مقدمة:
أعلنت قمة كونكورديا الدولية عبر منصتها الرسمية على موقع "X" عن استضافة الرئيس السوري أحمد الشرع في مؤتمرها السنوي لعام 2025، مشيرة إلى أن هذه المشاركة تمثل أول خطاب لرئيس سوري في محفل دولي بهذا المستوى منذ عام 1967، وتأتي هذه الخطوة في سياق تحولات سياسية داخلية وخارجية تشهدها سورية، ما يجعل من هذا الحدث محطة تحليلية مهمة لفهم ملامح المرحلة المقبلة.
هذا وتُعد قمة كونكورديا منصة غير حكومية تأسست عام 2011، وتُعقد سنويًا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وتركّز القمة على قضايا التنمية، وإعادة الإعمار، وبناء الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ما يمنح المشاركة السورية فيها أبعادًا متعددة تتجاوز الرمزية السياسية.
أولًا: البعد السياسي – عودة الحضور الرسمي السوري دوليًا:
- تمثل مشاركة الرئيس الشرع في قمة كونكورديا مؤشرًا على رغبة النظام السياسي الجديد في سورية بإعادة التموضع على الساحة الدولية، بعد عقود من العزلة الدبلوماسية.
- قد تُقرأ هذه المشاركة كإشارة ضمنية لقبول دولي أولي بشرعية الرئيس الشرع، خاصة في ظل تصريحاته السابقة حول العدالة الانتقالية وتشكيل حكومة شاملة تمثل مختلف مكونات المجتمع السوري.
ثانيًا: البعد الاستراتيجي – إعادة تعريف الدور السوري الإقليمي والدولي:
- من المتوقع أن يتضمن الخطاب المرتقب ملامح السياسة الخارجية لسورية الجديدة، بما في ذلك إعادة تقييم العلاقات مع القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا، ومستقبل الوجود الروسي في البلاد.
- توفر قمة كونكورديا فرصة لسورية لفتح قنوات شراكة جديدة خارج الأطر التقليدية، خاصة مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص والمجتمع المدني العالمي.
ثالثًا: البعد الاقتصادي – نافذة لإعادة الإعمار والتنمية:
- تركيز المؤتمر على التنمية والشراكات الدولية يفتح المجال أمام سورية لعرض رؤيتها الاقتصادية، واستقطاب استثمارات في مشاريع إعادة الإعمار.
- مشاركة الرئيس في منصة دولية بهذا الحجم قد تُفسر كإشارة إلى بداية مرحلة من الاستقرار النسبي، ما يعزز الثقة في السوق السوري ويشجع المستثمرين على إعادة النظر في فرص الاستثمار.
رابعًا: البعد الأمني – رسائل طمأنة وتنسيق دولي محتمل:
- من المرجح أن يتضمن الخطاب تعهدات تتعلق بمحاربة الإرهاب، وضبط الحدود، وحماية الأقليات، وهي رسائل تهدف إلى تحسين صورة سورية أمنياً أمام المجتمع الدولي.
- المشاركة في قمة تضم أطرافًا أمنية واقتصادية قد تفتح المجال لتعاون استخباراتي أو دعم تقني في ملفات الأمن الداخلي، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتبقية.
خامسًا: البعد الرمزي والتاريخي – كسر العزلة وإعادة تعريف الهوية الوطنية:
- يمثل هذا الخطاب أول ظهور رئاسي سوري في محفل دولي منذ خطاب حافظ الأسد عام 1967، ما يمنحه بعدًا تاريخيًا خاصًا.
- إذا ما تضمن الخطاب رؤية جديدة لسورية، فقد يكون نقطة تحول في إعادة تعريف الهوية الوطنية السورية، وفتح الباب أمام مرحلة سياسية واجتماعية مختلفة.
توقعات محتوى الخطاب الرئاسي في قمة كونكورديا 2025:
استنادًا إلى تصريحات الرئيس الشرع السابقة، ومضامين المؤتمر، يمكن توقع أن يتضمن الخطاب المحاور التالية:
1.رسائل سياسية ورمزية:
- تأكيد دخول سورية مرحلة انتقال سياسي جديدة.
- دعوة إلى مصالحة وطنية شاملة، والمساهمة ببناء مؤسسات الدولة كي تمثل التنوع السوري.
2. رؤية اقتصادية وتنموية:
- عرض خطة لإعادة الإعمار بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
- دعوة المستثمرين الدوليين، والتأكيد على محاربة الفساد.
3. مبادرات دستورية وتشريعية:
- إعلان تأسيس المؤسسة التشريعية (البرلمان).
- تغييرات حكومية جديدة.
4. رسائل أمنية وإنسانية:
- تعهد بتحقيق السلم الأهلي وملاحقة مرتكبي الجرائم.
- دعوة لدعم جهود مكافحة الإرهاب وإعادة تأهيل المناطق المتضررة.
- فتح صفحة جديدة مع دول الاقليم بما فيها إسرائيل.
5. خطاب موجه للعالم:
- تأكيد رغبة سورية في أن تكون شريكًا فاعلًا في المجتمع الدولي.
- دعوة لاحترام السيادة السورية، والتعاون في ملفات اللاجئين والمناخ والتنمية المستدامة.
خاتمة:
تمثل مشاركة الرئيس السوري في قمة كونكورديا 2025 لحظة مفصلية في تاريخ سورية الحديث، وتحمل دلالات سياسية واستراتيجية واقتصادية وأمنية عميقة، وإذا ما تحقق الخطاب المنتظر بصيغته المتوقعة، فقد يكون بمثابة إعادة تعريف لسورية الجديدة أمام العالم، وفتح صفحة جديدة في علاقاتها الدولية ومسارها الداخلي.