خلفية السياق:
بعد تعليق دام أكثر من ثلاثة عشر عاماً نتيجة الأحداث السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد عام 2011، أعلنت وزارة الخارجية السورية استعادة عضوية الجمهورية العربية السورية في مجلس "الاتحاد من أجل المتوسط"؛ المنظمة الإقليمية التي تضم 43 دولة من ضفتي البحر الأبيض المتوسط. تأسس الاتحاد عام 2008 كامتداد لعملية برشلونة (1995)، ويهدف إلى تفعيل الحوار الإقليمي وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة، التعليم، الاقتصاد الأخضر، النقل، وتمكين الشباب.
العودة السورية تُمثل تحولاً سياسيًا رمزيًا يُتيح فرصًا للشراكة الإقليمية، لكنها لا تحمل مضموناً تنموياً فعلياً ما لم تُبنى على رؤية إصلاحية وعمل مؤسسي جاد يراعي ظروف سورية وتحدياتها.
تحليلنا للحدث:
من منظور سياسي–تنموي، يرى تيار المستقبل السوري أن العودة إلى المجلس تحمل أبعادًا متعددة:
- دبلوماسيًا: اعتراف أولي بدور سورية الإقليمي بعد سنوات من العزلة، كما عبّرت عنه تصريحات وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ورسائل الدعم من مفوضة الاتحاد الأوروبي كايلا كالاس، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
- تنمويًا: فرصة للانخراط في برامج تنموية متخصصة تنفذها أجهزة الاتحاد في الطاقة المتجددة، التنمية الحضرية، ربط الموانئ، والتعليم التقني.
- استراتيجيًا: إمكان بناء شراكة اقتصادية–إدارية مع دول جنوب أوروبا (كاليونان وإيطاليا وإسبانيا) الذين لديهم خبرة في ملفات التعافي، كما حدث مع لبنان عام 2002 بعد الانهيار المؤسسي.
لكن التيار يُحذّر في المقابل من اقتصار هذا التحول على الرمزية السياسية دون التأسيس لرؤية تنموية مدروسة، كما حدث سابقًا في تجارب عربية أخرى مثل مشاركة ليبيا في الاتحاد عام 2009 دون بناء شراكة مؤسسية فعلية.
ومما يُستفاد منه ما أشارت إليه ورقة بحثية صادرة عن مركز الدراسات المتوسطية في برشلونة (Mediterranean Dialogue Papers, 2014) إلى أن الدول التي نجحت في تفعيل عضويتها مثل المغرب وتونس أنشأت "وحدات تنسيق وطنية"، وربطت مشاريع المجلس بخططها الوزارية.
وفي دراسة نشرها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD, 2018)، تبيّن أن المشاركة الفاعلة في الاتحاد مرتبطة بمستوى جاهزية الأجهزة الإدارية، وليس فقط بالقرار السياسي.
ومن المفيد أن يتطلع صانع القرار السوري إلى التجربة الأردنية في برنامج "Med-Energy Hub" منذ عام 2016 حيث أظهرت أن الدول الصغيرة يمكنها أن تبرز إقليميًا عبر استثمارات مستدامة مرتبطة بمشاريع الاتحاد، بشرط الحوكمة الرشيدة، وهو ما غاب عن التجربة السورية السابقة قبل التعليق، وفي مقابلة مع الباحثة اللبنانية رلى أبو زيد نشرتها مجلة Middle East Policy عام 2020، أكدت أن "الاندماج في المنظومات الإقليمية لا ينجح ما لم ترافقه تغييرات داخلية في طبيعة الدولة ووظيفتها التنموية".
ونرى أن التحديات التي يجب تجاوزها هي: - هشاشة القدرات المؤسسية السورية ما بعد الحرب، وعدم وجود وحدة تخطيط متوسطي داخل وزارة الخارجية أو التنمية.
- عدم وضوح الرؤية السورية للسياسات القطاعية التي تتماشى مع أولويات الاتحاد، مثل التحول الرقمي، الاقتصاد الأخضر، تمكين الشباب، ومكافحة التغير المناخي.
- غياب التشاركية في رسم السياسة المتوسطية السورية، واقتصارها على التمثيل الرسمي دون إشراك القطاعات المنتجة والمجتمع المدني.
- التباين الأوروبي في التعامل مع الملف السوري واستمرار بعض الدول في فرض قيود مالية ودبلوماسية على التعاون المباشر، مما يستدعي تحييد المسار التنموي عن الخلافات السياسية.
التوصيات والسياسات المقترحة:
يوصي تيار المستقبل السوري انطلاقاً من رؤيته الاستراتيجية التي نشرناها عبر موقعنا الرسمي بقسم "أوراق التيار" ما يلي:
- Establishing an independent Syrian-Mediterranean body to manage cooperation within the framework of the Union, overseeing coordination with the Council, preparing project papers, and following up on implementation, and comprising representatives of technical ministries, universities, and national development organizations.
- إعداد ورقة سياسات وطنية بعنوان "سورية في المتوسط: رؤية تعاونية من أجل التنمية"، تُعرض خلال الدورة القادمة لاجتماع كبار المسؤولين، وتُقدم خارطة طريق لعشر سنوات تشمل الطاقة، التعليم المهني، الزراعة، والنقل البحري.
- تفعيل مبدأ المشاركة المجتمعية عبر مؤتمرات وطنية دورية بعنوان "التنمية المتوسطية لسورية"، تُناقش مشاريع التعاون وتُشرك فئات شبابية وفنية.
- الانضمام الفعلي لبرامج الاتحاد المفتوحة مثل "UfM Education for Employability" و"Urban Projects Finance Initiative” و“Med4Jobs"، التي تتيح تمويلاً وتدريباً تقنياً للدول الأعضاء.
- طلب دعم تقني من دولٍ نجحت في تحويل العضوية إلى أدوات تنموية كإسبانيا (المجالس الإقليمية)، والمغرب (التحول البيئي)، وماليزيا (المشاركة في منتديات الطاقة النظيفة – رغم أنها ليست عضوًا مباشرًا في الاتحاد، لكنها شريك حوار في برامج المتوسط الآسيوي).
موقفنا الختامي:
إن تيار المستقبل السوري يُرحّب بالعودة السورية إلى مجلس الاتحاد من أجل المتوسط، ويعتبرها خطوة على الطريق، لكنها لا تكتمل إلا بإرادة إصلاحية تتعامل مع الانتماء الإقليمي كمدخل للتحول الوطني، لا مجرد حالة دبلوماسية. كما يؤكد أن النجاح لا يُقاس بالعضوية، بل بالقدرة على تحويلها إلى أدوات إنتاج، تمويل، وتعزيز للهوية السورية بوصفها فاعلاً مدنياً، مؤسساتياً، ومتكاملاً مع محيطه المتوسطي.
ونرى أن إعادة تعريف العلاقة السورية بالمتوسط تستدعي إعادة تعريف وظيفة الدولة، صياغة رؤية تنموية عابرة للأزمات، وتأسيس بنى مؤسسية تُمكّن سورية من الانتقال من عضوية رمزية إلى شراكة تنموية حقيقية.