أولاً، خلفية عامة:
تأتي خطوة الامم المتحدة بتعيين نائب جديد للمبعوث الخاص إلى سورية في مرحلة دقيقة تشهد فيها البلاد تحولا ما بعد سقوط النظام السابق، وانتقالا سياسياً ناشئاً لم تتبلور هياكله بشكل كامل بعد.
وتزامن هذا التعيين مع توسع دور الأمم المتحدة في ملفات إعادة الإعمار المبكر، وعودة اللاجئين، ومراقبة حقوق الإنسان، وتنسيق الجهود الانسانية، إضافة إلى تزايد الحديث عن احتمال دخول الأمم المتحدة في ترتيبات اقليمية تخص الحدود، والانسحابات، أو ترتيبات فصل القوات، خصوصاً في محيط الجولان.
وبالنظر إلى غياب مبعوث خاص جديد حتى الآن، يحتل تعيين نائب المبعوث أهمية سياسية ودبلوماسية كبيرة، لأنه قد يشير إلى إعادة هيكلة لمقاربة الامم المتحدة تجاه سورية، أو إلى بداية دور اوسع قد يطال قضايا سياسية وامنية حساسة.
ثانياً، الدلالات السياسية للتعيين:
1) رسالة دولية باستمرار الانخراط في الملف السوري:
يعكس التعيين رغبة واضحة لدى الأمم المتحدة في عدم ترك فراغ سياسي في ملف سورية خلال مرحلة الانتقال، ويؤكد أن المجتمع الدولي لا ينوي التخلي عن دوره، خاصة في غياب مؤسسات مستقرة قادرة على ادارة المرحلة وحدها.
2) ضمان وجود قناة اتصال أممية فعالة:
يسهم نائب المبعوث الجديد في الحفاظ على مستوى من الاتصال بين الأمم المتحدة والفاعلين المحليين و الإقليميين، في ظل التغير السريع في موازين القوى داخل سورية.
3) تقوية حضور الأمم المتحدة في الملفات الإنسانية والتنموية:
يُتوقع أن يعزز التعيين دور الأمم المتحدة في قضايا مثل:
- إدارة عودة اللاجئين.
- دعم الحكم المحلي الناشئ.
- إعادة الخدمات الأساسية.
- الانتقال الآمن للسلطة.
- مراقبة الانتهاكات وتدعيم آليات المساءلة
ثالثاً، الفرص المحتملة لسورية الجديدة:
1) تحديث مقاربة الأمم المتحدة بناء على المعطيات الجديدة:
سقوط النظام السابق يفتح الباب أمام صياغة مقاربة مختلفة تماما عن المقاربة القائمة منذ 2012، التي ارتبطت بحدود القرار 2254، إذ المرحلة الانتقالية الحالية تسمح بإدخال نماذج أكثر حداثة لبناء السلام، تعتمد على تقوية المؤسسات المحلية، وتوسيع المشاركة المجتمعية، وبناء ثقة بين المكونات، وتعزيز اللامركزية الادارية، ودعم اجهزة العدالة الانتقالية.
2) الاستفادة من خبرات الأمم المتحدة في بناء الدولة بعد النزاع:
تملك الأمم المتحدة خبرات واسعة في إدارة الانتقال في دول مرت بحروب او انهيارات مؤسساتية، مثل تيمور الشرقية وكوسوفو.
ورغم اختلاف السياقات، وهنا يمكن لسورية الاستفادة من وضع معايير للشفافية، وإدارة التحول الأمني، ومراقبة إصلاح القطاع العسكري والامني، وبناء حوكمة محلية قادرة على تقديم الخدمات.
3) خلق مظلة دولية داعمة للاستقرار ومنع عودة العنف، فوجود نائب مبعوث فعّال يتيح:
التنسيق بين القوى الدولية لضمان عدم تضارب الاجندات.
دعم مسار تفاوض داخلي بين القوى الوطنية.
توفير ضمانات لإجراءات الانتقال
رابعاً، التحديات والمخاطر المحتملة:
1) احتمال تسييس الدور الأممي داخليا، فقد تنظر بعض القوى إلى الخطوة على أنها محاولة لاعادة انتاج وصاية دولية، أو تدخل في القرار الوطني، خاصة إذا توسع الدور ليشمل ملفات حساسة مثل أمن الحدود.
2) تضارب أجندات القوى الدولية، حيث إن تعيين نائب مبعوث لا يحل اشكال تناقض المصالح بين القوى الفاعلة في سورية مثل الولايات المتحدة، و روسيا، وتركيا، وايران، ودول أوروبا، والدول العربية، هذا وقد يجعل النائب الجديد في موقع حساس بين ضغوط متعارضة.
3) ملف حسّاس مثل سورية – اسرائيل:
في حال توسع دور الامم المتحدة في قضايا الحدود أو مراقبة الانسحابات أو أي ترتيبات تخص الجولان، يجب التاكيد على:
سيادة سورية الكاملة.
ضرورة وجود قيادة وطنية مباشرة لأي مفاوضات.
رفض أي ترتيبات مفروضة.
ضمان ان تكون الأمم المتحدة وسيطا فنيا لا سياسيا.
منع تحويل الأمم المتحدة إلى بديل عن القرار الوطني
خامساً، موقف تيار المستقبل السوري:
1) الترحيب المشروط، حيث يدعم تيار المستقبل السوري تعيين نائب مبعوث جديد للأمم المتحدة، بوصفه خطوة تساعد في منع الفراغ السياسي، وتدعم جهود الاستقرار، وتفتح المجال لمشاركة أوسع بين السوريين والاسرة الدولية.
2) التأكيد على ملكية سورية للقرارات المصيرية، وهنا نرى أن أي دور أممي يجب أن يكون داعماً، لا موجهاً، وأن تكون العملية السياسية ملكا للسوريين دون تدخل أو فرض اجندات خارجية.
3) ضرورة وضع إطار وطني للتعاون مع الامم المتحدة، كما ندعو إلى وضع خطة واضحة للتعاون مع الأمم المتحدة في المرحلة الانتقالية، تشمل: آليات تنسيق رسمية، وتحديد حدود الدور الأممي، وضمان الرقابة الوطنية على أي اتفاقات دولية، وانشاء هيئة سورية مختصة بادارة التفاعل مع الامم المتحدة
4) الحفاظ على السيادة في الملفات الحساسة، خصوصا أي ملف يتعلق بالحدود، والجولان، أو العلاقة المستقبلية مع اسرائيل.
وذلك عبر:
- خطوط حمراء سيادية.
- ادماج البرلمان القادم والقوى السياسية في أي نقاش.
- ضمان شفافية كاملة.
- حماية القرار الوطني من الضغوط الخارجية
وانطلاقاً من كل ذلك، فإننا نوصي بقسم البحوث والدراسات بما يلي:
- تعزيز التواصل الوطني – الأممي عبر قناة رسمية واضحة.
- وضع استراتيجية سورية للتعاون مع الأمم المتحدة في الانتقال.
- دعم دور الأمم المتحدة في الملفات الإنسانية والتنموية حصرا.
- رفض أي مسار سياسي محوري لا يتصدره السوريون انفسهم.
- تأسيس مجلس وطني للانتقال يشرف على أي تعاون دولي.
- تحديد آليات للحفاظ على السيادة في الملفات الحساسة.
- الاستفادة من تجارب دولية ناجحة وحديثة مع تعديلها للسياق السوري
المراجع:
- Chesterman, Simon. You, the People: The United Nations, Transitional Administration, and State-Building. Oxford University Press, 2004.
- Call, Charles & Cousens, Elizabeth. Ending Wars and Building Peace. International Studies Perspectives, 2008.
- United Nations Peacebuilding Support Office. UN Peacebuilding Architecture Overview. UN.org, 2023.
- O’Leary, Brendan. Power-Sharing in Deeply Divided Places. University of Pennsylvania Press, 2013.
- International Crisis Group. Ways Forward for Syria’s Transition. Middle East Report, 2024.
- UN Department of Political and Peacebuilding Affairs. Post-Conflict State-Building Lessons. UN 2022.
- Paris, Roland. At War’s End: Building Peace after Civil Conflict. Cambridge University Press, 2014.