تفكيك خلية داعش في إدلب ومآلات الدولة السورية

شهدت سورية سلسلة أحداث أمنية وسياسية متسارعة، أبرزها إعلان الأمن الداخلي في إدلب عن تفكيك خلية تابعة لتنظيم داعش، وضبط مستودع أسلحة ومتفجرات في منطقة حارم.
هذا الحدث، رغم طابعه الأمني، يفتح الباب لتحليل فلسفي سياسي أعمق حول طبيعة السلطة، وإرث النظام السابق، وتحديات بناء الدولة في مرحلة ما بعد الأسد.
منذ بداية الثورة السورية عام 2011، ظهرت مؤشرات على أن النظام السوري استخدم الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها داعش، كأدوات لتشويه الثورة وتبرير القمع.
وقد تحدثت تقارير عديدة عن إفراج النظام عن متطرفين من سجن صيدنايا، وتسهيل تمدد داعش في مناطق المعارضة.

إن تفكيك خلية داعش في إدلب، بتاريخ 6 أغسطس 2025، يمثل تفكيكًا رمزيًا لإحدى أدوات النظام السابق، وهو إعلان ضمني بأن مرحلة التوظيف السلطوي للإرهاب قد انتهت، وأن الأمن لم يعد وسيلة للهيمنة، بل ضرورة لبناء مجتمع سياسي جديد.

ومن مؤشرات هذا التحول أحداث الأسبوع:

  1. زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق – 7 أغسطس 2025، حيث استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع وزير الخارجية التركي في زيارة غير معلنة مسبقًا، ركزت على التنسيق الأمني في شمال شرق سورية، ومخاوف تركيا من تمدد "قسد" في منبج وحلب.
  2. تشكيل مكتب تنفيذي مؤقت في السويداء – 7 أغسطس 2025، فقد أعلنت اللجنة القانونية العليا، بتوجيه من الشيخ حكمت الهجري، عن تشكيل مكتب تنفيذي لإدارة شؤون السويداء، وتعيين ضابط سابق في نظام الأسد قائدًا للأمن الداخلي.
    وهذه الخطوة أثارت جدلًا واسعًا حول نوايا الانفصال أو الإدارة الذاتية.
  3. إحباط محاولة تفجير كنيسة في طرطوس – 5 أغسطس 2025، حيث أعلنت وزارة الداخلية السورية عن إحباط مخطط لتفجير كنيسة مار إلياس في طرطوس، والقبض على شخصين أثناء تنفيذ العملية.
  4. مباحثات سورية–تركية لتعزيز التعاون الأمني – 4 أغسطس 2025، فقد اجتمع وزير الداخلية السوري أنس خطاب بنظيره التركي علي يرلي كايا في أنقرة، لبحث فرص التعاون الأمني، في مؤشر على تحول العلاقات من العداء إلى التنسيق.

يرى ميشيل فوكو أن السلطة لا تُمارس فقط من الأعلى، بل تتوزع عبر الشبكات والمؤسسات.
وفي سورية اليوم، السلطة لم تعد مركزية بالحقيقة، بل موزعة بين إدلب، والسويداء، وشمال شرق سورية، ودمشق.. لكن هذه السلطات المحلية تفتقر إلى الشرعية السياسية، وتواجه تحديات في بناء مؤسسات خاضعة للمساءلة.

إن تفكيك خلية داعش يجب أن يُفهم في هذا السياق على أنه ليس فقط نجاحًا أمنيًا، بل اختبار لقدرة السلطات المحلية على إنتاج شرعية جديدة، قائمة على الأمن والعدالة والتمثيل السياسي.

وأيضاً، في مرحلة ما بعد الأسد، لا يمكن بناء دولة دون معالجة إرث الانتهاكات، فالعدالة الانتقالية عملية فلسفية لإعادة بناء الثقة، ويجب أن تُحاكم عناصر داعش وفق إجراءات عادلة، ويُكشف عن دور النظام السابق في دعم الإرهاب، وتُضمن حقوق الضحايا.

فالعدالة هنا ليست انتقامًا، بل تأسيسًا لعقد اجتماعي جديد، يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع.

على أن التحولات الأمنية في سورية لا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي.
فزيارة هاكان فيدان إلى دمشق، ومباحثات التعاون الأمني، تشير إلى شراكة إقليمية جديدة، لكن هذه الشراكة يجب أن تضع السوريين في قلب المعادلة، لا مجرد أدوات في صراعات القوى.
إن فلسفة ما بعد الأسد يجب أن تقوم على استعادة (السيادة الشعبية)، لا فقط الجغرافية، وهذا يتطلب دورًا فاعلًا للمجتمع المدني، والمثقفين، والفاعلين المحليين في صياغة مستقبل البلاد.

وفي النهاية، فإن تفكيك خلية داعش في إدلب يمكن أن يكون بداية لمسار فلسفي جديد في بناء الدولة السورية التي لا تقوم على القوة وحدها، بل على المعنى، دولة تُعرّف نفسها لا فقط بوصفها نقيضًا للإرهاب، بل بوصفها حاضنة للحرية والعدالة والكرامة.
وهذا المسار يتطلب مفكرين وسياسيين ومواطنين قادرين على تخيّل سورية جديدة، تتجاوز الأسد وداعش معًا، نحو وطن لا يُدار بالخوف، بل يُبنى بالأمل.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع