مقدمة:
شهدت قضية اللاجئين السوريين في عام 2025، تغيرات كبيرة، خصوصًا بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث عاد أكثر من 1.5 مليون لاجئ ونازح سوري إلى مناطقهم منذ بداية العام، بينهم 300 ألف لاجئ من لبنان وحده، وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 3.5 مليون لاجئ ونازح داخلي قد يعودون خلال العام، مما يعكس الحاجة الملحة إلى دعم جهود إعادة الإعمار والاندماج.
ورغم هذه العودة الجماعية، لا تزال التحديات قائمة، حيث يحتاج 16.5 مليون شخص في سورية إلى مساعدات إنسانية وحماية، كما أن استمرار الأعمال العدائية في بعض المناطق يعيق وصول المساعدات ويؤثر على استقرار العائدين.
في المقابل، رفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية عن سورية، مما قد يسهم في تسهيل عملية الانتعاش والتنمية.
وفي لبنان، تصاعدت الدعوات السياسية لترحيل اللاجئين السوريين، إذ اعتبر بعض المسؤولين أن وجودهم يشكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا، ورغم ذلك، أظهرت استطلاعات الأمم المتحدة أن 35.5 ألف لاجئ سوري في لبنان مستعدون للعودة خلال الأشهر الـ12 المقبلة إذا توفرت لهم الموارد المالية والدعم اللازم.
تأثيرات العودة:
في عام 2025، شكّلت عودة اللاجئين السوريين إحدى أكثر الظواهر تأثيرًا في المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلاد، بعد سنوات من النزوح القسري الذي نتج عن الحرب، هذه العودة الجماعية أثرت في عدة مستويات، ما استدعى إعادة تقييم الجوانب الهيكلية والمجتمعية المرتبطة بعملية الاستقرار وإعادة الإعمار.
1. التأثيرات الاجتماعية:
- ساهمت عودة اللاجئين في إعادة تماسك النسيج الاجتماعي بعد فترة طويلة من التشتت، حيث شهدت المناطق المستقرة لمّ شمل العائلات وتعزيز الروابط الاجتماعية. إلا أن هذه العملية لم تكن خالية من التعقيدات، إذ واجه العائدون تحديات تتعلق بالتأقلم مع التغيرات الاقتصادية والسياسية، فضلًا عن ضرورة التعامل مع الآثار النفسية للحرب. كذلك، نشأت الحاجة إلى وضع برامج دعم مجتمعية لمساعدة الفئات الأكثر هشاشة، لا سيما الأيتام والأسر التي فقدت معيلها، بالإضافة إلى مبادرات تعزيز التماسك الاجتماعي في ظل تعدد الخلفيات والتجارب المختلفة للعائدين.
2. التأثيرات الاقتصادية:
- أدّت عودة اللاجئين إلى تحفيز الاقتصاد المحلي عبر زيادة الطلب على الإسكان، الخدمات الأساسية، وفرص العمل، حيث أن المناطق التي شهدت كثافة عودة اللاجئين أصبحت أكثر نشاطًا من حيث الاستثمار المحلي ومشاريع إعادة الإعمار. ومع ذلك، فإن الضغط على الموارد والبنية التحتية شكّل تحديًا بارزًا، حيث عانت بعض المدن من نقص في السكن، الماء، والكهرباء، ما فرض على الجهات الحكومية والمجتمعية إيجاد حلول مستدامة لاستيعاب تدفق العائدين.
- كذلك، تأثرت الدول التي استضافت اللاجئين لسنوات عديدة بهذه العودة، حيث شهدت انخفاضًا في الدعم الدولي المخصص لهم، مما دفعها إلى إعادة هيكلة سياساتها الاقتصادية والاجتماعية داخليًا.
3. التأثيرات السياسية:
- من الناحية السياسية، شكّلت عودة اللاجئين عنصرًا مهمًا في إعادة تشكيل المشهد السياسي السوري، حيث انخرط العديد منهم في عمليات إعادة الإعمار وصياغة مستقبل البلاد.
- وقد أصبح العائدون جزءًا من الديناميكيات السياسية الجديدة، سواء عبر المشاركة في مبادرات المصالحة الوطنية أو من خلال المساهمة في النقاشات المتعلقة بإصلاح المؤسسات العامة. ومع ذلك، فإن تحديات الاستقرار الأمني لم تختفِ تمامًا، إذ لا تزال بعض المناطق تعاني من اضطرابات أمنية، مما يفرض قيودًا على إعادة الدمج الكامل للاجئين.
تحديات:
في نقاش داخلي في قسم البحوث والدراسات لـ تيار المستقبل السوري، حاولنا تحديد التحديات أمام عودة اللاجئين السوريين، على اعتبار أن معرفة المرض نصف علاجه، ولقد ظهر أمامنا تحديات خمسة هي كالآتي:
1. التحديات الاجتماعية:
- على رأسها إعادة الاندماج المجتمعي، حيث يواجه العائدون صعوبات في التأقلم مع التغيرات التي طرأت على المجتمعات المحلية خلال سنوات النزوح، مما يستدعي برامج دعم نفسي واجتماعي.
- إضافة إلى التوترات بين العائدين والسكان المحليين في بعض المناطق، حيث هناك مخاوف من التنافس على الموارد وفرص العمل، مما قد يؤدي إلى توترات اجتماعية.
- وأيضا، مراعاة الفئات الأكثر هشاشة مثل الأطفال غير المصحوبين بذويهم وكبار السن والذين يحتاجون إلى دعم خاص لضمان اندماجهم في المجتمع.
2. التحديات الاقتصادية:
- على رأسها نقص فرص العمل، إذ ورغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين عدد العائدين والفرص الاقتصادية المتاحة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة.
- إضافة لإعادة تأهيل البنية التحتية، فالعديد من المناطق التي يعود إليها اللاجئون تعاني من دمار واسع في المرافق الأساسية، مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي.
- وأيضاً إعادة بناء المساكن، فالحاجة الملحة إلى الإسكان تشكل ضغطًا على الموارد الحكومية، حيث يفتقر العديد من العائدين إلى أماكن إقامة مناسبة.
3. التحديات القانونية والإدارية:
- وأولها وبل أخطرها إثبات الهوية واستعادة الممتلكات، حيث يواجه العديد من العائدين صعوبات في استعادة ممتلكاتهم بسبب فقدان الوثائق الرسمية أو تعقيدات قانونية، إضافة إلى قضية الوصول إلى الخدمات الحكومية، فبعض العائدين يفتقرون إلى الوثائق اللازمة للحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، وأيضا، إجراءات تسجيل العائدين، إذ هناك حاجة إلى آليات فعالة لتسجيلهم وضمان حصولهم على حقوقهم القانونية.
4. التحديات الأمنية:
- استمرار الأعمال العدائية في بعض المناطق رغم تحسن الوضع الأمني، حيث لا تزال هناك جيوب من عدم الاستقرار تعيق عودة اللاجئين.
5. التحديات الدولية:
- يبرز هنا نقص التمويل الدولي رغم رفع بعض العقوبات، إلا أن هناك حاجة إلى دعم مالي دولي لإعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية للعائدين، إضافة للحاجة إلى التنسيق مع الدول المضيفة والتي ترتبط بعدة ملفات وتمثل تحديا كبيراً.
خاتمة:
تظل قضية اللاجئين السوريين واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وتأثيرًا على مستقبل سورية، حيث يرتبط نجاح عملية العودة بإدارة حكيمة ومستدامة للموارد والتحديات المتعددة التي تواجه العائدين، كما إن التعامل مع هذا الملف لا يقتصر على الجوانب الإنسانية فحسب، بل يمتد ليشمل الاستقرار السياسي، التعافي الاقتصادي، وإعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تضرر بفعل سنوات النزاع.
في ظل هذه المعطيات، يتطلب تحقيق عودة آمنة ومستدامة للاجئين جهودًا متكاملة على المستويات المحلية والدولية، مع التركيز على تهيئة بيئة اقتصادية داعمة، ضمان الأمن والاستقرار، وتعزيز التكافل المجتمعي. كما يجب أن تستثمر الحكومة السورية في آليات تنظيم العودة، وتحفيز مشاريع إعادة الإعمار، وبناء منظومة اجتماعية قادرة على استيعاب العائدين بطريقة تحقق المصالحة والتنمية.
ويبقى التحدي الأكبر هو القدرة على تحويل هذه العودة إلى فرصة لإعادة بناء الوطن، وليس مجرد استجابة لحاجة إنسانية. فبدون سياسات فاعلة وشراكات دولية مستدامة، سيظل اللاجئون يواجهون العقبات ذاتها التي دفعتهم للنزوح في المقام الأول، وإن نجاح هذه المرحلة يتطلب رؤية استراتيجية تستند إلى العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة، لضمان مستقبل أكثر استقرارًا لجميع السوريين.
وعليه فإننا في المكتب العلمي لـ تيار المستقبل السوري نقدم توصيات خمسة عاجلة للحكومة السورية للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين، إذ نظرًا للتحديات المرتبطة بعودة اللاجئين السوريين، هناك حاجة إلى إجراءات فورية لضمان استقرار العائدين وتخفيف الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة.
- تحسين إدارة العودة وتنظيمها، حيث نقترح إطلاق برنامج تسجيل سريع للعائدين لضمان حصولهم على الوثائق القانونية اللازمة، بما في ذلك الهوية الوطنية وإثبات الملكية، إضافة لإنشاء مراكز استقبال مؤقتة مجهزة بالخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والمساعدات الغذائية، لضمان انتقال سلس للعائدين، بالإضافة لتطوير قاعدة بيانات مركزية لتتبع العائدين وتحديد احتياجاتهم، مما يسهل التخطيط لتوفير الخدمات.
- تعزيز الاستقرار الاجتماعي، عبر إطلاق حملات توعية مجتمعية تهدف إلى تعزيز التفاهم بين العائدين والسكان المحليين، وتقليل التوترات الاجتماعية، وتوفير برامج دعم نفسي واجتماعي للعائدين، خاصة الأطفال والنساء الذين تعرضوا لصدمات الحرب، إضافة لتفعيل دور المجتمع المدني في تقديم المساعدات وتنظيم مبادرات مجتمعية لدعم العائدين.
- معالجة التحديات الاقتصادية، ويكون من خلال إطلاق مشاريع تشغيل مؤقتة في مجالات إعادة الإعمار والزراعة والصناعات الصغيرة، مما يساعد العائدين على تحقيق الاستقلال الاقتصادي، مع ضرورة تقديم حوافز للاستثمار المحلي في المناطق التي تستقبل العائدين، مثل الإعفاءات الضريبية والدعم المالي للمشاريع الصغيرة، إضافة لتوسيع برامج التدريب المهني لضمان تأهيل العائدين لسوق العمل المحلي.
- تحسين الخدمات الأساسية، مثل إعادة تأهيل البنية التحتية في المناطق المستهدفة للعودة، بما يشمل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، كما وتعزيز قدرة النظام الصحي لاستيعاب العائدين، من خلال توسيع المراكز الصحية وتوفير الأدوية الأساسية، مع أهمية توسيع القدرة الاستيعابية للمدارس لضمان حصول الأطفال العائدين على التعليم المناسب.
- تعزيز التعاون الدولي، عبر التفاوض مع الدول المضيفة لضمان عودة منظمة وتدريجية للاجئين، مع توفير الدعم المالي واللوجستي، وطلب دعم مالي وتقني من المنظمات الدولية للمساهمة في إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية للعائدين، وأخيرا، إطلاق مبادرات دبلوماسية لتعزيز العلاقات الدولية وضمان استمرار الدعم الإنساني لسورية.
المكتب العلمي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
مقال
تيار المستقبل السوري