الملخص:
تتناول هذه الورقة البحثية ظاهرة انتشار الدراجات النارية في سورية بعد عام 2011، مع تركيز خاص على عام 2025 الذي شهد تصاعداً حاداً في الحوادث المميتة المرتبطة بالدراجات السريعة ( خصوصاً ما يعرف بالبارت).
انطلقت الدراسة من فرضية أن الأزمة ليست في وسيلة النقل ذاتها، بل في استمرار الفراغ التنظيمي والقانوني الناتج عن انهيار الدولة المركزية وتعدد سلطات الضبط المحلي، باستخدام منهج تحليلي، والذي يفكّك العلاقة بين السلطة والمعرفة والمجتمع، كما تُظهر الورقة أن انتشار الدراجات يعكس إعادة تشكّل المجال العام السوري بوصفه فضاءً غير منظم ومتشظّياً سياسياً واقتصادياً.
وتخلص الورقة إلى أن الحل لا يكمن في الحظر أو المنع، بل في إعادة بناء "سلطة تنظيمية معرفية جديدة" تستند إلى المعرفة المحلية، والبيانات الواقعية، والسياسات المشاركة بين الدولة والمجتمع.
أولًا – مقدمة وإشكالية البحث:
منذ عام 2011، تحوّلت الدراجات النارية في سورية من وسيلة تنقّل محدودة إلى ظاهرة اجتماعية شاملة، وفي ظل انهيار البنية التحتية وتراجع النقل العام، أصبحت الدراجة أداة معيشية، لكنها في الوقت نفسه منظومة فوضى متنقلة تُجسّد غياب القانون والدولة. تطرح الورقة الإشكالية الآتية:
كيف يمكن فهم ظاهرة الدراجات النارية في سورية بوصفها انعكاساً لتحولات السلطة والمجتمع بعد الحرب، وما السبل التنظيمية الممكنة لتقنينها دون المساس بوظيفتها الاجتماعية؟
ثانيًا – منهج البحث وآلية الإحصاء:
اعتمدت الورقة المنهج الوصفي التحليلي، وتستند إلى تحليل الخطاب الإعلامي المحلي والتمثيلات الاجتماعية للأمن والفوضى. وقد تم جمع البيانات خلال تشرين الأول/أكتوبر 2025 بالاستناد إلى:
١- رصد منهجي لعناوين الحوادث المنشورة في المنصات المحلية (وكالات إخبارية سورية، ومواقع شرطية، وصفحات مجتمعية موثوقة).
٢- حصر الأخبار التي وردت فيها أرقام دقيقة للضحايا أو وصف واضح للحادث.
٣- استبعاد المنشورات المجهولة أو غير المؤرخة بدقة.
منهج العدّ: تم اعتماد مبدأ "الحد الأدنى المثبت إعلاميًا"، أي حساب الحوادث التي وردت فيها أرقام واضحة فقط، لتجنّب التضخيم. حيث نرى أن هذا النمط من الإحصاء الميداني الإعلامي يُعدّ مناسباً في بيئات النزاع حيث تغيب الإحصاءات الرسمية المنتظمة.
ثالثًا – النتائج الإحصائية (تشرين الأول/أكتوبر 2025):
إجمالي الحوادث المبلَّغ عنها 25 حادثاً مذكوراً صراحة في المصادر (مجموع جزئي مبني على: 22 حادثاً واردة عن إدلب + حوادث مفردة في درعا، القامشلي، حلب، وغيرها).
الوفيات المبلَّغ عنها المرتبطة بدراجات نارية خلال أكتوبر 2025 (التي وردت بأرقام واضحة في المصادر): 3 وفيات (وفاة شاب بدراعا، وفاة شاب (16) بالقامشلي، ووفاة فتاة بحلب).
الإصابات المبلَّغ عنها (أرقام صريحة في المصادر):
- إصابة مؤكدة (أصيب شخص في حادث درعا؛ مصدر آخر يشير إلى إصابات متعددة لكن دون أرقام دقيقة). مع الإشارة إلى تقارير تغطي فترات أطول تشير إلى عشرات/مئات إصابات في مناطق شمالية عندما يجمعون أيلول+تشرين الأول معاً.
- جدول الحوادث التي توثقت من المصادر (أمثلة كل حادث مع المصدر)
- (تم إدراج الحوادث/الإشارات التي وُجدت بأرقام أو تقارير واضحة؛ القائمة ليست نهائية لكنها تمثّل تجميعاً موثوقاً للمعلَن)
- محافظة إدلب — حملة مرور ورد فيها أن الحملة جاءت بعد 22 حادثاً متعلقة بالدراجات النارية (تصريح رئيس فرع المرور: 10/10/2025؛ ذُكر رقم 22 كحجم الحوادث التي دفعت لإطلاق الحملة). — مصدر: تغطية محلية/تصريح فرع المرور.
- درعا — حادث تصادم بين دراجة نارية وسيارة على الطريق الدولي دمشق–عمان (11/10/2025): وفاة شاب وإصابة آخر. — مصدر: تغطية محلية.
- القامشلي — حادث على الحزام الشمالي (تاريخ منشور في أكتوبر 2025): وفاة شاب (16 سنة) إثر تصادم بين دراجة وشاحنة. — مصدر: منشور محلي/إعلام اجتماعي مرافق لتغطية محلية.
- حلب — حالة وفاة لفتاة إثر حادث جراء "تشبيب" (استعراض بالدراجة) (أواخر/منتصف أكتوبر 2025 حسب نشر محلي): وفاة. — مصدر: منشورات محلية/فيسبوك.
- دير الزور / الميادين — حملات أمنية ضد القيادة المتهورة (أواخر/منتصف أكتوبر 2025): حملات أدت إلى ضبط/إلقاء القبض على عدد من السائقين ومصادرة دراجات (كمؤشر على تفشي الظاهرة محلياً، لم يذكر كل حادث بأرقام قتلى/مصابين). — مصدر: تقرير محلي/إخباري.
ملاحظات منهجية (لتقييم أرقام أعلى/أدق):
- الاعتماد على الإعلام المحلي والمصادر الاجتماعية: كثير من الحوادث تُنشر أولاً عبر صفحات محلية وفيسبوك/إنستغرام ثم تُعاد نشرها؛ لذلك اعتمدنا فقط على ما ورد بأرقام صريحة أو تصريحات رسمية محلية لتجنب الازدواجية، ولو أن محافظة إدلب هي التي تذكر بعضها دون باقي المحافظات.
- التمييز بين "حوادث" و"إجراءات/مصادرات": بعض التقارير تذكر مصادرات دراجات (مثلاً دير الزور ضبط 60 دراجة في حملة) كإجراء احترازي أكثر من كونها حادثًا؛ هذه تُذكر كدلالة على حجم الظاهرة لكن لا تُضاف في عدّ الحوادث إلا إذا ذكرت كـ"حادث".
الفجوات:
لا توجد حتى الآن قاعدة بيانات مركزية عامة منشورة (وزارة/مرور موحّد) تعطينا أرقاماً شهرية وطنية؛ لذا ما نُقدمه هو أقل تقدير مُبلّغ عنه إعلاميًا وليس إجمالي الحوادث الحقيقية.
وبخلاصة موجزة حسب التجميع المبدئي:
أ. 25 حادثًا مبلّغًا خلال أكتوبر 2025 في سورية (حوادث ذكرتها مصادر محلية/فرع مرور إدلب/منشورات محلية).
ب. 3 وفيات مؤكدة مرتبطة بحوادث دراجات نارية خلال نفس الفترة في تقارير محلية يمكن الرجوع إليها.
هذا، وتشير البيانات المتاحة إلى تصاعد ملحوظ في حوادث الدراجات النارية خلال عام 2025. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "عنب بلدي"، شهدت سورية منذ بداية العام الحالي تزايدًا في عدد حوادث الدراجات النارية، حيث سجلت 847 حادثًا أسفرت عن 62 حالة وفاة، مما يشير إلى ارتفاع نسبة الوفيات إلى الحوادث بنسبة 7.32% (enabbaladi.net).
في محافظة إدلب، سجلت الأيام الثلاثة الأولى من عيد الأضحى 9 وفيات و50 إصابة نتيجة حوادث السير، معظمها ناجمة عن الدراجات النارية (syria.tv).
رابعًا – التحليل:
في ضوء المنهج التحليلي، تُقرأ الدراجات النارية لا كـ وسيلة نقل" بل كـ نصّ اجتماعي متحرّك يكشف عن:
- تفكك السلطة المركزية: تحوّل الشارع إلى فضاء خارج الرقابة التقليدية.
- إعادة إنتاج المجتمع لذاته: فئات جديدة من الشباب والعمال تبني أنماطا موازية من الحركة والعمل.
- تسييل الحدود بين المدني والعسكري: استخدام الدراجة للنقل الشخصي وللمهام الأمنية في آنٍ واحد.
- هيمنة "المعرفة الجزئية": غياب إحصاءات رسمية جعل المجتمع المحلي مصدراً للبيانات، أي أن "الشارع صار ينتج معرفته الخاصة".
من هذا المنظور، فإن أزمة الدراجات كما هي مرورية هي رمز لانهيار منظومة الضبط القديمة وبداية تشكّل نظام جديد متشظٍّ للسلطة والمعرفة.
خامسا – مناقشة السياسات العامة:
إن التعامل مع الظاهرة بعقلية المنع أو القمع يعيد إنتاج الفوضى نفسها. المنهج الفعّال هو التحوّل من "سلطة المراقبة" إلى "سلطة التنظيم بالشراكة"، أي إشراك المجتمع المحلي في بناء قواعد الأمان. تقترح الورقة الخطوات التالية:
- إصدار قانون موحّد لترخيص وترقيم جميع الدراجات النارية.
- إنشاء قاعدة بيانات وطنية رقمية تربط بين المالك، ورقم الدراجة، ورخصة القيادة.
- اعتماد فحص فني سنوي إلزامي للدراجات.
- تنظيم استيراد الدرجات السريعة كالبارت ومنع تداولها دون تصريح خاص.
- إطلاق برنامج وطني للتثقيف المروري في المدارس والمعاهد.
- تحفيز التحول إلى الدراجات الكهربائية الصديقة للبيئة في المدن الكبرى.
سادسًا – الخاتمة:
تمثل ظاهرة الدراجات النارية في سورية بعد 2025 مرآة دقيقة لتفكك السلطة المركزية وتحول المجتمع نحو أنماط جديدة من التنظيم الذاتي. والحل الذي مقترحه بتيار المستقبل السوري ليس في إعادة إنتاج سلطة الضبط القديمة، بل في صياغة نظام معرفي – تشاركي جديد ينظم الفضاء العام على قاعدة التوازن بين الحرية والأمن.
إننا نرى أن تنظيم استخدام الدراجات النارية هو بداية لاستعادة الثقة بين المواطن والدولة، وبناء مفهوم جديد للانضباط المدني في سورية ما بعد الحرب.
المراجع
- تقارير المرور المحلي – إدلب، تشرين الأول/أكتوبر 2025.
- مواقع إخبارية محلية (سوريا تي في، عنب بلدي، زمان الوصل).
- منشورات مديريات شرطة المحافظات على مواقع التواصل (بيانات 10–18 تشرين الأول 2025).
- مقابلات إعلامية ومصادر مجتمعية مفتوحة.
- الأدبيات المابعد حداثية في تحليل السلطة والمجتمع (فوكو، بودريار، جيرار).