التحديات البنيوية والفرص الاستراتيجية للزراعة في سورية

مقدمة:

لا تزال الزراعة في سورية تمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني ومصدر رزق لنحو 45% من السكان، رغم مرور البلاد بأكثر من أربعة عشر عاماً من النزاع المسلح، والانهيار الاقتصادي، والتغيرات المناخية الحادة.
ومع انتهاء ثلثي عام 2025، تتفاقم التحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي، مما يستدعي قراءة معمقة للواقع الزراعي، وتحليل أسبابه، واستشراف آفاقه المستقبلية.

السياق التاريخي للزراعة السورية:

عُرفت سورية منذ العصور القديمة بخصوبة أراضيها، خاصة في مناطق الجزيرة السورية وحوض الفرات ودجلة، حيث كانت الزراعة تشكل العمود الفقري للاقتصاد السوري، حيث بلغت المساحة القابلة للزراعة نحو 6 ملايين هكتار، منها 5.5 ملايين تُستثمر فعلياً، هذا وتشتهر البلاد بزراعة القمح، والشعير، والزيتون، والفستق الحلبي، والخضروات، وتُعد من أبرز الدول المصدّرة لزيت الزيتون وبذور التوابل والطماطم.

التحديات البنيوية في عام 2025:

  1. التغير المناخي والجفاف:
    بحسب وزارة الزراعة السورية، أدى انحباس الأمطار وانخفاض منسوب المياه في السدود والبحيرات إلى تعديل الخطة الزراعية للمحاصيل الصيفية، وتخفيض المساحات المزروعة بشكل كبير، حيث تعتمد 70% من الأراضي الزراعية على الأمطار، ما يجعلها شديدة التأثر بالتغيرات المناخية. والمناطق الأكثر تضرراً تشمل البادية السورية، التي شهدت تراجعاً كبيراً في الغطاء النباتي وارتفاعاً في العواصف الغبارية.
  2. تدهور البنية التحتية:
    عمق الزلزال الذي ضرب البلاد في شباط/فبراير 2023 هشاشة البنية التحتية الزراعية، خاصة في مناطق التخزين والنقل والتسويق، إضافة لضعف الطرق الريفية ونقاط التجميع أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض جودة المنتجات.
  3. نقص الموارد والمدخلات الزراعية:
    يعاني المزارعون من محدودية الوصول إلى البذور والأسمدة الجيدة، وارتفاع تكلفة المدخلات الزراعية بنسبة تجاوزت 60% منذ عام 2020.
    كما أن القيود الإدارية والتنظيمية تعيق سير العملية الزراعية، مع غياب الدعم المالي الكافي (91% من المزارعين يرون أن الدعم غير كافٍ).
  4. النزوح وفقدان اليد العاملة:
    أدت سنوات الحرب إلى نزوح آلاف المزارعين، ما تسبب في نقص حاد في اليد العاملة الزراعية، خاصة في المناطق الشمالية والشرقية، كما أن الهجرة الريفية ارتفعت بنسبة 35% بين عامي 2018 و2024، وفقاً لتقرير "غران غرين" حول مستقبل الزراعة في سورية.

السياسات الحكومية والاستجابة المؤسسية:

في مايو 2025، أعلنت وزارة الزراعة السورية عن تعديل الخطة الزراعية للمحاصيل الصيفية، بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية، بهدف الحد من استنزاف المياه ورصد الآبار المخالفة.
كما تم إصدار تقارير شهرية لتحديد الكميات المسموح تصديرها واستيرادها من كل محصول، وجرى التنسيق مع وزارة الاقتصاد لمنع استيراد المنتجات الزراعية التي تُنتج محلياً بكميات كافية، لحماية السوق المحلي.
كما أطلقت محافظة ريف دمشق رؤية شاملة لتطوير القطاع الزراعي، تشمل دعم مشاريع الري الحديث، وتوسيع استخدام الطاقة الشمسية في الزراعة.

الأبعاد البيئية والاقتصادية:

١- الأمن الغذائي
تشير التقديرات إلى أن نحو 14.5 مليون سوري يعانون من الجوع، ما يجعل الأمن الغذائي إحدى أخطر القضايا الإنسانية في البلاد.
كما تراجع إنتاج القمح بنسبة 40% مقارنة بعام 2010، فيما انخفض إنتاج القطن بنسبة 60%.
٢- الخسائر البيئية
الحرائق المتكررة في الغابات أدت إلى فقدان مساحات كبيرة من الموارد الطبيعية، وتدهور التنوع البيولوجي. حيث إن سورية تُعد من بين أكثر 10 دول عرضة للكوارث المناخية، بحسب تقرير لجنة الإنقاذ الدولية لعام 2024.

فرص التعافي والاستثمار الاستراتيجي:
رغم التحديات، لا تزال الزراعة تشكل فرصة استراتيجية للتعافي الاقتصادي والاجتماعي:

  • الاستثمار في الزراعة يمكن أن يخلق فرص عمل ويعيد الاستقرار للمجتمعات الريفية.
  • تطوير تقنيات الري الحديث والطاقة المتجددة يمكن أن يقلل من الاعتماد على الأمطار.
  • دعم التعاونيات الزراعية وتمكين المرأة الريفية يساهم في تعزيز الإنتاجية والاستدامة.

خاتمة:

في ظل التحديات المتراكمة التي تواجه الزراعة السورية عام 2025، من الضروري تبني رؤية استراتيجية شاملة، تجمع بين الإصلاح المؤسسي، والاستثمار في البنية التحتية، والتكيف مع التغيرات المناخية. فالزراعة ركيزة للهوية الوطنية، ووسيلة لبناء السلام والاستقرار في مرحلة ما بعد النزاع.
ونؤكد هنا على ماكنا نشرناه في مكتبنا الاقتصادي عبر موقع التيار الرسمي قبل سنة من الآن بتاريخ 23 يوليو 2024م بالورقة المعنونة بـ "الزراعة في شمال سورية، رافعةٌ للتنمية" على أن أهمية توعية صانعي السياسات بأهمية الزراعة ليس في شمال سورية فقط، بل بكل سورية اليوم بعد التحرير المبارك، وضرورة العمل على جذب الاستثمارات للقطاع الزراعي، ودعم صغار المزارعين، والمساهمة الفعلية في تحقيق التنمية المستدامة في شمال سورية.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع