انضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد داعش

مقدمة:

يشكّل إعلان وزارة الداخلية السورية تفكيك عدد من خلايا تنظيم "داعش" في مناطق مختلفة من البلاد[1] تطورا نوعيّا في المسار الأمني والسياسي للدولة السورية الانتقالية. ويتزامن ذلك مع الأنباء المتزايدة حول دعوة فرنسية لانضمام سورية رسميّاً إلى التحالف الدولي ضد التنظيم، في خطوة قد تفتح فصلا جديدا في العلاقة بين دمشق والعواصم الغربية، وتعيد تعريف موقع سورية في منظومة الأمن الإقليمي والدولي.

خلفية الحدث:

أعلنت وزارة الداخلية السورية في بيان رسمي أنها تمكنت من "تفكيك عدة خلايا إرهابية تابعة لتنظيم داعش كانت تنشط في مناطق ريف حمص ودير الزور وريف دمشق"، مؤكدة استمرار الحملة الأمنية حتى القضاء الكامل على هذه التشكيلات.
يأتي هذا الإعلان بعد أشهر من جهود ميدانية مكثفة ضمن استراتيجية وطنية جديدة تعتمد على مركزية القرار الأمني وتوحيد الجهود العسكرية بين الجيش وقوى الأمن الوطني. وهو ما يتوافق مع رؤية الحكومة الانتقالية في بناء مؤسسات أمنية خاضعة للسلطة المدنية، بالتوازي مع التوجه للانفتاح على الشراكات الدولية في مكافحة الإرهاب.

التحالف الدولي ودور فرنسا:

تأسس التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014 بقيادة الولايات المتحدة، وضمّ أكثر من ثمانين دولة[2]. وتعدّ فرنسا من أبرز الدول الأوروبية الداعمة لاستمرار التحالف ضمن إطار قانوني دولي، مع الدعوة مؤخرا إلى إشراك الحكومة السورية الجديدة فيه، بوصفها الجهة الشرعية الوحيدة التي تمتلك القدرة السيادية على إدارة العمليات داخل أراضيها.
وتندرج الدعوة الفرنسية ضمن مقاربة أوروبية جديدة تجاه سورية، تسعى إلى إعادة دمجها في المنظومة الدولية بما يضمن الاستقرار ومحاربة الإرهاب، خصوصاً في ظل تراجع دور "قسد" وفقدانها الشرعية السياسية بعد اتفاق آذار.

الدلالات السياسية في حال انضمام سورية للتحالف:
يحمل هذا التطور إن تم عدة دلالات مهمة:

  1. استعادة الدور السيادي: انضمام سورية رسميا إلى التحالف يعني اعترافا دوليا فعليا بسلطتها الشرعية، ونقل ملف مكافحة الإرهاب من أيدي القوى المحلية (قسد) إلى الدولة المركزية.
  2. إعادة بناء الثقة مع الغرب: الدعوة الفرنسية تمثل مؤشرا على رغبة أوروبية في الانخراط الإيجابي مع دمشق الجديدة، ما قد يفتح الباب لاحقا أمام شراكات اقتصادية وأمنية أوسع.
  3. توازن الردع الداخلي: الانخراط في التحالف الدولي يمنح الدولة السورية أدوات ضغط متقدمة على القوى المحلية الرافضة لاتفاق آذار، عبر نزع الشرعية عن أي ادعاء بامتلاك "دور أمني مستقل" خارج سيطرة الدولة.

    الأبعاد الاستراتيجية والانعكاسات على اتفاق آذار:

    شكّلت "قوات سورية الديمقراطية" لسنوات الذراع المحلية للتحالف الدولي، ما مكّنها من الاحتفاظ بورقة "محاربة داعش" كورقة تفاوض رئيسية.
    غير أن مشاركة دمشق رسميا في التحالف ستؤدي إلى سحب هذه الورقة، وإعادة توجيه الدعم الدولي إلى المؤسسات العسكرية الرسمية.
    ومن ثمّ، يمكن للدولة السورية أن تستخدم هذا التحول للضغط على "قسد" للالتزام بتنفيذ اتفاق آذار الذي ينصّ على دمج القوات المحلية ضمن بنية الدفاع الوطني، وإخضاع موارد النفط والمعابر لإدارة الدولة.
    كما يمثل اتفاق آذار الإطار السياسي الأهم لترسيخ اللامركزية الإدارية المعتدلة وضمان الحقوق الثقافية والإثنية في الشمال الشرقي.

وانضمام سورية إلى التحالف الدولي سيعزز قدرة الحكومة على تنفيذ بنود الاتفاق عبر الحصول على دعم أمني وتقني لمحاربة الإرهاب، وإعادة تأهيل المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة سابقا.
كما يسهم في تقليص الدور الأمريكي المنفرد في المنطقة، وإعادة تعريف الوجود الدولي ضمن مظلة التعاون مع الدولة السورية الشرعية.

السيناريوهات المستقبلية:
يمكن استشراف ثلاثة مسارات رئيسية:

  1. الاندماج الكامل في التحالف الدولي: يؤدي إلى دعم غربي واسع للحكومة الانتقالية، وتعزيز قدراتها الأمنية.
  2. شراكة محدودة مشروطة: بحيث يقتصر التعاون على تبادل المعلومات ومشاركة رمزية في العمليات الجوية.
  3. تحالف إقليمي موسّع: يجمع سورية والعراق والأردن وتركيا في جبهة مشتركة ضد الإرهاب، وهو السيناريو الأكثر انسجاما مع مصالح الأمن القومي السوري على المدى الطويل.

الخاتمة:

إنّ انضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد داعش يشكل تحوّلا استراتيجيا يعيد ترتيب التوازنات الداخلية والإقليمية.
فهو يكرس الاعتراف الدولي بالسلطة الشرعية الجديدة، ويسحب الذرائع الأمنية من القوى الانفصالية، ويفتح الطريق أمام تنفيذ اتفاق آذار كمدخل لتسوية شاملة ومستدامة.
ومن ثم، فإنّ الدولة السورية، عبر هذا المسار، لا تسعى فقط لمحاربة الإرهاب، بل لإعادة احتكار الشرعية الأمنية والسيادية على كامل ترابها الوطني.

المراجع:

  1. وزارة الداخلية السورية، "بيان حول تفكيك خلايا داعش"، موقع تلفزيون سورية، 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
  2. U.S. Department of State, Global Coalition to Defeat ISIS, official website, updated 2024.
  3. Collombier, V. (2023). France’s Strategy in the Middle East after the Syrian Conflict. European Council on Foreign Relations.
  4. Lund, A. (2022). Local Security Orders in Post-War Syria: Between the State and Non-State Actors. Carnegie Middle East Center.
  5. Hassan, H. (2021). ISIS in Syria: The Enduring Threat. Center for Global Policy.
  6. Khaddour, K. (2024). The Future of Syria’s Security Institutions. Chatham House Research Paper.
  7. International Crisis Group, Steadying the New Syria: Managing the Transition and the Peripheries, Report No. 237, 2025.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع