نجيب الريس، أحد أعمدة الصحافة والنضال الوطني في التاريخ السوري الحديث، وُلد عام 1889م في مدينة حماة، وانتقل في صباه إلى حمص ثم إلى دمشق عام 1919، حيث انطلق في مسيرته الصحفية والوطنية.
منابر الصحافة والمقاومة:
بدأ مشواره بمراسلة الصحف اللبنانية مثل «الأحرار» و«النهار»، قبل أن يؤسس عام 1928 جريدة القبس، التي تحوّلت إلى منبر رئيسي للحركة القومية ونهضة الشعب السوري.
أصبحت القبس الصوت الأكثر حضورًا وتأثيرًا في الساحة الصحفية، حتى أن المستعمر الفرنسي عطّلها مرارًا بسبب مواقفها الوطنية الجريئة.
وفي عام 1952، اندمجت "القبس" مع صحيفة "العلم" بقرار من الرئيس أديب الشيشكلي، تحت اسم جريدة الزمان، قبل أن تعود لاحقًا للاستقلال، ثم تُصدر فترة قصيرة باسم "القبس العلم"، إلى أن عادت إلى اسمها الأول بإرادة الورثة.
السجن منفى الأحرار:
دفع نجيب الريس ثمن مواقفه، فقضى أكثر من ثماني سنوات في السجون والنفي، موزعة بين قلعة دمشق، وسجون المزة، حلب، بيروت، وراشيا. وكان أبرز ما خلّفه من تلك التجربة نشيده الوطني الخالد:
"يا ظلامَ السّـجنِ خَيِّمْ"
يا ظلامَ السّـجنِ خَيِّمْ
إنّنا نَهْـوَى الظـلامَا
ليسَ بعدَ الليل إلا
فجـرُ مجـدٍ يتَسَامى
هذا النشيد، الذي كتبه في منفاه في جزيرة أرواد عام 1922، ولحّنه الفنان محمد فليفل، تحوّل إلى أيقونة في الأدب المقاوم والذاكرة الوطنية السورية.
في السياسة والمجلس النيابي:
انتُخب عام 1943 نائبًا عن دمشق ضمن قائمة الرئيس شكري القوتلي، وبرز خطيبًا وطنيًا في البرلمان، قبل أن يتفرغ للصحافة، رافعًا لواء الاستقلال، داعيًا لتعزيز الإنتاج، وتطوير الاقتصاد الوطني.
مؤلفاته ونهايته:
أصدر كتابه الأول "نضال" سنة 1934، الذي جمع فيه مقالاته في جريدة القبس، موثّقًا فيها منعطفات مهمة في الصراع ضد الاحتلال.
أصيب لاحقًا بوعكة صحية، انتقل بسببها إلى حمامات الحِمّة السورية للاستشفاء، لكنه عاد منهكًا، ورحل عن الدنيا بعد محاولة علاجية أخيرة، ودُفن في دمشق التي أحبها وناضل لأجلها.
إننا في "تيار المستقبل السوري"، إذ نُحيي سيرة الصحفي المناضل نجيب الريس، فإننا نُعيد التأكيد على الحاجة لبناء دولة حديثة تستلهم من تضحيات الرموز الوطنية التي جمعت بين الكلمة والكرامة والسيادة، ضمن سلسلتنا الخاصة بـ "رموز وأعلام الدولة السورية"، تذكيراً بأهمية بناء سورية المستقبل على أُسس علمية وفكرية وإنسانية، مستلهمة من رموزٍ صنعت التاريخ، وبنت الدولة، وواجهت الاستبداد، وقدّمت نماذج مشرقة في القيادة والمواطنة والرؤية الحضارية.