المقدمة:
في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها سورية عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، أصبحت الزيارات الدبلوماسية والاقتصادية من الدول العربية الشقيقة محوراً للتحليل السياسي والاستراتيجي، ومن أبرز هذه الزيارات وصول الوفد السعودي رفيع المستوى إلى دمشق في يوليو 2025، برئاسة معالي وزير الاستثمار خالد الفالح، ويشمل أكثر من 130 رجل أعمال ومستثمر.
يركز الهدف الرسمي لهذه الزيارة على توقيع اتفاقيات اقتصادية وتنموية تقدر قيمتها بحوالي 4-6 مليارات دولار، تغطي قطاعات الطاقة، البنية التحتية، الزراعة، والإسمنت.
تأتي هذه الخطوة ضمن سياق الانفتاح العربي على سورية الجديدة تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع، إلا أنها تثير تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت تمثل فرصة حقيقية للتنمية المستدامة أم تحمل مخاطر سياسية، خاصة في ضوء التحديات الأمنية والإقليمية المستمرة. يقدم هذا التحليل، الصادر عن المكتب السياسي لتيار المستقبل السوري، تقييماً موضوعياً للمواقف المؤيدة والمعارضة، مع الادعاء بأن الزيارة تشكل خطوة إيجابية نحو إعادة الإعمار، شريطة اتباع حذر استراتيجي للحفاظ على السيادة الوطنية.
المنهجية:
لضمان الدقة العلمية والموضوعية، اعتمد التحليل على منهجية بحثية حديثة تجمع بين التحليل الكيفي للمحتوى والاستكشاف الرقمي للبيانات.
أولاً، تم إجراء بحث شامل على الويب باستخدام محركات بحث متقدمة لجمع مصادر إخبارية وتحليلية من منصات موثوقة مثل الجزيرة، واشنطن إنستيتيوت، وبلومبرغ، مع التركيز على الفترة من ديسمبر 2024 إلى سبتمبر 2025 لالتقاط التطورات الأحدث، تم اختيار 15 مصدراً رئيسياً لتمثيل تنوع الآراء، مع تطبيق فلاتر للتحقق من الحيادية والتاريخ.
ثانياً، استخدم تحليل وسائل التواصل الاجتماعي (منصة X) من خلال بحث كلمات مفتاحية متقدمة (مثل "وفد سعودي دمشق اتفاقيات since:2024-12-01″) لجمع 20 منشوراً حديثاً، مرتبة زمنياً، مع تحليل دلالي لـ15 منشوراً إضافياً لقياس الاتجاهات العاطفية (مثل الترحيب أو القلق).
اعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي لتصنيف المحتوى إلى فئات (مؤيدة، معارضة، محايدة) بناءً على مؤشرات مثل عدد الإعجابات والإعادة نشر، مع الالتزام بمعايير أخلاقية لتجنب التحيز.
هذه المنهجية الهجينة، المستوحاة من نماذج البحث الرقمي المعاصرة مثل تلك في مشروع Pew Research، تتيح تقاطع البيانات الرسمية مع الرأي العام لرسم صورة شاملة وموضوعية.
المواقف المؤيدة.. فرصة للتنمية والاستقرار الإقليمي:
تلقى الزيارة دعماً واسعاً من الأطراف الرسمية والشعبية، حيث يُنظر إليها كخطوة جوهرية نحو إعادة إعمار سورية. من الجانب السعودي، يعكس الوفد التزام المملكة بدعم الاستقرار الإقليمي، كما أكد معالي الوزير خالد الفالح في تصريحاته بشأن "مشاريع كبرى" تشمل مصنع إسمنت ومنتدى استثماري، حيث يأتي هذا الدعم بتوجيه من صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد بن سلمان، ويُرى كامتداد لجهود الرياض في تعزيز الشراكات العربية، خاصة عقب رفع العقوبات الأمريكية عن سورية.
وعلى الصعيد السوري، رحبت الحكومة الجديدة بالزيارة، معتبرة إياها تعزيزاً للعلاقات الثنائية ودعماً للتنمية المستدامة، كما أفادت وكالة سانا بتوقيع 47 مذكرة تفاهم بقيمة 24 مليار ريال.
ويبرز في وسائل التواصل الاجتماعي الترحيب الشعبي بوضوح، كما في منشورات مثل تلك من @ibrahim_ghassan و@FAHD44747، التي تعبر عن حماس لـ"عودة العروبة" وفرص الاستثمار، مع إعجابات تصل إلى مئات، مما يعكس تفاؤلاً شعبياً بتحسين الأوضاع المعيشية عقب سنوات من الصراع.
كما يدعم محللون مثل ضياء قدور في مقابلات تلفزيونية أن الزيارة تمثل "مشاركة سعودية قوية في إعادة الإعمار".
إقليمياً، يُعتبر هذا جزءاً من تحالف خليجي أوسع، مع زيارات مشابهة من الإمارات وقطر، مما يعزز الاستقرار ويحد من النفوذ الإيراني.
المواقف المعارضة أو الحذرة.. مخاوف من النفوذ الخارجي والجدوى الاقتصادية:
رغم الدعم السائد، توجد أصوات حذرة أو معارضة تركز على المخاطر السياسية والاقتصادية، حيث يخشى بعض السوريين أن تكون الاتفاقيات وسيلة لتوسيع النفوذ السعودي، خاصة في ضوء خلفية الرئيس أحمد الشرع السابقة في هيئة تحرير الشام، التي كانت مدرجة على قوائم الإرهاب.
على منصة X، يعبر بعض المنشورات التي رصدناها عن قلق من أن الاستثمارات تأتي في وقت يعاني فيه غزة من الجوع، معتبرة إياها "صفعة".
كما يشير التحليل الدلالي لمنشورات أخرى إلى مخاوف من عدم الجدوى الاقتصادية الفورية، حيث قد لا تؤثر الاتفاقيات مباشرة على الأوضاع المعيشية في ظل التحديات الأمنية المستمرة.
أما إقليمياً، فتوجد تحفظات من أطراف مثل إيران أو أنصار النظام السابق، الذين يرون في التقارب السعودي-السوري تهديداً لمصالحهم.
كما وأشارت تقارير إلى أن الزيارة تأتي رغم "جولة العنف الأخيرة"، مما يثير تساؤلات حول الاستقرار.
وفي التحليل الدلالي، تظهر بعض المنشورات مخاوف من "الاستعمار الاقتصادي"، مثل تلك المتعلقة بصندوق التنمية، الذي يُرى كأداة للسيطرة.
تقييم التيار.. توازن بين الفرص التنموية والحذر الاستراتيجي:
يُقيم تيار المستقبل السوري هذه الزيارة كفرصة استراتيجية لخروج سورية من عزلتها، مدعومة باستثمارات ملموسة تساهم في التنمية المستدامة، كما أكدت الاتفاقيات الـ47.
ومع ذلك، يؤكد التيار على ضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية من خلال شروط متوازنة، تجنباً لتحويل الشراكة إلى تبعية، حيث تظهر المنهجية المعتمدة أن الدعم الإيجابي يفوق الحذر، إلا أن التحديات الأمنية تتطلب مراقبة مستمرة وشفافية في التنفيذ.
الخاتمة:
تمثل زيارة الوفد السعودي بوابة للتعاون العربي الفعال، إلا أن نجاحها يعتمد على التنفيذ الشفاف والشامل، وعليه يعمل قسم البحوث والدراسات في المكتب السياسي لـ تيار المستقبل السوري بإجراء دراسات مستقبلية تركز على تأثير هذه الاتفاقيات على الاقتصاد السوري، مع دعوة للحوار الوطني الشامل لضمان استفادة جميع المكونات السورية.
وانطلاقاً مما سبق، يوصي المكتب السياسي لتيار المستقبل السوري بناءً على مواقف التيار الداعمة لتعزيز العلاقات السورية-السعودية، كما أكد في بياناته الرسمية مثل بياننا الصادر بتاريخ 7 سبتمبر من هذا العام والمنشور بموقعنا الرسمي بعنوان: "توقيع اتفاقيات خدمية وتنموية بين المملكة العربية السعودية وسورية"، يوصي التيار بالآتي لضمان نجاح الزيارة والشراكة الاستراتيجية:
- تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي: التركيز على مكافحة الإرهاب والنفوذ الإيراني من خلال تبادل معلوماتي، مع دعم استثمارات سعودية في إعادة الإعمار تصل إلى مئات المليارات، خاصة في البنية التحتية والطاقة، لتحقيق منافع متبادلة.
- مواجهة التحديات الخارجية: حلحلة العقوبات الدولية من خلال حوار مع الولايات المتحدة وأوروبا، لتسهيل تدفق الاستثمارات دون قيود، مع الحفاظ على السيادة السورية تجاه المنافسات الإقليمية.
- ضمان الشفافية والشمولية: إشراك جميع مكونات الشعب السوري في تنفيذ الاتفاقيات، مع آليات رقابة لضمان توزيع عادل للفوائد الاقتصادية، وتعزيز التعاون في مجالات التعليم والصحة لدعم العيش المشترك.
- بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد: توسيع التعاون ليشمل الملفات الإقليمية مثل لبنان والصراع الفلسطيني، مع الالتزام بمبادئ الثورة السورية لتحقيق استقرار إقليمي يخدم مصالح البلدين.