يتابع تيار المستقبل السوري بقلق بالغ التصريحات الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة دمشق، والمنشورة بتاريخ 2 تشرين الأول / أكتوبر 2025، والتي تضمنت تحذيراً موجهاً إلى الجمعيات غير الحكومية العاملة في سورية، من مغبة تلقي أي تمويل خارجي دون الحصول على موافقة رسمية مسبقة، وذلك استناداً إلى القانون رقم 93 لعام 1958.
يرى تيار المستقبل السوري بأن هذا التحذير، الذي جاء في سياق خطاب رسمي يلوّح بإجراءات قانونية صارمة بحق الجمعيات التي تخالف هذه التعليمات، ويعكس توجهاً متجدداً نحو التضييق على الفضاء المدني، ويؤكد استمرار السلطة في استخدام أدوات تشريعية قديمة لتقييد العمل الأهلي، بدلًا من تحديثها بما يتماشى مع المعايير الدولية لحرية التنظيم والمشاركة المدنية.
يعتبر تيار المستقبل السوري أن دلالات هذا القرار هي:
- إن الاستناد إلى قانون يعود إلى أكثر من ستة عقود، في ظل تغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية جذرية، يعكس غياب الإرادة السياسية لتطوير البيئة القانونية التي تحكم عمل المجتمع المدني.
- إن ربط التمويل الخارجي بمفاهيم فضفاضة مثل "المصلحة العامة" و"الوحدة الوطنية" يفتح الباب أمام تفسيرات أمنية وسياسية، ويمنح الجهات الرسمية صلاحيات واسعة للتدخل في عمل الجمعيات أو حلّها.
- إن توقيت هذا التحذير، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وعجز حكومي عن توفير الخدمات الأساسية، يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءه، خاصة وأن العديد من الجمعيات تعتمد على التمويل الخارجي لتنفيذ مشاريع إنسانية وإغاثية حيوية.
يرى تيار المستقبل السوري بأن مخاطر هذا القرار تتمثل بـ:
- تقويض استقلالية المجتمع المدني، إذ فرض الموافقة المسبقة على التمويل الخارجي يضع الجمعيات تحت وصاية مباشرة، ويحد من قدرتها على بناء شراكات دولية أو تنفيذ مشاريع مستقلة.
- إضعاف الاستجابة الإنسانية، ففي ظل تراجع الدعم الحكومي، فإن منع التمويل الخارجي يهدد استمرارية المشاريع التي تقدم خدمات أساسية للمواطنين، لا سيما في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة.
- تسييس العمل الأهلي، إذ استخدام القانون كأداة لتصفية الجمعيات التي لا تتماشى مع التوجهات الرسمية، يكرّس بيئة غير آمنة للعمل المدني، ويقوض ثقة المواطنين في المؤسسات المحلية.
وانطلاقاً من حرصنا في تيار المستقبل السوري على بناء دولة مدنية صحية تحترم الحقوق والحريات، فإننا نوصي بما يلي:
- إلغاء العمل بالقانون رقم 93 لعام 1958، واستبداله بقانون حديث يضمن حرية التنظيم والعمل الأهلي، ويضع ضوابط شفافة للتمويل دون تدخل سياسي.
- إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم العمل المدني، تكون بعيدة عن السلطة التنفيذية، وتضم ممثلين عن المجتمع المدني، وتعمل وفق معايير دولية.
- ضمان حق الجمعيات في تلقي التمويل الخارجي، ضمن إطار قانوني واضح، وبما يحقق الشفافية ويمنع الفساد دون أن يقيّد الاستقلالية.
- دعوة المنظمات الدولية إلى مراقبة البيئة القانونية للعمل الأهلي في سورية، وربط أي دعم للحكومة السورية بضمان حرية المجتمع المدني.
- تشجيع الحوار الوطني حول دور الجمعيات غير الحكومية، واعتبارها شريكاً أساسياً في إعادة بناء المجتمع السوري، وليس خصماً سياسياً.
إن تيار المستقبل السوري يؤكد أن بناء سورية المستقبل يتطلب بيئة قانونية ومجتمعية تضمن حرية التنظيم والمشاركة، وتُعلي من شأن العمل الأهلي كركيزة للتنمية والاستقرار، وإن استمرار تقييد هذا الفضاء، لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة والاحتقان، ويقوض فرص التعافي الوطني الحقيقي.