السلامة المرورية في سورية

الملخص:

تشهد سورية تصاعدًا مقلقًا في معدلات حوادث السير، ما يعكس أزمة مركبة تتداخل فيها عوامل بنيوية، وتشريعية، وسلوكية، ومؤسسية.
تهدف هذه الورقة إلى تحليل واقع السلامة المرورية من منظور متعدد التخصصات، وتقديم توصيات قابلة للتطبيق ضمن السياق السوري الراهن، وتستند الدراسة إلى بيانات ميدانية وتقارير رسمية، وتوظف نماذج تحليلية مثل SWOT والهرم الوقائي، لتفكيك الظاهرة واستشراف مستقبل أكثر أمانًا للطرق السورية.

المقدمة:

تُعد السلامة المرورية من أبرز مؤشرات جودة الحياة في المجتمعات المعاصرة، إذ ترتبط مباشرة بصحة الأفراد، أمنهم، واستقرارهم الاقتصادي والاجتماعي.

تزايدت في سورية، حوادث السير بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تدهور البنية التحتية، وتراجع الخدمات العامة، وتفكك المنظومة التشريعية والتنفيذية. هذه الورقة تسعى إلى تقديم تحليل علمي شامل لهذه الظاهرة، من خلال استعراض البيانات، وتفسير الأسباب، وتقديم حلول.

الإطار النظري والمنهجي:

تعتمد الدراسة على نموذج التحليل الرباعي (SWOT) لتقييم نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات في منظومة السلامة المرورية السورية، بالإضافة إلى نموذج "الهرم الوقائي" الذي يربط بين التشريعات، والبنية التحتية، والسلوكيات، والاستجابة الطارئة.

كما تستند إلى مفاهيم من علم الاجتماع الحضري حول العلاقة بين الفضاء العام وسلوك الأفراد، ونظريات الصحة العامة المتعلقة بالوقاية من الإصابات.
والمنهج المستخدم هو وصفي–تحليلي، يعتمد على مراجعة الأدبيات، تحليل البيانات الإحصائية، وتفسير الظواهر من منظور متعدد التخصصات.

الواقع الإحصائي لحوادث السير في سورية:

تشير بيانات الدفاع المدني السوري إلى أن البلاد شهدت خلال الربع الأول من عام 2025 أكثر من 600 حادث سير، أسفرت عن وفاة 39 شخصًا وإصابة 567 آخرين.
وفي تقرير لاحق، تم توثيق 726 حادثًا حتى منتصف نيسان، خلّفت 46 وفاة و667 إصابة، توزعت بين مختلف الفئات العمرية والجندرية.
وتُظهر هذه الأرقام نمطًا تصاعديًا في معدل الحوادث، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية أو الطرق الحيوية مثل طريق حمص–دمشق، طريق حلب–اللاذقية، ومنطقة منبج.

كما تشير إحصائيات وزارة الداخلية السورية لعام 2024 إلى تسجيل 1442 حادثًا في الربع الأول، و85 وفاة و1232 إصابة، ما يعكس اتساع الظاهرة على المستوى الوطني.

تحليل الأسباب البنيوية والتقنية:

1.تدهور البنية التحتية

  • غياب الصيانة الدورية للطرق.
  • انتشار الحفر والمطبات العشوائية.
  • ضعف الإنارة والعلامات التحذيرية.
  • غياب الحواجز الواقية في المنعطفات الخطرة.

2.ضعف أنظمة السلامة في المركبات

  • غياب الوسائد الهوائية في معظم السيارات.
  • عدم وجود أنظمة منع الانزلاق أو الإنذار المبكر.
  • انتشار المركبات غير المؤهلة تقنيًا بسبب غياب الفحص الدوري.

3.غياب التخطيط الحضري المروري

  • تصميم غير مدروس للتقاطعات.
  • عدم وجود ممرات مشاة آمنة.
  • تداخل حركة المركبات مع الأنشطة التجارية في الشوارع الرئيسية.

الأسباب السلوكية والاجتماعية:

1.القيادة المتهورة

  • السرعة الزائدة في المناطق السكنية.
  • التجاوز غير القانوني.
  • القيادة تحت تأثير التعب أو الضغط النفسي.

2.ضعف الثقافة المرورية

  • عدم الالتزام بالإشارات الضوئية.
  • قيادة الدراجات النارية بدون خوذة أو ترخيص.
  • السماح للأطفال أو غير المؤهلين بقيادة المركبات.

3.غياب الردع القانوني

  • ضعف تطبيق العقوبات على المخالفين.
  • غياب الرقابة المرورية الفعالة.
  • تداخل الصلاحيات بين الجهات المعنية.

الآثار المترتبة على الحوادث:

1.الأثر الصحي

  • إصابات بليغة تتطلب رعاية طويلة الأمد.
  • ضغط على المشافي المحلية.
  • نقص في الكوادر الطبية المتخصصة في طب الطوارئ.

2.الأثر الاقتصادي

  • خسائر مباشرة في الأرواح والممتلكات.
  • انخفاض الإنتاجية بسبب الإعاقات الدائمة.
  • تكاليف علاج وتعويضات تثقل كاهل الأسر والدولة.

3 .الأثر النفسي والاجتماعي

  • اضطرابات نفسية لدى الضحايا وذويهم.
  • تراجع الثقة في المؤسسات العامة.
  • شعور عام بعدم الأمان في الفضاء العام.

التحديات المؤسسية والتنظيمية:

  1. غياب استراتيجية وطنية
    لا توجد خطة وطنية شاملة تُعالج السلامة المرورية من منظور متعدد القطاعات، ما يؤدي إلى تشتت الجهود وغياب التنسيق.
  2. ضعف التمويل
    تعاني الجهات المعنية من نقص في الموارد المالية اللازمة لتحديث الطرق، شراء معدات السلامة، أو تدريب الكوادر المختصة.
  3. غياب قاعدة بيانات وطنية
    لا توجد منظومة موحدة لتوثيق الحوادث وتحليلها، ما يُعيق فهم الأسباب ووضع السياسات الوقائية.

السياسات المقترحة:

1.تطوير البنية التحتية:

  • إعادة تأهيل الطرق الحيوية.
  • تركيب إشارات مرور ذكية.
  • إنشاء ممرات مشاة وجسور علوية في المناطق المزدحمة.

2. تعزيز الرقابة المرورية

  • استخدام كاميرات مراقبة في التقاطعات.
  • تفعيل دور شرطة المرور.
  • تطبيق العقوبات بشكل صارم على المخالفين.

3. إطلاق حملات توعية

  • برامج تعليمية في المدارس والجامعات.
  • حملات إعلامية عبر التلفزيون والإذاعة.
  • إشراك المجتمع المدني في نشر ثقافة القيادة الآمنة.

4. تحديث التشريعات

  • تعديل قانون السير بما يتناسب مع الواقع الحالي.
  • فرض الفحص الفني الدوري للمركبات.
  • تنظيم منح رخص القيادة وفق معايير صارمة.

5.دعم فرق الطوارئ

  • تدريب فرق الإسعاف والدفاع المدني.
  • تزويدهم بالمعدات اللازمة للاستجابة السريعة.
  • إنشاء مراكز طوارئ على الطرق السريعة.

استشراف المستقبل:

إن تحسين السلامة المرورية في سورية يتطلب تحولًا مؤسسيًا وثقافيًا طويل الأمد، يبدأ من الاعتراف بالمشكلة، ويمر عبر بناء القدرات، وينتهي بتغيير السلوكيات. كما أن إشراك المجتمع المحلي، وتوظيف التكنولوجيا، وتبني سياسات قائمة على الأدلة، يُعد من أهم ركائز النجاح في هذا المجال.

الخاتمة:

تُظهر هذه الدراسة أن أزمة السلامة المرورية في سورية ليست مجرد خلل تقني أو سلوكي، بل هي انعكاس لتحديات بنيوية عميقة في إدارة الفضاء العام، وتوزيع الموارد، وتشكيل الوعي المجتمعي.

إن تيار المستقبل السوري يرى أن معالجة هذه الأزمة تتطلب إرادة سياسية، وتنسيقًا مؤسسيًا، واستثمارًا طويل الأمد في البنية التحتية والإنسان.
فسلامة الطرق ليست ترفًا، بل حقٌ أساسيٌ لكل مواطن، ومؤشرٌ على مدى احترام الدولة لحياة مواطنيها.

المراجع:

  1. الدفاع المدني السوري – تقارير الحوادث المرورية، 2025.
  2. موقع تلفزيون سورية – خبر "خلال 24 ساعة.. حوادث سير في سورية تودي بحياة شخصين وتصيب 11 آخرين"، 17 أيلول 2025.
  3. منظمة الصحة العالمية – تقرير السلامة على الطرق، إصدار الشرق الأوسط، 2023.
  4. البنك الدولي – تقييم البنية التحتية للنقل في سورية، 2022.
  5. وزارة الداخلية السورية – إحصائيات المرور السنوية، 2024.
  6. مجلة السلامة المرورية العربية – أعداد 2021–2023.
  7. تقارير الهلال الأحمر السوري حول الإصابات الناتجة عن الحوادث، 2023.
  8. اللجنة الدولية للصليب الأحمر – حقائق وأرقام في سورية، 2023.
  9. أرشيف الأمم المتحدة – تقارير التنمية الحضرية في سورية، 2022.
  10. دراسات منشورة في مجلة "السياسات العامة العربية"، العدد 14، 2023.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع