مسار التجديد الوطني: رؤية لبناء وطن مستدام

لقد عاشت سورية خلال السنوات الماضية فصولًا دامية من الصراع والمعاناة، حيث واجه شعبها التحديات الجسام التي فرضها الاستبداد والتدمير الممنهج للبنى الوطنية. 

ولكن كما علمنا التاريخ، فإن الأمم العظيمة تنهض من تحت الركام، وترسم لنفسها مسارات جديدة تتجاوز المحن لتبني مستقبلًا قائمًا على العدالة والتنمية والاستقرار.

وفي احتفالية حلب بتاريخ 2025/05/27م، أعلن الرئيس أحمد الشرع رسميًا انتهاء مرحلة الصراع مع الطغاة، معتبرًا أن معركة البناء والاستنهاض الوطني قد بدأت فعليًا. 

لقد شكل هذا الإعلان برأينا لحظة مفصلية في تاريخ سورية الحديث، حيث أنهى الحقبة المظلمة التي سيطرت على المشهد السياسي والاجتماعي، وأطلق مشروعًا جديدًا يرتكز على إعادة تأسيس الدولة والمجتمع وفق رؤى حديثة تستند إلى الحكم الرشيد والمشاركة الشعبية والتنمية المستدامة.

مراحل البناء الوطني:

إن مرحلة البناء التي ندخلها اليوم ليست مجرد عملية إعمار مادي للمباني والمنشآت رغم أهميتها، بل هي إعادة صياغة للهوية الوطنية، وترسيخ لفلسفة سياسية واقتصادية جديدة تُعلي من قيم الشفافية، العدالة الاجتماعية، والمشاركة المجتمعية.

ومن هذا المنطلق نرى ضرورة أن ترتكز هذه المرحلة على عدة محاور رئيسة:

1. إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، عبر الحكم الرشيد وتفعيل الديمقراطية، أو ما أسميناه بـ "الشورقراطية". 

  • حيث إن أولى خطوات البناء تبدأ بإعادة هيكلة المؤسسات لتكون قائمة على الكفاءة والنزاهة، لأنه يجب التخلص من إرث الفساد الإداري واعتماد سياسات شفافة تعزز المساءلة والرقابة الشعبية، كما يجب العمل على تمكين المجتمع المدني وتوسيع نطاق الحريات السياسية، بحيث تصبح المؤسسات الحكومية شريكة حقيقية للمواطن في عملية اتخاذ القرار، بدلاً من أن تكون أداة سلطوية تخدم مصالح فردية أو ضيقة.

2. محاربة ثلاثية التخلف: الفقر والمرض والجهل

فلا يمكن أن يكون هناك بناءٌ حقيقي دون مواجهة أكبر ثلاثة تحديات تعيق تطور المجتمعات: الفقر، المرض، والجهل. وهذه المعركة تحتاج إلى استراتيجيات متعددة الأبعاد، تشمل:

  • تحفيز الاقتصاد الوطني عبر خلق فرص عمل جديدة، دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال.
  • إصلاح النظام الصحي لضمان وصول الرعاية الطبية إلى جميع السوريين، وإطلاق برامج الوقاية والتوعية الصحية التي تحد من انتشار الأوبئة والأمراض المزمنة.
  • ثورة تعليمية تعيد بناء النظام التعليمي وفق رؤية حديثة ترتكز على تعزيز التفكير النقدي والبحث العلمي، بما يتيح للأجيال القادمة امتلاك الأدوات الفكرية التي تمكنهم من قيادة المستقبل.

3. ترسيخ المصالحة الوطنية وإعادة بناء الثقة المجتمعية، فلقد خلفت سنوات الحرب والاستبداد انقسامات حادة بين أبناء الوطن، وهو ما يستدعي إطلاق مشروع مصالحة وطنية شامل يعيد بناء النسيج الاجتماعي السوري، ويعزز قيم التسامح والتعاون، ومن الضروري هنا إنشاء آليات عدالة انتقالية تضمن حقوق الضحايا، وتحاسب المسؤولين عن التجاوزات، بما يعيد ثقة المجتمع بمؤسساته ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي.

4. بناء اقتصاد وطني مستدام ومتنوع، فإعادة الإعمار الاقتصادي يجب أن تكون أكثر من مجرد ضخ استثمارات في البنية التحتية، بل يجب أن تتضمن رؤية شاملة تعيد بناء القطاع الصناعي والزراعي والتكنولوجي، وتعزز الاعتماد على الموارد المحلية بدلاً من التبعية الخارجية. كما أن تحقيق العدالة الاقتصادية يتطلب إعادة هيكلة النظام الضريبي، وتوجيه السياسات المالية بما يخدم جميع شرائح المجتمع، لا فئة محددة فقط.

5. حماية حقوق الجيل القادم، من خلال ترسيخ التعليم والتنمية والبيئة، إذ ليس البناء الذي ننشده مجرد جهد مرحلي يستهدف تحسين الظروف الراهنة، بل يجب أن يكون مشروعًا ممتدًا عبر الأجيال، يضمن حقوق الشباب والأطفال في الحصول على تعليم عصري، ورعاية صحية متكاملة، وبيئة آمنة ومستدامة. 

ومن هنا، فإن:

  • إطلاق برامج تعليمية حديثة تهدف إلى تطوير المهارات الفكرية والإبداعية لجيل المستقبل يجب أن يكون أولوية.
  • اعتماد سياسات بيئية صديقة للاستدامة، تضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، وتحد من تأثيرات التغير المناخي.
  • توسيع فرص الشباب في سوق العمل والمشاركة السياسية، بما يرسخ ثقافة المواطنة الفاعلة.

1. السياسة الخارجية، واستعادة الدور السوري في الإقليم، إذ لا يمكن لسورية أن تنهض بمعزل عن محيطها الإقليمي والدولي، وهو ما يتطلب بناء شبكة جديدة من العلاقات الخارجية تستند إلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ولهذا نرى أن يكون التركيز على:

  1. تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة لدعم مشاريع إعادة الإعمار والاستقرار.
  2. الاستفادة من الخبرات الدولية في مجالات التنمية والتخطيط الاستراتيجي.
  3. تطوير دبلوماسية نشطة تسهم في إعادة سورية إلى موقعها الريادي في المنطقة.

مستقبل الوطن بين أيدينا:

إن مرحلة البناء ليست مجرد شعار سياسي، بل هي تحدي تاريخي يتطلب 

قيادة حكيمة، مشاركة شعبية، ورؤية استراتيجية شاملة، فلقد انتهى زمن الصراعات، وبدأ زمن التأسيس الوطني الجديد، حيث يتعين علينا جميعًا العمل على تجسيد هذه الرؤية وتحويلها إلى واقع ملموس.

إن مسار التجديد الوطني الذي بدأنا فيه اليوم، هو فرصة عظيمة لإعادة تعريف سورية كدولة حديثة، عادلة، قوية، ومستدامة. فكل خطوة تُتخذ اليوم، هي استثمار في الغد المشرق وكل لبنة تُضاف اليوم، هي رسالة للأجيال القادمة بأنهم سيرثون وطنًا يعكس آمالهم وطموحاتهم.

إن سورية تستحق نهضة حقيقية تُبنى فيها المؤسسات على أسس النزاهة والعدل، ويعاد فيها تشكيل الهوية الوطنية لتكون أكثر انفتاحًا، وحدة، واستقرارًا، وهذه الرؤية تتطلب إرادة صلبة، وشراكة وطنية، فهل نحن مستعدون للعب هذا الدور التاريخي؟  

خاتمة:

إننا في تيار المستقبل السوري نرى أن المرحلة الحالية ليست مجرد إعادة بناء لما تهدم، بل هي فرصة تاريخية لإرساء أسس جديدة للحكم الرشيد والتنمية المستدامة، ولهذا يؤكد التيار أن تجاوز آثار الصراع لا يكون فقط عبر مشاريع الإعمار، بل من خلال إصلاح سياسي شامل يضمن تمثيل جميع السوريين في عملية صنع القرار، ويؤسس لدولة حديثة ترتكز على الديمقراطية والمواطنة المتساوية.

كما نرى أن القضاء على ثلاثية التخلف: الفقر والمرض والجهل، لا يمكن أن يتحقق إلا عبر إصلاح اقتصادي حقيقي يعزز الإنتاج الوطني، ويعيد توزيع الموارد بعدالة، كما يشدد على ضرورة إعادة صياغة السياسات التعليمية والصحية وفق رؤية حديثة تضع الإنسان في جوهر العملية التنموية.

أما فيما يخص حماية حقوق الجيل القادم، فإن التيار يؤكد أن بناء سورية المستقبل يجب أن يكون مشروعًا ممتدًا عبر الأجيال، بحيث لا يقتصر على إعمار المدن، بل يتضمن تحديث البنية الفكرية والثقافية عبر إصلاح شامل لنظام التعليم وإعادة هيكلة المؤسسات البحثية لتكون منارة للتطوير العلمي والاقتصادي.

وفي إطار العلاقات الخارجية، أكدنا دائما أن السياسة السورية يجب أن تنفتح على محيطها الدولي وفق أسس جديدة تراعي المصالح الوطنية، بعيدًا عن الاستقطابات التقليدية التي أعاقت تقدم البلاد لعقود. لأننا نعتبر أن استعادة سورية لدورها الإقليمي والدولي يتطلب دبلوماسية نشطة تستند إلى المصالح المشتركة، وتعمل على جذب الاستثمارات والمساعدات الدولية لإعادة الإعمار.

باختصار، نرى في تيار المستقبل السوري أن مرحلة البناء يجب أن تكون مرحلة تأسيس جديدة لسورية، عبر مسارات متكاملة تشمل الإصلاح السياسي، التمكين الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، والمشاركة الشعبية، لضمان مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة للسوريين جميعًا، وهذا ما سنحاول مع شركائنا بالوطن أن نعمل عليه في هذه المرحلة.

د. زاهر بعدراني

مكتب الرئاسة

مقال

تيار المستقبل السوري

شاركها على:

اقرأ أيضا

بيان تهنئة للقبة الوطنية السورية

تيار المستقبل السوري يتقدم بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى الرئاسة الجديدة المنتخبة في القبة الوطنية السورية، والتي جاءت ثمرةً لمسار

18 يونيو 2025

Media Office

أخبار يوم الثلاثاء 17/6/2025

أخبار التيار: أخبار داخلية: أخبار ذات صلة:

17 يونيو 2025

Media Office