التمهيد:
تتناول هذه الورقة تقديرًا أوليًا لمآلات الملف في السويداء في ضوء التصعيد الأخير، وتستعرض المنهجية السورية الجديدة في التعامل مع الداخل المحلي، ضمن سياق إقليمي متشابك.
يركز التحليل على مؤشرات التحول في خطاب دمشق وأدواتها، ويضع ذلك في إطار الاجتماع الثلاثي الذي انعقد مؤخرًا في عمّان، والمعاد إحياؤه اليوم الثلاثاء 2025/08/12م في الأردن، والذي يُحتمل أن يشكل بداية إعادة تموضع إقليمي في التعاطي مع الملف السوري.
تهدف الورقة إلى استشراف السيناريوهات المحتملة، حسب معلومات خاصة وردتني، دون تقديم توصيات مباشرة، بما ينسجم مع طبيعة أوراق "تقدير الموقف" والتي تركز على تحليل الاتجاهات وتقدير الخيارات المتاحة لصنّاع القرار.
ففي ظل تعثر مساعي الحوار الداخلي مع القيادات الدرزية في السويداء، خصوصاً بعد بيانات مشايخ العقل الثلاثة، والتي تبنت لغة الصدام مع الحكومة بدمشق، تتجه دمشق نحو إعادة صياغة مقاربتها للملف، متبنيةً منهجية أكثر تشدداً داخلياً، ومتوازنة خارجياً.
فقد كان من المفترض أن يشارك وفد من وجهاء السويداء في لقاء الأردن، إلا أن التصريحات الأخيرة الصادرة عن المرجعيات الدينية الدرزية دفعت دمشق إلى إعادة تقييم موقفها، ما يشير حسب مصادرنا أنه سيؤدي إلى تبني الخطوات التالية:
أولاً: قطيعة داخلية وإعادة هيكلة السلطة المحلية
- المعلومات تشير إلى احتمال تغيير المحافظ الحالي، مصطفى البكور، لصالح شخصية أكثر تشدداً، في إطار إنهاء سياسة "مد اليد" التي اتبعتها دمشق سابقاً.
- يُتوقع أن تتخذ السلطات المركزية إجراءات لفصل العلاقة مع داخل السويداء، مع تقليص مساحة التفاعل السياسي المحلي.
ثانياً: تدويل الملف وتقليم النفوذ الإسرائيلي
- تكتفي دمشق بمعالجة الملف عبر القنوات الخارجية انطلاقاً من لقاء عمان اليوم الثلاثاء 2025/08/12م، مع تحركات دبلوماسية لتقليص النفوذ الإسرائيلي في الجنوب.
- لوحظت تحركات عسكرية روسية انطلقت من القامشلي باتجاه الجنوب، في مؤشر على تنسيق أمني جديد.
ثالثاً: ضبط الانتهاكات ومحاصرة القيادات الرافضة
- تعمل دمشق على وقف الانتهاكات بحق المدنيين، بالتوازي مع محاصرة القيادات الدرزية التي رفضت الحوار، بهدف سحب الذرائع التي تستخدمها تلك القيادات لحشد التأييد الشعبي.
رابعاً: فرض "الحرم السياسي"
- يُتداول مقترح بفرض ما يُشبه "الحرم السياسي" على القيادات الدرزية، على غرار "الحرم الديني"، لمنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي أو عقد لقاءات بعد تسوية الملف.
خامساً: إعادة هيكلة العلاقة مع الأهالي
- هناك مقترح لإخراج من يرغب من أهالي السويداء، بالتوازي مع إقناع الدول المؤثرة بتحييد إسرائيل.
- يُخطط لإعادة من يريد العودة منهم عبر مؤسسة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية، مع فتح باب التسوية للعناصر المسلحة داخل السويداء وإصدار عفو عام، دون إشراك القيادات.
- من المتوقع أن يلعب الشيخ البلعوس دوراً محورياً في هذا المسار، مما سيجعله رمزاً تاريخياً.
سادساً: تجميد الملف وفتح صفحة جديدة مع المجتمع المحلي
- اختارت دمشق تجميد الملف وتركه على نار هادئة، مع السعي لفتح صفحة جديدة مع المجتمع المحلي بعد فشل الحوار مع القيادات التقليدية.
سابعاً: تحولات محتملة في المشهد الدرزي
- يجري الحديث عن زيارة محتملة للشيخ موفق طريف إلى دمشق، أو عقد اجتماع دولي في أيلول مع الرئيس السوري، ما قد يعكس تحولاً في الصورة العامة للقيادة الدرزية.
ثامناً: البُعد الإقليمي – الدولي: اجتماع عمّان الثلاثي
في سياق هذه التحولات، عُقد في 19 تموز/يوليو 2025 اجتماع ثلاثي في العاصمة الأردنية عمّان، ضم وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم براك. وتناول الاجتماع جهود تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء، ونشر قوات الأمن السورية، وإطلاق سراح المحتجزين، وتعزيز السلم الأهلي، وإدخال المساعدات الإنسانية.
هذا الاجتماع يعكس انفتاحاً سورية على تسوية إقليمية للملف، بالتوازي مع إعادة ضبط الداخل، ما يفتح الباب أمام مقاربة مزدوجة: أمنية – سياسية، محلية – دولية، في التعامل مع أزمة السويداء.
ومن المقرر أن تستضيف العاصمة الأردنية، اليوم الثلاثاء، اجتماعاً أردنياً–سورياً–أميركياً مشتركاً، لبحث آخر المستجدات في السويداء وسبل دفع جهود إعادة الإعمار وتعزيز الاستقرار.
وسيشارك في الاجتماع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ونظيره السوري أسعد الشيباني، والمبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، إلى جانب ممثلين عن المؤسسات المعنية في الدول الثلاث، وذلك استكمالاً للمباحثات التي استضافتها عمّان في 19 تموز 2025، والتي ركزت على تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء وحل الأزمة فيها مع دخول مؤسسات الدولة للسويداء.
خاتمة:
يُظهر سلوك دمشق الأخير تجاه السويداء مزيجًا من الانضباط الأمني والمرونة الرمزية، ما يعكس تحولًا في منهجية التعامل مع الجيوب الاحتجاجية في ظل توازنات داخلية هشة وضغوط إقليمية متزايدة.
في المقابل، يبرز الاجتماع الثلاثي في عمّان كمؤشر على بداية إعادة هندسة إقليمية للملف السوري، قد تفتح المجال أمام ترتيبات جديدة تتجاوز المقاربات الأمنية التقليدية.
وبينما تبقى الخيارات مفتوحة على سيناريوهات متعددة، رغم وجود رؤية معينة، فإن قدرة دمشق على ضبط الإيقاع المحلي دون انفجار، واستثمار اللحظة الإقليمية دون تفريط، ستحدد ملامح المرحلة المقبلة في الجنوب السوري، وربما في المشهد السوري الأوسع.
المكتب السياسي
مقال
جمعة محمد لهيب