النشأة والتعليم:
وُلدت نازك العابد في دمشق عام 1898م، لأسرة سياسية عريقة من أصول معرّية (من مدينة معرّة النعمان في محافظة إدلب حالياً).
سكنت حي الميدان خارج أسوار دمشق القديمة، وكان والدها مصطفى باشا العابد متصرّفاً على الكرك ثم الموصل، بينما كان عمّها أحمد عزت باشا العابد مستشاراً للسلطان عبد الحميد الثاني.
درست في مدارس دمشق والموصل، وتعلمت اللغتين الألمانية والفرنسية على يد معلمين خصوصيين.
وبعد نفي والدها إلى تركيا عقب الانقلاب على السلطان عبد الحميد، التحقت بالمدرسة الأميركية في إزمير، حيث أتقنت فن التصوير والرسم.
البدايات الفكرية والمشاركة في الصحافة:
كانت نازك العابد من أوائل النساء السوريات اللواتي تأثرن بفكر النهضة النسوية في مطلع القرن العشرين. انضمت إلى أسرة مجلة العروس التي أسستها الأديبة ماري عجمي عام 1910م، وهي أول مجلة عربية دعت صراحةً إلى تحرير المرأة والمجتمع من الجمود.
كتبت مقالاتها تحت أسماء مستعارة إلى جانب نخبة من أدباء المشرق أمثال جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وأحمد شوقي وعباس محمود العقاد ومعروف الرصافي، فكانت من الأصوات النسائية الجريئة التي مهدت لمرحلة جديدة من الوعي الاجتماعي في بلاد الشام.
تأسيس الجمعيات والمشاريع التعليمية:
بعد زوال الحكم العثماني، عادت نازك إلى دمشق وأطلقت جمعية نور الفيحاء لتعليم البنات، وأصدرت مجلة تحمل الاسم نفسه عام 1920م.
التقت بالأمير فيصل بن الحسين، حاكم البلاد آنذاك، وقدمت له مشروع مدرسة لبنات الشهداء، فوافق على دعمها وخصص لها أرضاً في طريق الصالحية ومعونة شهرية بلغت 75 ديناراً.
كما أسست بتشجيع من الملكة حُزيمة بنت ناصر جمعية النجمة الحمراء التي سبقت تأسيس منظمة الهلال الأحمر السوري، وكانت تُعنى بجرحى الحرب العالمية الأولى، وترتبط مباشرة بالصليب الأحمر الدولي.
الدور الوطني والمشاركة في معركة ميسلون:
عام 1919م شاركت نازك العابد في استقبال لجنة كينغ – كراين الأميركية كممثلة عن الحركة النسائية السورية، للتعبير عن رفض الانتداب الفرنسي.
وفي صيف 1920، تطوعت للانضمام إلى معركة ميسلون إلى جانب وزير الحربية يوسف العظمة، حيث ارتدت البزة العسكرية وجابت شوارع دمشق رافعة المنديل عن وجهها، تشجع الجنود على الصمود.
منحها الأمير فيصل لقب "جنرال فخري" تقديراً لشجاعتها، رغم اعتراض بعض رجال الدين الذين رأت فيهم نظرة قاصرة لدور المرأة. وردّت عليهم بقولها الشهير:
«أنا ذاهبة إلى جهاد مقدس، وليس إلى مرقص!»
لقبها السوريون حينها بـ "خولة بنت الأزور" و"جان دارك سورية"، تقديراً لمواقفها البطولية في الدفاع عن استقلال الوطن.
ما بعد ميسلون والنشاط الإنساني:
بعد احتلال دمشق من قبل الفرنسيين، لجأت نازك إلى إسطنبول ثم عمّان قبل أن تعود إلى وطنها.
حاولت سلطات الانتداب استمالتها عبر دعم مدرستها بشرط التعاون معهم، لكنها رفضت بشجاعة.
انتقلت لاحقاً إلى بيروت بعد زواجها من الوجيه اللبناني محمد جميل بيهم، واستمرت في نشاطها الاجتماعي، فأسست عصبة المرأة العاملة وجمعية إخوان الثقافة، ثم أنشأت عقب حرب فلسطين عام 1948 جمعية تأمين اللاجئ الفلسطيني، وانتُخبت رئيسةً لمجلس إدارتها.
الوفاة والإرث الوطني:
توفيت نازك العابد في بيروت عام 1959م، عن عمر ناهز 72 عاماً، بعد مسيرة نضالية وإنسانية غنية جعلتها من أبرز رموز النهضة العربية الحديثة.
موقف تيار المستقبل السوري:
إن استذكار شخصية نازك العابد ليس مجرد إحياءٍ لتاريخٍ مضى، بل تجديدٌ لروح الدولة السورية الحديثة التي أسستها نساء ورجال آمنوا بالحرية والسيادة والعدالة.
يرى تيار المستقبل السوري أن إرثها الوطني والفكري يمثل منارةً مُلهمة في طريق بناء سورية الجديدة، التي تحتضن تنوعها الاجتماعي والثقافي، وتنهض بروح المواطنة والمشاركة المتساوية بين أبنائها وبناتها.