في 13 مايو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته إلى الرياض، قرار رفع العقوبات عن سورية، منهياً بذلك مرحلة من العزلة الاقتصادية التي استمرت لسنوات. هذا التحوّل، الذي جاء نتيجة مسار دبلوماسي معقّد، يضع سورية أمام استحقاقات سياسية واقتصادية بالغة الأهمية، تستوجب قراءة دقيقة تربط المتغيرات الإقليمية بالتحولات الداخلية.
سياق القرار: شبكة تحالفات جديدة وتغيّر موازين القوى
لم يكن إعلان واشنطن رفع العقوبات عن سورية حدثاً معزولاً، بل جاء تتويجاً لسلسلة من التحركات السياسية التي بدأت مطلع عام 2025، حين شرعت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، في جهود دبلوماسية مكثفة لإنهاء العزلة المفروضة على دمشق.
والاتحاد الأوروبي، بدوره، كان قد اتخذ خطوة أولية في فبراير 2025، حين علّق عقوبات جزئية على قطاعي الطاقة والنقل، ما شكّل مؤشراً مبكراً على تغير المزاج الدولي تجاه سورية.
أما تركيا، التي ظلّت لاعباً محورياً في الملف السوري، فقد أعادت ضبط استراتيجيتها بعد انهيار النظام السابق في ديسمبر 2024، حيث اتجهت نحو مقاربة أكثر براغماتية، سمحت لها بالمشاركة في جهود إعادة الإعمار، ضمن تحالف إقليمي يضم الرياض وواشنطن وأنقرة، ويعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط، في مواجهة التراجع المتزايد للمحور الروسي-الإيراني.
اللقاء السوري الأمريكي في الرياض: رسائل متعددة الأبعاد
في ١٣ مايو 2025، شهدت العاصمة السعودية لقاءً هو الأول من نوعه بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأمريكي، في خطوة تحمل دلالات تتجاوز إطار المصالح الثنائية من خلال مانراه من ظرف زماني ومكاني ، إضافة للمضمون التاريخي.
فأما التوقيت فقد جاء اللقاء بعد خمسة أشهر من سقوط النظام السابق، في ذروة المساعي لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة.
وأما المكان، فهو في الرياض، التي باتت مركزاً للتحولات الإقليمية، مما يعكس عودة سورية إلى الحاضنة العربية بمقاربة أكثر استقلالية.
وأما المضمون فهو الإعلان عن تحالف جديد يضم الولايات المتحدة ودول الخليج ومصر والأردن، في خطوة تهدف إلى إعادة التوازن الجيوسياسي في المنطقة.
التحديات الداخلية: متطلبات إعادة الإعمار وإصلاح المؤسسات
إن رفع العقوبات يشكّل فرصة حقيقية لإعادة الإعمار، لكنه يرتبط بتحديات تتطلب استجابة مدروسة على ثلاثة مستويات رئيسية:
- إصلاح المؤسسات الحكومية، والذي نراه ضرورياً من خلال إعادة هيكلة الإدارة العامة لضمان الشفافية والكفاءة في إدارة الموارد، ووضع خطة اقتصادية متكاملة تعيد تأهيل البنية التحتية، خصوصاً في قطاعي الطاقة والنقل.
- إعادة ضبط المشهد العسكري والسياسي، عبر دمج الفصائل المسلحة ضمن إطار وطني موحّد، بما يعزز استقلالية القرار العسكري السوري، مع أهمية توسيع دائرة الحوار الوطني للوصول إلى توافق سياسي يُجنّب البلاد سيناريوهات الانقسام.
- إشراك المجتمع في عملية النهوض الاقتصادي، عبر تحفيز القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية لتوفير فرص عمل وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، إضتفة إلى تفعيل دور المؤسسات المدنية في ترميم النسيج الاجتماعي، بما يضمن بناء دولة متماسكة.
التحديات الخارجية: معادلة السيادة ومطالب التحالف الجديد
رغم التفاؤل بإمكانية استقطاب استثمارات دولية، إلا أن المطالب الأمريكية الخمسة التي تسرّبت من اللقاء تُشير إلى اعتبارات سياسية لا يمكن تجاهلها، مثل اتفاقيات إبراهيم، التي تحتاج منا إلى ربط أي تطبيع محتمل مع إسرائيل بانسحابها الكامل من الجولان، مع تأكيد رفض أي تسويات تمس الحقوق الفلسطينية، وأيضا ملف الإرهاب، والذي يجب أن يكون عبر آليات تضمن عدم تحمّل سورية للأعباء الأمنية منفردة.
التحالف الجديد: بين الفرص والمخاطر
نرى وبوضح شديد أن الانتقال من المحور الروسي-الإيراني إلى تحالف غربي-عربي يحمل في طياته فرصاً اقتصادية وسياسية واضحة، أهمها استعادة القرار الوطني، عبر إنهاء الهيمنة الخارجية على السياسات السورية، واستعادة القدرة على صياغة مسارات مستقلة. إضافة إلى تدفّق الاستثمارات خصوصاً من دول الخليج، التي أبدت استعداداً لدعم مشاريع إعادة الإعمار.
لكن هذه الشراكة لا تخلو من المخاطر، إذ يبقى التحدي الأكبر في ضمان أن تكون سورية شريكاً فاعلاً لا تابعاً، وأن يتم بناء العلاقات وفق المصالح المتبادلة وليس وفق الإملاءات السياسية.
الخاتمة: منعطف جديد ومسؤولية تاريخية
إن رفع العقوبات يُشكّل نقطة تحول مفصلية في مسار سورية، لكنه لا يمثّل نهاية التحديات، بل بداية اختبار حقيقي لقدرة القيادة الجديدة على صياغة نموذج سياسي واقتصادي يحفظ السيادة، ويؤسس لمرحلة من الاستقرار والتنمية المستدامة.
لهذا فإننا نؤمن أن المرحلة القادمة تتطلب رؤية واعية وإرادة سياسية صلبة، تضمن استثمار هذه اللحظة التاريخية بما يخدم مصالح البلاد، بعيداً عن الحسابات الضيقة التي أرهقت سورية لعقود.
إن رفع العقوبات الأمريكية عن سورية ليس مجرد قرار سياسي، بل هو تحول استراتيجي يضع البلاد أمام مسؤولية تاريخية، وبالتالي فإن نجاح هذه المرحلة يعتمد على قدرة السوريين جميعا، (حكومةً، وقوى سياسية وعسكرية، وشعبًا) على استثمار هذه الفرصة بحكمة، وتحويلها إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. فهل ستكون سورية قادرة على اغتنام هذه اللحظة؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة، وإن كنا لانملك ترف الفشل.
د. زاهر بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري