المقدمة:
في سياق التحولات السياسية والاقتصادية التي تشهدها سورية عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، يمثل إطلاق "صندوق التنمية السوري" خطوة استراتيجية نحو إعادة الإعمار.
أعلن الرئيس أحمد الشرع عن إنشاء الصندوق يوم الخميس 4 سبتمبر 2025، خلال حفل رسمي في قلعة دمشق، مستنداً إلى المرسوم الرئاسي رقم 112 لعام 2025، الذي يمنح الصندوق شخصية اعتبارية مستقلة مالياً وإدارياً، مع ارتباطه برئاسة الجمهورية ومقره في دمشق.
يأتي هذا الإعلان في ظل انخفاض الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة تزيد عن 64% منذ عام 2011، وفق تقديرات منظمات دولية، مما يجعل التنمية المستدامة أولوية وطنية.
ويهدف هذا التقدير الموقف إلى تحليل أهداف الصندوق، وردود الفعل الشعبية، الإيجابيات والسلبيات المحتملة والمرصودة، مع تقديم توصيات لتعزيز فعاليته.
الأهداف والإطار القانوني والمالي للصندوق:
يُعرف الصندوق كمؤسسة اقتصادية تهدف إلى دعم إعادة الإعمار من خلال تمويل مشاريع ترميم البنية التحتية، بما في ذلك الطرق، والجسور، وشبكات المياه والكهرباء، والمطارات، والموانئ، وشبكات الاتصالات، كما يركز على تحسين الخدمات الحيوية المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين، وتسهيل عودة النازحين والمهجرين، مع تقديم قروض حسنة للمشاريع التنموية.
في خطابه يوم 4 سبتمبر 2025، أكد الرئيس الشرع أن الصندوق يمثل "مرحلة جديدة من البناء والإعمار التي نكتب فيها تاريخ سورية الجديد بأيدينا وأموالنا وجهدنا"، مشدداً على رفض "الصدقة" ودعوة السوريين للمساهمة كـ"شرف وطني".
من الناحية المالية، تعتمد مصادر التمويل على التبرعات الفردية داخل وخارج سورية، برنامج "المتبرع الدائم" (اشتراكات شهرية)، والإعانات والهبات وفق القوانين النافذة. أظهرت الردود الأولية نجاحاً ملحوظاً، حيث تجاوزت التبرعات 61 مليون دولار أمريكي من 526 متبرعاً خلال ساعات الإطلاق.
وقد أكد الرئيس على الشفافية العالية، قائلاً: "سيحظى بشفافية عالية وسيعمل على الإفصاح عن كل مال ينفق ضمن مشاريع استراتيجية"، مع رقابة من شركات تدقيق مستقلة.
ردود الفعل الشعبية.. آراء المؤيدين والمعارضين:
شهد إطلاق الصندوق تفاعلاً شعبياً واسعاً، حيث تجمعت حشود في ساحات رئيسية مثل ساحة سعد الله الجابري في حلب، وساحة الساعة الجديدة في حمص، وساحة العاصي في حماة، وساحة الخطيب في القنيطرة، وساحة المحافظة في طرطوس يوم 4 سبتمبر 2025، لمتابعة الحدث مباشرة، حيث عكست هذه التجمعات حماساً وطنياً، مع تبرعات رمزية مثل تلك التي قدمها خالد حسن المر (أبو محمد) بقيمة 500 دولار أمريكي.
وبحسب متابعتنا لوسائل التواصل الاجتماعي (صفحات حقيقية وليست وهمية) ومساعدة فريقنا بالمكتب الإعلامي لرصد التعليقات، قسمنا المعلقين لنوعين: مؤيدون، ومعارضون، حاولنا الاستئناس بهذه التعليقات دون الارتكاز عليها.
يرى المؤيدون في الصندوق أداة لتعزيز الاستقلال الاقتصادي والوحدة الوطنية، مشيدين بتركيزه على الاعتماد على جهود السوريين بدلاً من المساعدات الخارجية، وخلق فرص عمل، كما أبرزت تصريحات مدير الصندوق محمد صفوت رسلان أنه "سيصبح رمزاً للشفافية والاستقرار ومحركاً للنمو".
من جانب آخر، أعرب بعض المتحفظين عن مخاوفهم من ارتباط الصندوق برئاسة الجمهورية، مما قد يحد من الرقابة المستقلة، خاصة في ظل الفقر المدقع الذي يعاني منه نصف السوريين، وحاجة 16.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية وفق تقديرات الأمم المتحدة لعام 2025، كما انتقد البعض "التطبيل الزائد" للمبادرة بدلاً من التركيز على التنفيذ العملي، مع تساؤلات حول كفاية التبرعات مقارنة بالاحتياجات الهائلة، وانتقادات لتبرعات من شخصيات مرتبطة بالنظام السابق مثل أولاد محمد حمشو.
كما أثارت تقارير إعلامية مخاوف من غياب دراسات جدوى جادة وآليات اختيار مشاريع، مما قد يعرض الصندوق لمخاطر الفساد.
الإيجابيات والسلبيات المحتملة:
من الإيجابيات الرئيسية، يوفر الصندوق إطاراً منظماً لإعادة الإعمار، معززاً الاستقرار الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل وجذب استثمارات، خاصة بعد إنهاء العقوبات الأمريكية في مايو 2025، كما أشارت تقارير رويترز.
كما يعزز الشفافية الموعودة الثقة في المؤسسات الجديدة، ويشجع على مشاركة القطاع الخاص والجاليات السورية في الخارج، مما قد يفتح أبواباً لتعاون مع دول الخليج والمنظمات الدولية.
أما السلبيات، فتشمل مخاطر تركيز السلطة المالية دون رقابة شعبية مستقلة، وغموض آليات التنفيذ، مما قد يؤدي إلى تكرار أخطاء الماضي في إدارة الأموال.
كذلك، قد تكون دعوة التبرعات عبئاً على الشعب في ظل الفقر، مع محدودية الموارد مقارنة بالدمار، كما حذرت تقارير Devex من انخفاض التمويل الدولي، بالإضافة إلى ذلك، أثارت تورط شخصيات مثيرة للجدل في الإطلاق شكوكاً حول المصداقية.
خاتمة:
لضمان نجاح الصندوق، نوصي في المكتب الاقتصادي لـ تيار المستقبل السوري بإنشاء هيئة رقابية مستقلة تضم ممثلين عن المجتمع المدني والخبراء الدوليين، مع نشر تقارير مالية دورية شهرية.
كما يجب إشراك القطاع الخاص من خلال شراكات، ووضع خطة زمنية واضحة للمشاريع بناءً على دراسات جدوى بحلول نهاية 2025، مع تخصيص موارد لدعم النازحين في المناطق الأكثر تضرراً مثل حلب وحمص.
ونوصي بالتعاون مع منظمات دولية مثل البنك الدولي لتعزيز الشفافية، وإطلاق حملات توعية للرد على الانتقادات عبر جلسات استماع عامة.
أخيراً، تنويع مصادر التمويل لتجنب الاعتماد الكلي على التبرعات الفردية، مع مراعاة الوضع الاقتصادي للمواطنين.
يمثل صندوق التنمية السوري فرصة تاريخية لإعادة بناء سورية، لكنه يتطلب حوكمة شفافة ومشاركة شاملة لتجنب الفشل، في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يعتمد نجاحه على التوازن بين الطموح الوطني والواقعية العملية، مما يجعله اختباراً للإدارة الجديدة في بناء دولة مستقرة ومزدهرة.