مشروع بناء الدولة

في خضمّ التحولات التي يشهدها المشهد السوري، يبرز سؤال جوهري: كيف نبني دولةً من رماد الدمار ومن شظايا الذاكرة؟  

إننا في تيار المستقبل السوري، لا نرى مشروع بناء الدولة مجرّد خطة تقنية، ولا ورقة عمل إدارية، بل نؤمن أنّه مشروعٌ وطنيٌّ تاريخيٌّ شامل، يقوم على غرس رؤية واضحة، وتحريك طاقات الشعب الكامنة، وصناعة مستقبل جامع للأمل والعمل معًا. 

أولاً: غرس الرؤية قبل هندسة المؤسسات:

إنّ الانطلاق في أي مشروع لبناء الدولة لا يبدأ من البنية التحتية أو نحت القوانين، بل من البنية المعرفية والرؤية الفكرية.  

فنحن لا نُعيد بناء مؤسسات فحسب، بل نعيد تعريف الغايات الكبرى للدولة: لماذا نريد دولة؟ لأي شعب؟ وبأي قيم؟

الرؤية التي يطرحها تيار المستقبل السوري تقوم على:

  1. المواطنة المتساوية أساسًا للعلاقة بين الفرد والدولة، بلا تمييز ديني أو قومي أو مناطقي.
  2. العدالة الانتقالية كمدخل للمصالحة لا للمساومة، تحفظ الحقوق وتُحاسب المجرمين، دون إغفال مقتضيات السلم الأهلي.
  3. الدولة التشاركية لا المركزية الصلبة، تعترف بتنوّع السوريين وتمنحهم صوتًا في تقرير مصيرهم المحلي.
  4. الهوية السورية الجامعة التي تتجاوز الطوائف والهويات الجزئية نحو انتماء وطني حضاري جامع.

ونرى أن غرس هذه الرؤية يتطلب إعادة بناء الوعي المجتمعي، ومراجعة سرديات التاريخ، وتطهير المناهج والخطابات من شوائب التسلّط والانغلاق.

ثانيًا: تحريك الشعب: أي من الجمهور الصامت إلى الشريك الفاعل

فلا دولة بلا شعب، ولا مشروع نهضوي بلا جماهير تؤمن وتشارك وتُحاسب.  

إذاً فالتحوّل من «جمهور» إلى «شعب سياسي» هو التحدي الجوهري الذي نتبنّاه، وهو يتم عبر:

  1. تمكين المجتمع المدني من أداء دوره بوصفه الضامن لحقوق الأفراد والمحرّك لمطالب الإصلاح.
  2. ضمان الحريات الأساسية، لا سيّما حرية التعبير والصحافة والاجتماع، حتى يكون النقد أداة إصلاح لا أداة تخوين.
  3. تحفيز الطاقات الشبابية، عبر دمجهم في الحياة السياسية، وتوفير منابر التأثير الفعلي في السياسات العامة.
  4. الارتقاء بالوعي السياسي من الولاءات العائلية والطائفية إلى الانتماء الوطني، ومن الخوف إلى المشاركة.

فالناس لا تتحرك فقط حين تجوع، بل حين تشعر أن صوتها يُحدث أثرًا، وأن كرامتها مصونة، وأن مستقبلها ملك يديها.

ثالثًا: صناعة المستقبل: من خيال الحلم إلى واقع السياسات! فالمستقبل لا يُنتظر بل يُصنع صناعةً. 

وصناعته تتطلب رؤية مستقبلية شاملة، لا ترقيعات مؤقتة!.

إننا في تيار المستقبل السوري لا نقبل بترميم دولة انهارت، بل نعمل على تصميم دولة جديدة على أنقاض القديم، دولةٍ:

  1. تحكمها مؤسسات لا أشخاص، ودساتير لا أهواء.
  2. تعتمد الكفاءة لا الولاء في تولي المناصب.
  3. تقود ثورة معرفية في التعليم والإعلام والفكر السياسي، تعيد تشكيل وجدان الأمة.
  4. تنفتح على العالم بتوازن، وتحفظ استقلال قرارها الوطني، دون تبعية أو عُزلة.

فمستقبل سورية لا يُرسم في الغرف المغلقة، بل على طاولات حوار شفاف بين أبناء شعبها، وفي برلمانات حيّة، ومجالس منتخبة، وبيئة قانونية عادلة.

خاتمة: من الثورة إلى الدولة

لقد كانت الثورة السورية لحظة استعادة الشعب لصوته، لكن لا يكتمل النصر إلا ببناء الدولة التي تصون هذا الصوت وتُعبّر عنه.  

إننا في تيار المستقبل السوري نرى في مشروع بناء الدولة تتويجًا لنضال الشعب، لا قطيعة معه، فهو مشروع لا يُبنى في يوم، بل يتطلب:

  1. صبرًا استراتيجيًا. 
  2. قيادة ذات بُعد فكري وأخلاقي. 
  3. تحالفًا وطنيًا يُقدّم المصلحة العامة على الحسابات الضيّقة.

إن سورية التي نحلم بها ليست تكرارًا لزمنٍ مضى، بل ميلادًا لوطنٍ جديد، تُغرس رؤيته في الوعي، ويتحرك شعبه بالعزم، ويُصنع مستقبله بعقول رجاله، وسواعد أبنائه، وتربية نسائه.

د. زاهر بعدراني

مكتب الرئاسة

مقال

تيار المستقبل السوري

شاركها على:

اقرأ أيضا

قوات سوريا الديمقراطية ورؤية توافقية للاندماج المؤسسي وضبط التعددية الوطنية

الاندماج المؤسسي خطوة ضرورية لتحقيق العدالة في سورية الجديدة.

14 يوليو 2025

جمعة محمد لهيب

لحقن الدم وترسيخ الدولة وجعل الجنوب بداية الحل

الجنوب السوري يحتاج إلى حل شامل

14 يوليو 2025

إدارة الموقع