زيارة الرئيس الشرع لواشنطن نقطة تحول لسورية

جريدة الثورة : https://thawra.sy/?p=748522

لعل الزيارة المرتقبة للرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأمريكية تفتح أبواباً جديدة لمرحلة تاريخية في مسار بناء الدولة السورية.
هذه الزيارة، التي تجمع بين أهمية التوقيت السياسي والفرص الاستراتيجية المؤمّلة، تمثل نقطة تحولٍ حاسمةٍ في إحياء العلاقات بين سورية والمجتمع الدولي، وتأخذ طابعاً بالغ الأهمية بالنسبة للعلاقة المستقبلية مع الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى دورها في تحديد معالم السياسة الخارجية السورية في ظل الظروف المعقدة الإقليمية والدولية.

إن التوقيت هو أحد العوامل الحاسمة في السياسة الدولية ولاريب، وزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن، عقب لقاءه مع الرئيس بوتين والقيادات الروسية، وسَبقَ رحلته المرتقبة إلى الصين، تجعلها لحظة فارقة.
فهذا التسلسل الزمني يؤكد أن سورية تتبع استراتيجياتٍ متعددة تُوازِنُ فيها بين القوى الكبرى، وتجعل من واشنطن بيضة القبان في كلّ تحرك مفصليّ سابقٍ ولاحق، ما يمنحها مصداقية قوية في المفاوضات الدولية من جانب، ويجنبها التعثر والسقوط المبكر من جانب آخر.

وبينما يترقب العالم تداعيات الدور السوري الجديد في الساحة الإقليمية والعالمية، فإن زيارة الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض تعتبر رسالة واضحة على أن سورية قد بدأت في ترسيخ نهجٍ جديدٍ قِوامهُ الانفتاحُ والتّصرّفُ بعيداً عن التأثيرات التي فرضتها سنواتُ العزلةِ الطويلة، والتمحور ضمن أقطابَ محدَّدَةٍ وضيّقة.

لأجل ذلك نجد أن من أولَى أولويات هذه الزيارة هو إعادة سورية (العهد الجديد) إلى المجتمع الدولي وبقوة.
فعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد من نواحي إعادة الإعمار وتأمين الأمن والاستقرار، والجوانب التي تتعلق بمعيشة المواطن البسيط المنهك، فإن موقع سورية الجيوسياسي لا يزال من أهم العوامل التي تجعلها لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط، ومن خلال تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن لسورية أن تبني شراكات استراتيجية تضمن لها موقعاً محورياً في محيطها الإقليمي، بما في ذلك ضمان استقرار أمن المنطقة، ومواجهة التهديدات الأمنية المحتملة.

إن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى أمريكا هذه المرة تضيف بعداً آخر في رسم معالم السياسة الخارجية السورية، نحو بناء تحالفات متعددة تضمن لسورية استقرارها السياسي والاقتصادي معاً.
وعلى الرغم من أن الشراكة مع الولايات المتحدة قد تكون محفوفة بالتحديات، إلا أن الخيارات الجيوسياسية لسورية تتطلب هذا التحالف لاستعادة دور سورية في النظام الدولي، ما يتطلب توازناً دقيقاً بين فهم النفوذ الأمريكي ومساربه المتعددة في العالم والمحيط الإقليمي، والتحالفات الإقليمية الأخرى، وثم البناء عليه والتشبيك معه.

كما يعد ملف الأمن ركيزةً أساسية في هذه الزيارة، فالتعهدات الأمنية لضمان استقرار محيط سورية، وخاصة بالنسبة لإسرائيل، ستكون جزءًا من النقاشات الثنائية مع الرئيس ترامب سراً أو علناً، وقد تؤدي إلى تفاهمات أمنية استراتيجية تضمن للطرفين استقراراً أكبر في المنطقة.

ومن أهم القضايا التي سيتطرق إليها الرئيسان في هذه الزيارة، ملف الأقليات المعقد، فالطائفة الدرزية، والعلوية، والأكراد والذين يشكلون جزءًا أساسياً من النسيج السوري، لن تكون عمليةُ إعادةِ بناء الدولة السورية متكاملةً إلا بترسيخ حقوقهم، وضمان مشاركتهم الفاعلة في المرحلة القادمة، وهو ما يقلق الولايات المتحدة لأمريكية، ويعمد الرئيس الشرع على أن يحصل على دعم أمريكي في الضغط على الأطراف المختلفة لتطوير حلول أكثر توافقاً، بعيداً عن الاستقطاب الدولي للطوائف المختلفة والذي بات يعكر الصفو الوطني، والاستقرار والأمن المحلي.

أيضاً لا يمكن التغاضي عن أهمية إعادة الدبلوماسيين السوريين إلى السلك الدبلوماسي قبل الزيارة المرتقبة، فهي خطوة حاسمة لتجريد تداول ورقة الدبلوماسيين المنشقين، ولإظهار عزم سورية على العودة إلى الساحة الدولية بمؤسساتها الشرعية، وإشراك الجميع بالعملية السياسية.
كما أن إشراك الضباط المنشقين عن النظام في وزارة الدفاع يمثل خطوة هامة لبناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية، ما يعزز صورة الحكومة السورية كحكومة قادرة على ضمّ واستيعاب الجميع تحت مظلة الوطن الواحد.
ويبقى ملف الأكراد بثقلهِ أحدَ التحديات الكبرى في العلاقات السورية مع تركيا من جانب (كدولة جارة ومتأثرة) والولايات المتحدةالأمريكية (كراعٍ وموجّه ومؤثر)، وبذلك يكون الانفتاح على القوى الكردية ككل، وقسد على الخصوص، أول الخطوات نحو طريق حل عادل لهذا الملف، وبما يضمن الأمن والاستقرار لسورية ومحيطها الإقليمي، ويُؤمّن مناخاً مستقراً مع تركيا، ما سينعكس إيجاباً على خطوات دمج الأكراد في العملية السياسية الجديدة أيضاً، وبما يتوافق مع سيادة سورية ووحدة أراضيها.

ختاماً: ومن خلال موقعنا كسوريين أمريكان، فإننا نمتلك دوراً مُرجِّحاً في دعم هذه الزيارة لإنجاحها، وتفعيل العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع الرئيس ترامب وفريقه الحالي، وحزب الجمهوريين.
لقد كان السوريون الأمريكيون على مدى سنوات الثورة جزءًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي الأمريكي، ومحركاً رئيساً في دعم وتبني البيت الأبيض لمواقف مناصِرةً للثورة السورية قولاً وفعلاً، بما في ذلك فرضُ العقوبات على نظام الأسد والتي كان لها بالغ الأثر في سقوطه، واليومَ دورهم المشهود والمنشود في رفع تلكم العقوبات وتحرير سورية المستقبل من جميع القيود التي تعرقل مسيرة إعادة البناء والتمكين الاقتصادي، وبما يُسهم مباشرة في حياة المواطن السوري، ويعود عليه بالنفع الخاص وعلى الوطن بالمنفعة الكبرى.

لاشك أن السوريين الأمريكان يمكنهم اليوم أن يكونوا همزة وصل حقيقية بين سورية والولايات المتحدة الأمريكية، بالترويج للسياسات السورية الجديدة، وتسليط الضوء على الخطوات الإيجابية للحكومة السورية الانتقالية، وتبرير مجمل السلبيات (وأنها آنية وسيتم تجاوزها)، وبما يدعم جهود الرئيس الشرع في بناء علاقات استراتيجية مع الدولة العظمى في العالم حيث كلمة السر في أي قرارٍ أو استقرار.

إن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأمريكية ستمثل نقطة تحول حاسمة في مستقبل سورية السياسي والدبلوماسي إن نجحت، وستفتح أفاقاً جديدة لا يمكن تجاوزها، ولعل ما صرح به الرئيس ترامب مراراً من إعجابه الشخصي بشخصية الرئيس الشرع القوية يمكن أن يُبنى عليه، لتستعيد سورية مكانها الطبيعي في قلب العالم بعد سنوات من الحرب والعزلة؛ ولتصبح لاعباً أساسياً وظهيراً أيمنَ لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع