الملخص التنفيذي:
تمثل زيارة الوفد الأممي إلى مناطق القنيطرة الحدودية في جنوب سورية حدثاًً ذا دلالات سياسية وإنسانية وقانونية مهمة، في سياق استمرار التوغلات الإسرائيلية في المنطقة منذ 1967.
تهدف الدراسة الحالية إلى تحليل خلفيات الحدث، وتقييم أبعاده السياسية والسيادية، ورصد الواقع الخدمي والإنساني، واستكشاف الدلالات الدولية والقانونية لهذه الزيارة.
كما تناقش الدراسة أثر هذه الزيارة على الدولة السورية في تأمين سيادتها وحماية مواطنيها، مع تقديم توصيات لتعزيز الدور الوطني في مواجهة التحديات الحدودية.
تستخدم الدراسة منهجاً وصفياً–تحليلياً تقريرياً، مستندة إلى مصادر عربية موثوقة وتقارير أممية ودراسات أكاديمية دولية، لتوفير رؤية شاملة تجمع بين البعد السياسي والخدمي والقانوني للحدث.
المقدمة:
تشهد مناطق القنيطرة الحدودية مع إسرائيل حالة من التوتر المستمر منذ حرب 1967 وما أعقبها من احتلال الجولان.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت هذه المنطقة زيادة في النشاطات العسكرية الإسرائيلية، بالإضافة إلى تحديات إنسانية وخدمية ملموسة للسكان المحليين، تشمل النزوح الجزئي، وتوقف الخدمات الأساسية، وتعطّل المؤسسات التعليمية والصحية.
تأتي زيارة الوفد الأممي الأخيرة في إطار متابعة المجتمع الدولي للوضع الإنساني والسياسي في المنطقة، بهدف تقييم المخاطر وتقديم الدعم الإغاثي ومراقبة الانتهاكات الإسرائيلية المحتملة.
وتحمل هذه الزيارة بعداً رمزياً وسياسياً وقانونياً، إذ تمثل إشارة إلى متابعة المجتمع الدولي للحدود السورية، في وقت تحاول فيه الدولة السورية ترسيخ سيادتها على كامل أراضيها.
خلفية الحدث والسياق الميداني:
تقع القنيطرة في جنوب غرب سورية، وهي منطقة استراتيجية تقع بين هضبة الجولان المحتلة ومناطق الريف السوري الداخلي. منذ اتفاق فصل القوات بين سورية وإسرائيل في 1974، خضعت المنطقة لوجود قوة الأمم المتحدة المؤقتة (UNDOF) لمراقبة وقف إطلاق النار، بينما استمرت إسرائيل في توغلات محدودة ضمن الأراضي السورية.
هذا وقد زار الوفد الأممي القنيطرةَ مطلع أكتوبر 2025 للاطلاع على وضع السكان في قرى مثل غدير البستان، وصيدا، والمعلّمة، حيث تعاني هذه القرى من تدهور الخدمات الأساسية، ونقص في التعليم والرعاية الصحية، وأثر النزوح الجزئي على البنية السكانية.
حيث تأتي هذه الزيارة ضمن سياق تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل للالتزام بقرارات مجلس الأمن، بما في ذلك القرارات 242 و338، التي تؤكد على انسحابها من الأراضي السورية المحتلة.
البعد السياسي والسيادي للزيارة:
تمثل زيارة الوفد الأممي آخر اكتوبر مرة أخرى اختباراً فعلياً لسيادة الدولة السورية على أراضيها الحدودية، ولقدراتها على حماية مواطنيها. ويشير هنا تحليلنا السياسي إلى عدة نقاط أساسية:
- تأكيد الدولة السورية على سيادتها: حضور الوفد الأممي داخل الأراضي السورية يعني بالضرورة التعاون مع السلطات المحلية، وهو ما يعطي دمشق فرصة لإعادة تثبيت سيادتها في هذه المناطق، وإظهار قدرتها على إدارة الشؤون الحدودية.
- رمزية الزيارة الدولية: نتفق قليلاً مع ما إليه ذهب إليه مراقبون إلى أن الزيارة تحمل رسالة واضحة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي بأن الوضع في القنيطرة تحت الرقابة الدولية، وأن أي انتهاك أو توغّل سيجلب تدخّلاً أو متابعة أممية.
- أهمية الدبلوماسية المحلية: اللقاءات مع وجهاء وأعيان المنطقة تعزز من الشرعية المحلية للدولة السورية وتساعد على بناء الثقة بين السكان والمؤسسات الرسمية، مما يقلل من تأثير الفراغ الأمني والخدمي.
الواقع الخدمي والإنساني في القنيطرة:
تُظهر البيانات الميدانية أن سكان القنيطرة يعانون من تحديات متعددة:
١- الخدمات الأساسية: تدهور شبكات الكهرباء والمياه، وتوقف عدد من المدارس والمراكز الصحية، ونقص مستمر في الدعم الإغاثي.
٢- النزوح الداخلي: نتيجة للتوغلات الإسرائيلية والتهديدات المستمرة، شهدت القرى نزوحاً جزئياً للسكان نحو مناطق أكثر أمانا داخل سورية.
٣- الأمن الغذائي والاقتصادي: ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة الوصول إلى الأسواق، مع وجود عجز في المواد الغذائية الأساسية والخدمات الطبية.
تعد هذه الظروف محفزاً أساسيا لزيارة الوفد الأممي، والتي ركزت على تقييم الوضع الخدمي والإنساني بشكل مباشر، بهدف تسليط الضوء على احتياجات السكان، وربما تمهيداً لتنفيذ برامج دعم عاجلة.
الدلالات الدولية والقانونية للزيارة:
من الناحية القانونية، تحمل الزيارة عدة دلالات:
- متابعة المجتمع الدولي لقرارات مجلس الأمن، حيث تحرص الأمم المتحدة على مراقبة تنفيذ القرارات 242 و338 و497 المتعلقة بالحدود السورية المحتلة، مما يضفي على الزيارة أهمية سياسية وقانونية.
- تعزيز الإطار القانوني للرقابة الأممية، فزيارة الوفد الأممي تأتي ضمن ولاية UNDOF، التي تهدف إلى مراقبة وقف إطلاق النار بين سورية وإسرائيل، وتقييم التهديدات المحتملة.
- الاستجابة الإنسانية الدولية، بحسب تقارير OCHA، فإن مثل هذه الزيارات تساعد في وضع برامج مساعدات عاجلة للسكان، وتقديم توصيات للحكومة السورية بشأن تحسين الخدمات والمراقبة الحدودية.
القنيطرة نموذجاً لأزمة السيادة والخدمات في الدولة السورية المعاصرة:
تمثل القنيطرة حالة نموذجية للتحديات التي تواجه الدولة السورية في مناطق التماس الحدودية، حيث تتقاطع التهديدات العسكرية والتوغلات الإسرائيلية، والنقص في الخدمات الأساسية والفراغ الإداري، والضغط الدولي لمراقبة الوضع الإنساني والسياسي.
هذه الحالة تُظهر أن الدولة السورية بحاجة إلى تعزيز قدراتها في تأمين المناطق الحدودية، وتطوير أنظمة المراقبة والخدمات، مع الحفاظ على سيادتها وحقوق المواطنين.
الخاتمة:
تؤكد زيارة الوفد الأممي إلى القنيطرة على أهمية الجمع بين السياسة والسيادة والبعد الإنساني في إدارة الحدود السورية، وتعكس الحاجة إلى توازن دقيق بين حماية الدولة وحقوق المواطنين، ومراقبة المجتمع الدولي للحدود المتوترة.
كما يظهر أن التدخل الأممي ليس بديلاً عن الدولة، بل أداة لدعم قدراتها وتعزيز الحماية القانونية والإنسانية للسكان.
وعليه فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي بما يأتي:
- تعزيز سيادة الدولة، عبر تطوير قدرات الأجهزة الأمنية والمدنية في القنيطرة لضمان السيطرة على الحدود وحماية المواطنين ووضع خطط احترافية بهذه المرحلة إن لم تسمح بذلك.
- تحسين الخدمات الأساسية والتركيز على إعادة تشغيل المدارس والمراكز الصحية، وتوفير المياه والكهرباء للمناطق المتضررة.
- التعاون الدولي واستثمار الزيارات الأممية لتقديم برامج دعم إغاثي وتنموي بعيد المدى.
- التوثيق والمتابعة عبر إنشاء نظام رقابي داخلي لتوثيق الانتهاكات والتوغلات، بما يسهل تقديم المعلومات للمجتمع الدولي عند الحاجة.
- التواصل مع السكان المحليين وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين من خلال إشراك وجهاء وأعيان القرى في صياغة الحلول الإدارية والخدمية، وهنا يمكن لتيار المستقبل السوري بحسب علاقاته في القنيطرة أن يساهم بتيسير هذا التواصل.
المراجع:
- UNDOF, Mandate and Operations Reports, United Nations, 2024.
- Syria TV, “وفد أممي يزور قرية في القنيطرة للاطلاع على الواقع الخدمي”، 29 أكتوبر 2025.
- UN Security Council Resolutions 242 & 338, 1967 & 1973.
- International Crisis Group, The Golan Heights and UNDOF, Brussels, 2023.
- Chatham House, Syria-Israel Border Dynamics, London, 2022.
- OCHA Syria, Humanitarian Needs Overview – Quneitra, 2025.
- Al-Araby Al-Jadeed, “تقرير حول النزوح في ريف القنيطرة”، 15 أكتوبر 2025.
- United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, Syria Situation Report, 2025.
- Human Rights Watch, Israeli Violations in Syrian Golan, 2024.
- Wikipedia Arabic, “قنيطرة”، آخر تحديث 2025.
- Al-Jazeera, “زيارات الأمم المتحدة للحدود السورية”، 2025.
- Arab Center for Research & Policy Studies, Syria Border Governance, Doha, 2023.