الملخص:
تشكل استقالة غير أو. بيدرسن، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، في 18 سبتمبر 2025، نقطة تحول هامة في مسار النزاع السوري الذي استمر لأكثر من عقد.
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، يواجه البلد مرحلة انتقالية معقدة تشمل تشكيل حكومة انتقالية بقيادة هيئة تحرير الشام (HTS)، والتعامل مع التحديات الأمنية، الإنسانية، والاقتصادية.
تهدف هذه الورقة إلى تحليل الآثار المباشرة لاستقالة بيدرسن، مع التركيز على الفرص والمخاطر في عملية الإعمار والانتقال السياسي، كما تُبرز الورقة الحاجة إلى دور دولي أقوى لضمان الاستقرار، مع النظر في التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية.
الكلمات الرئيسية: سورية، انتقال سياسي، غير بيدرسن، هيئة تحرير الشام، إعمار ما بعد النزاع.
المقدمة:
بدأ النزاع السوري في عام 2011 كثورة شعبية ضد نظام بشار الأسد المستبد، ليتحول إلى حرب معقدة تشمل تدخلات إقليمية ودولية، أسفرت عن مئات الآلاف من القتلى ونزوح ملايين اللاجئين.
ومع سقوط النظام في ديسمبر 2024، دخلت سورية مرحلة جديدة التفاؤل الحذر، حيث سيطرت هيئة تحرير الشام (HTS) على العاصمة دمشق وأعلنت تشكيل حكومة انتقالية، بقبول باقي فصائل "ردع العدوان".
في هذا السياق، جاءت استقالة غير بيدرسن، الذي شغل منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة منذ يناير 2019، كإشارة إلى إعادة ترتيب الجهود الدبلوماسية الدولية حيث أعلن بيدرسن استقالته لأسباب شخصية بعد أكثر من ست سنوات ونصف، مشيراً إلى "التغييرات الكبيرة" في سورية وفتح "فصل جديد" هذه الاستقالة تثير تساؤلات حول مستقبل دور الأمم المتحدة في تسهيل الحوار السياسي، خاصة في ظل تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي يدعو إلى انتقال سياسي شامل.
تهدف هذه الورقة إلى استكشاف ما بعد استقالة بيدرسن، من خلال تحليل الوضع الراهن، والتحديات المستقبلية، والآفاق المحتملة لسورية، كما تُبرز الورقة أهمية بناء مؤسسات شاملة لتجنب عودة النزاع.
تفاصيل استقالة بيدرسن وآثارها المباشرة:
أعلن غير بيدرسن استقالته أمام مجلس الأمن في 18 سبتمبر 2025، بعد إحاطة حول الوضع في سورية.
وفي بيانه، أعرب عن امتنانه للشعب السوري لشجاعتهم، وأكد أنه سيظل ملتزماً بمسؤولياته حتى مغادرته في المستقبل القريب، ربما حتى ديسمبر 2025، وقد أرجع الاستقالة إلى أسباب شخصية، لكنه أشار إلى أنها تأتي في وقت يشهد سورية "فجراً جديداً" يجب تحويله إلى "يوم مشرق".
خلال فترته، ركز بيدرسن على تنفيذ قرار 2254، الذي يشمل وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، وصياغة دستور جديد، لكنه واجه عقبات بسبب الانقسامات الدولية والتعنت الداخلي.
تأتي الاستقالة في سياق إعادة ترتيب الدبلوماسية الأمريكية، حيث أقالت واشنطن بعض كبار الدبلوماسيين المسؤولين عن ملف سورية مؤخراً، مما يشير إلى "إعادة ضبط" للملف السوري، فيما نرى أن هذا التغيير يعكس التحولات السياسية بعد سقوط الأسد، حيث أصبحت الجهود الدولية أكثر تركيزاً على الإعمار بدلاً من الوساطة في النزاع.
ومع ذلك، يثير غياب بيدرسن مخاوف من فراغ دبلوماسي، خاصة أن مكتبه في جنيف قد يواجه عدم يقين بشأن مستقبله.
في الوقت نفسه، حذر بيدرسن في إحاطته الأخيرة من "التقدم الهش" المهدد بالإقصاء السياسي والتدخلات الأجنبية، مثل الضربات الإسرائيلية والوجود العسكري التركي والأمريكي.
الوضع السياسي في سورية بعد سقوط الأسد:
بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، أعلنت HTS تشكيل حكومة انتقالية برئاسة أحمد الشرع تشمل 23 وزيراً لإدارة المرحلة الانتقالية.
تهدف هذه الحكومة إلى بناء "أمة للجميع"، مع التركيز على الإصلاحات الدستورية والانتخابات، ومع ذلك، تواجه تحديات من الانقسامات الداخلية، حيث تسيطر HTS على المناطق الوسطى والشمالية، بينما تحافظ الإدارة الذاتية الكردية (SDF) على الشمال الشرقي، والقوات التركية على المناطق الحدودية.
في الأشهر الستة الأولى بعد السقوط، شهدت سورية عودة حوالي 115,000 لاجئ، معظمهم من الدول المجاورة، لكن العودة الواسعة النطاق محدودة بسبب المخاوف الأمنية.
كما أدت الانتخابات الأمريكية في 2024 إلى إعادة تقييم الاستراتيجيات الجيوسياسية، مع مخاوف من تصعيد التوترات بين HTS والقوى الكردية، حيث يرى خبراء أن مستقبل سورية يعتمد على التوفيق بين الرؤى المتنافسة، مثل رؤية HTS الإسلامية والرؤية الكردية العلمانية، لتجنب نزاع جديد.
التحديات الأمنية والإنسانية:
تواجه سورية تحديات أمنية متعددة، بما في ذلك تهديد داعش الذي انخفض لكنه لا يزال موجوداً كتهديد إرهابي، كما أن التدخلات الخارجية، مثل الضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية سابقة، والوجود العسكري الأمريكي في الشرق، تهدد الاستقرار.
في أغسطس 2025، أفادت تقارير حقوقية بأن العنف في المناطق العلوية قد يشكل جرائم حرب، مما يعكس مخاطر الإقصاء الطائفي، وعلى الصعيد الإنساني، يحتاج أكثر من 16 مليون شخص إلى مساعدات، مع نزوح إضافي بلغ 185,000 شخص بسبب الاشتباكات المستمرة، وقد أجرت منظمة اللاجئين الدولية بحثاً في فبراير 2025، مشيرة إلى أن الإعمار يتطلب رفع العقوبات ودعم العودة الآمنة للاجئين.
ومع ذلك، يظل الاقتصاد مدمراً، مع ارتفاع التضخم ونقص الخدمات الأساسية، مما يعيق التعافي.
دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في المستقبل:
مع استقالة بيدرسن، يواجه الأمم المتحدة تحدياً في تعيين خلف يمكنه الحفاظ على الحيادية والفعالية. يقترح محللون أن يركز الخلف على تعزيز الحوار بين الحكومة الانتقالية والقوى الكردية، مع دعم من الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، كما يجب أن يشمل الدور الدولي رفع العقوبات مقابل إصلاحات، لتشجيع الاستثمار في الإعمار.
في يونيو 2025، ناقش معهد واشنطن فرصاً للولايات المتحدة في دعم سورية الجديدة، مع التركيز على مكافحة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية، أما البرلمان البريطاني، فقد أصدر تقريراً في يوليو 2025 يبرز الحاجة إلى سلطات انتقالية فعالة لمواجهة التحديات.
خاتمة:
تشير تحليلاتنا في تيار المستقبل السوري إلى سيناريوهات محتملة:
١- سيناريو إيجابي يشمل انتقال سلمي يؤدي إلى انتخابات حرة بحلول 2027، مع دعم دولي للإعمار.
٢- السيناريو السلبي، ويشمل تصعيداً طائفياً أو تدخلات خارجية تؤدي إلى تقسيم البلد.
وبنفس السياق، في مايو 2025، أكدت دراسة من جامعة جورجتاون أن سقوط الأسد أعاد ترتيب الاستراتيجيات الجيوسياسية، مع فائزين مثل HTS وخاسرين مثل إيران، ولضمان النجاح، نرى أنه يجب على الحكومة الانتقالية التركيز على الشمولية بالتمثيل، بما في ذلك تمثيل الأقليات والنساء، ومكافحة الفساد. كما يتطلب الأمر دعماً دولياً لإعادة بناء البنية التحتية، مع التركيز على التعليم والصحة لتعزيز الاستقرار طويل الأمد.
على أنه، تمثل استقالة غير بيدرسن نهاية مرحلة من الوساطة الفاشلة نسبياً، وبداية فرصة لإعادة صياغة النهج الدولي تجاه سورية.
ومع التركيز على الإعمار والانتقال السياسي، يمكن لسورية تجاوز ماضيها المؤلم، شريطة تجنب الإقصاء والتدخلات الخارجية، ونرى أن ذلك يتطلب جهوداً مشتركة من الأمم المتحدة والقوى الإقليمية لدعم عملية سورية انتقالية ناجحة.
وفي النهاية، يمكن تلخيص القول بأنه يعتمد مستقبل سورية على إرادة شعبها ودعم المجتمع الدولي لتحقيق سلام مستدام.
المراجع:
- Al-Monitor. (2025, September 18). UN special envoy for Syria Geir Pedersen steps down after six years. https://www.al-monitor.com/originals/2025/09/un-special-envoy-syria-geir-pedersen-steps-down-after-six-years
- American University. (2025, June 17). Six months post-Assad, what’s next for Syria? https://www.american.edu/sis/news/20250617-six-months-post-assad-whats-next-for-syria.cfm
- Freedom House. (2025). Syria: Freedom in the World 2025 Country Report. https://freedomhouse.org/country/syria/freedom-world/2025
- Georgetown Journal of International Affairs. (2025, May 7). The fall of Bashar al-Assad: Winners, losers, and challenges ahead. https://gjia.georgetown.edu/2025/05/07/the-fall-of-bashar-al-assad-winners-losers-and-challenges-ahead/
- Journal of Democracy. (2025). “Forever has fallen”: The end of Syria’s Assad. https://www.journalofdemocracy.org/articles/forever-has-fallen-the-end-of-syrias-assad/
- Reuters. (2025, September 18). UN envoy for Syria to step down after six years in role. https://www.reuters.com/world/middle-east/un-envoy-syria-step-down-after-six-years-role-2025-09-18/
- UK Parliament. (2025, July 23). Syria after Assad: Consequences and interim authorities 2025. https://commonslibrary.parliament.uk/research-briefings/cbp-10161/
- UN News. (2025, September 18). Syria’s fragile gains threatened by foreign militaries and political exclusion. https://news.un.org/en/story/2025/09/1165874