النخب السياسية السورية بين خطأ ثاٍن وموقف غير بسيط

‏دخل أبو محمد الجولاني سورية مع أوامر من أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم دولة العراق الإسلامية لتأسيس فرع للتنظيم بسورية، بالتزامن مع قيام ثورة سلمية شعبية وبروز الجيش السوري الحر.

لم يظهر للجولاني وجماعته نشاط ضمن الثورة السلمية ولم ينضم للجيش الحر، إنما قام بتنفيذ أوامر قائده البغدادي الذي مدّه بالمال و السلاح و المقاتلين، وأسس جبهة النصرة، لتعلنها الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية لأول مرة في ديسمبر 2012، وذلك بسبب ارتباطها بتنظيم القاعدة، حيث كانت تضم عناصر من القاعدة، ومع ذلك، جذورها تعود إلى دولة العراق الإسلامية، قبل أن تنفصل عنها وتعلن ارتباطها المباشر بالقاعدة .

فلقد كان إعلان جبهة النصرة انتماءَها لتنظيم القاعدة قبل فك ارتباطها الكامل بدولة العراق الإسلامية، في أبريل 2013، حيث أعلن أبو محمد الجولاني بيعته لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، كردِّ فعلٍ على قرار أبي بكر البغدادي بدمج جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ليكون هذا الإعلان بمثابة تأكيد على استقلال النصرة عن دولة العراق الإسلامية، مع الحفاظ على ارتباطها بالقاعدة. 

ثم عمدت جبهة النصرة لمحاربة فصائل الجيش الحر، واعتباره صحوات سورية، وبرزت بعض الممارسات الاستفزازية منهم وقتها مثل الدهس على علم الثورة وقتها، إضافة لتوجيه بندقيتها ضد مقاتلي الجيش الحر حيث فككت فصائله، مثل جبهة ثوار سورية، وحركة حزم وغيرها..

ولعل الدافع لذلك رفضُ النضال الوطني لأجل دعوات الحرية و الكرامة و العدالة، إنما تنفيذاً لأوامر أمراء السلفية الجهادية التي بدأت تتشظى، واستغلالاً لحالة الفوضى في سورية، مما يسهم بتطبيق المدرسة الإسلامية السلفية الجهادية فيها، وهذا يعني هنا أن الجولاني إنما كان سيقوم بتأسيس تنظيمه الجهادي في سورية بغض النظر عن وجود أو عدم وجود الثورة السورية.

أين كانت النخب المدنية السورية؟

في تلك الأثناء كانت نخب المعارضة السوريّة المدنية قد اعتبرت جبهة النصرة جزء من الثورة السورية، تجلى ذلك برفض أحمد معاذ الخطيب رئيس الإئتلاف السوري وقتها تصنيف الولايات المتحدة لجبهة النصرة كمنظمة إرهابية خلال مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في المغرب، والذي عُقد في 11 ديسمبر 2012، حيث دعا واشنطن إلى إعادة النظر في موقفها، مشيرًا إلى أن النصرة كانت تقاتل النظام السوري.

بينما لم تعترف جبهة النصرة بالثورة والديمقراطية والمعارضة السياسية!!، أي أن نخب المعارضة السورية السياسية هي من أعطت الشرعية في المرة الأولى للنصرة.

واليوم، يدور نقاش حول موقف هذه المعارضة السياسية السورية، بأنها تكرر نفس الخطأ بإعطاء القيادة الجديدة لدمشق التي أصبح أبو محمد الجولاني، رئيسها المرحلي، ليظهر باسمه الحقيقي "أحمد الشرع"، وكأنه بذلك قد أعطته النخب السياسية السورية "الشرعية الثورية" مرة ثانية، فمن وصل لمقاليد حكم دمشق هي هيئة تحرير الشام سابقاً، والتي أقامت "مؤتمر النصر" الذي انعقد في 29 يناير 2025م، حيث تم انتخاب أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية، هذا المؤتمر الذي شهد العديد من القرارات المهمة، مثل حلّ مجلس الشعب والجيش والفصائل الثورية، وإيقاف العمل بالدستور، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس جديدة.

سؤال الخطأ والموقف الواقعي:

يبرز السؤال هنا: هل فعلاً وقعت المعارضة السياسية السورية في الفخ مرة أخرى؟ 

وهل يمكن اعتبار موقف الخطيب خطأ أصلاً؟ حيث لم يكن هناك إعلان رسمي بارتباط النصرة بالقاعدة، إنما كان تعامل المعارضة السياسية هو بشكل واقعي يعترف فيه بتعددية الفصائل السورية، التي كانت حينها تتنازع بين إسلاميين وجيش حر.

ما يجب قوله هنا، أنه لم يقدم أحدٌ من نخب المعارضة السياسية "الشرعية" للرئيس أحمد الشرع، بل هو من حصّلها من الفصائل العسكرية، فما جرى في سورية ليس حلاً سياسياً وافق فيه بشار الأسد على تطبيق مقررات جنيف 2254 والذي ربما لو تم لتجاوزنا هذا النقاش، وبالتالي لايمكن أن نقول بأن المعارضة السياسية هي من اختارت، فما جرى هو تحريرٌ عسكري، والكلام فيه للعسكر بالدرجة الأولى.

والآن، وبكل هذا السياق، فإننا نرى الواقع متجهاً لبناء الدولة السورية، وبناء مؤسسات وطنية، بتنا نسمعها من القيادة بدمشق، لنُصبح أمام خيارين:

  1.  إما أن نستحضر الماضي ونرفض ونتوجس خيفة.
  2. وإما أن نفتح المنتديات ونعلن نشوء الأحزاب والتيارات وندفع بما نؤمن أنه الصواب من بناء الدولة الوطنية، لنكون في صف القيادة حالياّ ضمن وحدة المصير والمسار.

وهنا يبرز السؤال الآخر: هل يمكن أن تنقلب القيادة نحو الاستبداد؟.

 الجواب بكل تأكيد: نعم، ممكن، ولقد قدمنا في قسم البحوث والدراسات بالمكتب العلمي لـ تيار المستقبل السوري ورقة خاصة بذلك، عنوانها: "قراءة موضوعية حول سيناريو الاستبداد على سورية بعد الأسد". وبالتالي في حال وصلنا لهذه المرحلة، فوقتها سيتم إعادة تجربة (إعلان دمشق) وتنتهي الحياة السياسية وتدخل سورية في تأزم داخلي لابد أنه سيفجر ثورة شعبية مرة ثانية.

الموقف بالتركيب وليس بالتبسيط:

لكل ماسبق، فإننا نرى في تيار المستقبل السوري أن ربط مصلحة القيادة في دمشق بالخيار الوطني والديمقراطي هو الخيار الأفضل والممكن بالفعل، ليس محبة ولا كرهاً (ولو أننا لا نستحي من إعلان فرحنا بالتحرير والمحررين، وتطور خطابهم وسلوكهم بالعموم) ولا إشاحة للنظر عن الماضي، ولا إغفالاً لتغيرات الواقع، إذ كل ذلك التعقيد والتركيب لا يصلح معه التبسيط الذي لن يكون مخلاً فقط!! بل ومتجاوزاً للصوابية في الخيارات.

إنه لا بديل برأينا عن المساهمة في بناء الدولة مع "الرئيس" أحمد الشرع وحكومته في دمشق، والمساهمة كقوى سياسية مدنية فاعلة ومؤثرة، وإلا فالبديل هو ترك سورية للمجهول، وإذا كان لدينا من أمل فربما نفشل جميعاً لو وقفنا جميعاً موقف العداء الصفري، فإن ترك سورية للمجهول يعني انتهاء الأمل ببناء دولة الوطن والمواطنة ولاريب.

المكتب السياسي

فريق البحث

قسم البحوث والدراسات

مقالات

تيار المستقبل السوري

شاركها على:

اقرأ أيضا

أخبار يوم الجمعة 11-07-2025

تحديثات شاملة عن أخبار يوم الجمعة 11-07-2025

11 يوليو 2025

إدارة الموقع

أهمية الرقابة الشعبية في حماية مسار التحول الوطني

أهمية الرقابة الشعبية في بناء مؤسسات الدولة الجديدة وإعادة رسم مستقبل سوريا.

11 يوليو 2025

إدارة الموقع