركزي بالذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة السورية وسقوط نظام الأسد
أيها الإخوة والأخوات:
نلتقي اليومَ ونحنُ على أعتابِ العامِ الثاني، ونهايةِ العامِ الأولِ بعدَ التحريرِ وسقوطِ نظامِ الأسد، ولِنَضَعَ أمامَ أنفُسنا نحنُ بمكتبِ القواعدِ الشعبيةِ في تيارِ المستقبلِ السوريِّ سؤالاً وطنيّاً وأخلاقيٍّاً كبيراً:
أينَ يقفُ أبناءُ القواعدِ الشعبيةِ اليومَ في سوريةَ (الولادةِ الجديدة) ؟
وما الذي يجبُ أن نقدِّمَهُ نحنُ لهم باعتبارنا تياراً سياسياً يؤمنُ بأنَّ النهوضَ الوطنيَ يتكأ على القواعدِ الشعبيةِ لصناعةِ الفرق.
فالقواعدُ الشعبيةُ عندنا ليست مجردَ تصنيفٍ اجتماعي، ولا فئةً عابرةً أو هامشية! أبداً.
هم صغارُ الكسبة، عمالٌ، وفلاحون، حرفيونَ، ومهنيون، أصحابُ الورشِ الصغيرةِ، وصناعيونَ بسطاء، وأمثالَهُم ممن يشكلونَ الكتلةَ الأوسع في البنيةِ الاجتماعيةِ السورية.
إذاً، هم اليدُ التي تبني، والكتفُ الذي يحمِل، والنبضُ الذي يحفظُ تماسكَ المجتمعِ في أحلكِ الظروف.
همُ الشريحةُ التي ظلّت تعملُ وتَكِدُّ وتضحي، بينما كانت السياسةُ تُصنعُ فوقَ رؤوسهم لعقودٍ طويلةٍ دون أن يكون لهم مكانً أو صوتً أو تمثيل.
وكما تعلمون، ومنذ وصولِ حافظِ الأسد إلى السلطة، بدأ مشروعٌ منهجيٌ لضربِ الحواملِ الشعبيةِ في سورية، عبرَ تذويبِ الطبقة الوسطى التي كانت عمادَ التوازنِ الاجتماعي، وركيزةَ الاستقرارِ، ووقودَ التنمية.
فأفقرها، وهمّشها، ثمَّ أقصاها عن مراكزِ القرار
ثم جاءَ نظامُ الأسدِ الابنِ الفار، فأكملَ ما تبقّى، وحوّلَ تلكَ الطبقةَ إلى ما دونِ خطِّ الفقرِ، وأسقطَ عنها أيَّ حمايةٍ اقتصاديةٍ أو اجتماعيةٍ أو سياسية.
وهكذا تحوّلَ المجتمعُ السوريُّ إلى مجتمعٍ هشٍّ، بلا عمودٍ فقري، بعد أن تحولتِ الطبقةُ المنتجةُ إلى كتلةٍ مُنهكةٍ تكافحُ من أجلِ البقاءِ لا مِن أجلِ البناء.
واليوم، وبعدَ عامٍ على التحرير، من حقّنا أن نسألَ بوضوحٍ وصدق:
هل وُضعت برامجُ كفيلةٌ لإعادةِ بناءِ الطبقة الوسطى في سورية؟
أيها الإخوة: لاشكّ أن الاستقرارَ السياسيَ يبدأ من الاستقرارِ الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ لتلكمُ الطبقة
ولاشكَّ أن العهدَ الجديدَ قدّمَ وتقدّم خطواتٍ طيبة خلال العام الفائت، لكنه لم يرقَ إلى حجمِ المسؤوليةِ التاريخيةِ بعد!
فإعادةُ بناءِ سورية تبدأ من إعادةِ بناءِ الإنسانِ السوري، وخاصةً أبناءَ الطبقاتِ المنهكةِ التي دفعت ثمنَ الحربِ والفسادِ والاستبداد.
وهنا نقولُ بوضوحٍ: على القيادةِ السياسيةِ الجديدةِ أن تضعَ خطةًّ وطنيةً متكاملةً تشملُ إعادةَ بناءِ الطبقةِ الوسطى بوصفها صمامَ الأمانِ لأيِّ دولةٍ مستقرةٍ تعتمدُ على تمكينِ الفلاحينَ والعمالِ والمهنيينَ عبرَ دعمِ الإنتاجِ الزراعيِّ والصناعيِّ والحرفي، مع ضمانٍ قانونيٍّ واجتماعيٍّ يحمي هذه الفئاتِ من العودةِ إلى دائرةِ التهميش، بالتوازي مع رفعِ مستوى الأجورِ والمعيشةِ والخدماتِ الأساسية
ممّا يضمنُ تمكينَ تلكمُ الشريحةِ من المشاركةِ في القرار، كشريكٍ لا كجمهورٍ في بناءِ الدولةِ الجديدة.
إننا في مكتبِ القواعدِ الشعبيةِ لـِ تيار المستقبل السوري لا نتعاملُ مع القواعدِ الشعبية كأرقام، بل كجوهرِ مشروعنا الوطني.
وواجبنا تُجاهَهُم واضحٌ ومباشرٌ من خلال تجميعِهِم وتنظيمِ صفوفِهِم باعتبارهم نواةَ القوةِ المجتمعيةِ السورية
واستنهاضِ هممِهِم ومنحِهِمُ الثقةَ بأنهم أصحابُ حقِّ ودورٍ وقرار.
وتقديمُ الدعمِ الممكنِ لهم في مجالاتِ التدريبِ، والتوعيةِ، وتمكين مشاريعهِمُ الإنتاجية.
وكتابةِ الدراساتِ والمقالاتِ والملفاتِ العلميةِ والسياسيةِ التي تصل إلى أصحابِ الشأنِ والسلطة، كي تكونَ لهم بوصِلةٌ واضحةٌ في صياغةِ السياساتِ التي تمسُّ حياةَ هذه الشريحةِ الواسعة.
وفهمِ احتياجاتِهِم والعملِ على تحويلها إلى برامجَ وطنيةٍ قابلةٍ للتطبيق.
والدفاعِ عن حقوقِهِم في كلِّ منابرِ العملِ الوطنيّ والسياسيِّ والإعلامي.
سيداتي وسادتي
إنّنا نرى أنّ القواعدَ الشعبيةَ ليست “تابعًا” لأحد، وليست “حاشيةً” للسياسة، بل هي الأساسُ الذي تقومُ عليهِ الدولة، فهي الشريكُ الأولُ في مشروعِ إعادةِ بناءِ سوريّةَ الجديدة.
وإن كانَ نظامُ الأسدِ قد أمضى خمسينَ عامًا في تدميرِ هذه الطبقة، فإنَّ واجبَنا اليوم المضيُ قُدُماً في بنائها وتمكينِها، فهيَ صمامُ الأمانِ وأساسُ الاستقرارِ وأكبرُ قوةٍ يمكن أن تنهضَ بهذا الوطن وتستنهِضَهُ نحو أفقٍ جديد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.