استهلال:
يُعرِّف "المتطوعون" بأنهم أفراد يقدِّمون وقتهم، ومهاراتهم، أو جهودهم بشكل طوعي وبدون مقابل مالي، بهدف خدمة المجتمع أو دعم قضية عامة.
كما تُركِّز التعريفات على عنصري "الاختيار الحر" و"اللامقابل"، وبمعنى آخر، فالتطوع هو "نشاط غير مدفوع الأجر، يُمارس بدافع شخصي أو جماعي لتحقيق منفعة عامة".
هذا ويحسن ذكر توصيف منظمة العمل الدولية للتطوع بأنه يُعزِّز التماسك الاجتماعي ويُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويمكن أيضاً أن نُعرف التطوع بأنه "عمل خيري منظَّم يقوم به الفرد بدافع أخلاقي أو ديني أو اجتماعي، بهدف الإسهام في حل مشكلات المجتمع دون انتظار مكافأة مادية"، ويظهر لدينا أن ارتباط التطوع في الثقافة العربية بمبادئ التعاون (التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)، يجعله ركيزة في بناء التضامن المجتمعي.
دور المتطوعين في المجتمع:
في السياق العربي أو الأجنبي، تبرز أدوار مميزة مثل التطوع في الأعياد الدينية (كموائد الإفطار في رمضان) أو دعم اللاجئين بالغرب، مما يعكس اندماج القيم الدينية والاجتماعية في العمل التطوعي، مما يبرز دور المتطوعين بما يلي:
- تعزيز التماسك الاجتماعي: حيث يساهم المتطوعون في بناء جسور الثقة بين الأفراد والمجموعات، خاصة في المجتمعات المتنوعة، عبر مبادرات مثل تقديم الدعم للأسر الفقيرة أو تنظيم الفعاليات الثقافية.
- سد الفجوات في الخدمات العامة، إذ يعوِّض المتطوعون نقص الموارد في القطاعات الصحية والتعليمية، كتقديم الدروس المجانية أو الحملات الطبية في المناطق النائية.
- الاستجابة للطوارئ، وذلك من خلال دور المتطوعين المحوري في إغاثة الكوارث الطبيعية أو النزاعات، مثل توزيع المساعدات الإنسانية مع المنظمات الإنسانية.
- تعزيز المشاركة المدنية، فالتطوع التطوع الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع، خاصة لدى الشباب، مما يُعزِّز قيم المواطنة الفاعلة.
- دعم المنظمات غير الربحية، فالمتطوعون يُقلِّلون من التكاليف التشغيلية للجمعيات الخيرية، مما يزيد من فعالية برامجها.
سؤال الإيجابيات والسلبيات:
يظل التطوع أداة حيوية لتنمية المجتمع، لكن نجاحه يتطلب موازنة إيجابياته وسلبياته عبر تدريب المتطوعين، وضع سياسات واضحة تحمي حقوقهم، وتصميم برامج تُلائم السياقات الثقافية، ولعل أولى الخطوات هي في معرفة ايجابيات وسلبيات دور المتطوعين، والتي نذكر أهمها:
- تعزيز التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة، حيث يُسهم المتطوعون في بناء مجتمعات متماسكة من خلال مبادرات تُعزز القيم المشتركة، مثل دعم الفئات المهمشة أو الحفاظ على البيئة. هذا وتُشير (الأمم المتحدة، 2015) إلى أن التطوع يُعد ركيزةً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة في مجالات الصحة والتعليم، كما أن التطوع في الحملات الخيرية يُعزز الانتماء الوطني ويُقلل الفوارق الطبقية.
- تنمية المهارات الشخصية، من خلال ما يُكتسبه المتطوعون من مهارات قيادية وتواصلية تُعزز فرصهم الوظيفية، كما يُسهم العمل التطوعي في تحسين الصحة النفسية عبر تقليل الشعور بالعزلة.
- تخفيف الأعباء الاقتصادية، إذ تُقدِّر دراسة (Salamon et al., 2017) أن قيمة العمل التطوعي عالميًا تُعادل تريليونات الدولارات سنويًا، مما يُخفف الضغط على الميزانيات الحكومية.
أما سلبيات دور المتطوعين في المجتمع، فهي:
- نقص التدريب وعدم الاستدامة، فقد يؤدي الاعتماد على متطوعين غير مدربين إلى تنفيذ مشروعات بجودة مُتدنية، خاصة في المجالات التقنية كالرعاية الصحية، كما أن عدم وجود خطط استدامة يُهدد استمرارية المبادرات التطوعية.
- استغلال المتطوعين، فمن خلال مراقبتنا، نرى أنه تُوجه انتقادات لبعض المنظمات التي تستبدل موظفين مدفوعي الأجر بمتطوعين لتخفيض التكاليف، مما يُنتهك حقوق العمال.
- التحديات الثقافية والاجتماعية، حيث تواجه المبادرات التطوعية رفضًا في مجتمعات محافظة بسبب اختلاف القيم أو الشكوك حول دوافع المتطوعين، إضافة إلى صعوبة توظيف المتطوعين الأجانب في مناطق النزاعات دون مراعاة الحساسيات الثقافية.
- الإرهاق النفسي، حيث يُعاني بعض المتطوعين من "الإرهاق العاطفي" بسبب التعامل مع قضايا إنسانية صعبة، مثل رعاية مرضى الأمراض المزمنة، وهذا لمسناه لدى فريقنا المتطوع وقت الزلزال عام 2023م.
تجارب مُستفادة:
شكَّل المتطوعون على مر التاريخ قوة دفع حيوية في عمليات النهضة الوطنية وبناء الدولة الحديثة، سواء عبر المشاركة في المشاريع التنموية أو تعزيز الهوية المجتمعية.
ففي اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ساهم متطوعون في إعادة إعمار البنية التحتية وتنظيف المدن من الأنقاض، كما أسهموا في حملات محو الأمية، مما دعم التحول نحو اقتصاد المعرفة، وفي الإمارات العربية المتحدة، كان للتطوع دور محوري في توحيد المجتمع خلال تأسيس الدولة، عبر مبادرات مثل "عمل السواعد" في سبعينيات القرن الماضي، والتي جمعت المواطنين لزراعة الأشجار وبناء المدارس، أما في ماليزيا، فقد ارتبط التطوع ببرامج مكافحة الفقر في ثمانينيات القرن العشرين، حيث شارك آلاف المتطوعين في تعليم الحرف اليدوية للأسر الريفية، مما ساهم في خفض نسبة الفقر من 50% إلى 5% بحلول عام 2000، وتُبرز تجربة المملكة العربية السعودية في رؤية 2030 دور المتطوعين في مبادرات مثل "تطوع" لتنمية السياحة المجتمعية أو دعم كبار السن، مما يعكس اندماج التطوع في الاستراتيجيات الوطنية للتنويع الاقتصادي.
وفي سياق التجربة السورية منذ 2011، برز دور المتطوعين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام البائد كقوة إنقاذية لسد الفراغ المؤسسي الناتج عن الحرب، ففي مناطق مثل إدلب وحلب، شكَّل المتطوعون نواةً لـ"المجالس المحلية" التي تولت إدارة الخدمات الأساسية، مثل توزيع المياه وإصلاح المدارس، بدعم من منظمات دولية، وقد كانت أبرز أدوار المتطوعين السوريين متجلبدية بـ :
- الاستجابة الإنسانية الطارئة، حيث نظم متطوعون فرق إغاثة لإنقاذ المدنيين تحت القصف، مثل فريق "الخوذ البيضاء" الذي أنقذ آلاف الأرواح بين 2013 و2020، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
- إحياء الخدمات الصحية والتعليمية، فلقد افتتح متطوعون مدارس مؤقتة في الكهوف والمباني المدمرة، كما أسهموا في تشغيل مستوصفات ميدانية لعلاج الجرحى، رغم نقص الإمكانيات.
- الحفاظ على النسيج الاجتماعي، فمثلا أطلق متطوعون حملات ثقافية لجمع التراث السوري المهدد بالاندثار، مثل توثيق الأغاني الشعبية أو حماية المخطوطات التاريخية.
وقد واجهتهم عدة تحديات، أبرزها:
- التهديدات الأمنية، فلقد تعرَّض العديد من المتطوعين للاعتقال أو القتل من قبل أطراف النزاع.
- نقص التمويل، حيث اعتمدت معظم المشاريع على تبرعات خارجية متقطعة، مما حدَّ من استدامتها.
- الاستقطاب السياسي، حيث واجه المتطوعون اتهامات بالانحياز لأجندات معينة.
لقد ساهمت تجارب المتطوعين – من نهضة اليابان إلى سورية المنهكة – في إثبات أن العمل التطوعي ليس مجرد نشاط ثانوي، بل ركيزة لبناء المجتمعات حتى في أصعب الظروف، ومع ذلك، تظل الحاجة ملحة لدعم هؤلاء المتطوعين بآليات حماية وتأهيل تضمن استمرار تأثيرهم الإيجابي.
خاتمة:
يُعد العمل التطوعي ظاهرة إنسانية عابرة للحدود، تجسِّد أسمى قيم التضامن والإيثار، سواء في أوقات السلم أو خلال الأزمات، فمن خلال استعراض الأدوار التاريخية والحديثة للمتطوعين، يتضح أنهم ليسوا مجرد مساهمين عابرين، بل شركاء فاعلين في صناعة التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وفي سياقات النهضة، مثل تجارب اليابان وماليزيا، أثبت المتطوعون أنهم قادرون على تعزيز التنمية المستدامة عبر تعبئة الطاقات المجتمعية، أما في سياقات الصراع، كما في سورية، فقد تحولوا إلى شريان حياة للمجتمعات المنهكة، رغم التحديات الأمنية والمادية الهائلة.
لكن هذه الإيجابيات لا تعني أن التطوع بلا مخاطر أو ثغرات، إذ تُظهر التجارب أن نجاحه مرهون بوجود بيئة داعمة تُحافظ على حقوق المتطوعين، وتُوازن بين الحماسة التلقائية والتخطيط الاستراتيجي.
وفي مرحلة ما بعد الصراع، كما في الحالة السورية الحالية، يصبح التطوع ركيزة لإعادة البناء، شرط أن يتم دمجه في رؤية وطنية شاملة تعيد الاعتبار للإنسان والمكان معًا.
وانطلاقاً من رؤيتنا في تيار المستقبل السوري، والتي ذكرناها في معرض تهنئتنا بمكتب الرئاسة لـِ تيار المستقبل السوري بيوم التطوع العالمي، والمنشورة بموقعنا الرسمي بتاريخ 2024/12/05، بأننا نرى أن سورية بحاجة إلى جهود مضاعفة للنهوض بها إلى مصاف الدول المتقدمة، ولعل التطوع هو أحد أهم تلكم الأدوات لتحقيق هذا الهدف، حيث يساهم المتطوعون في إعادة بناء البنية التحتية عبر إعادة بناء المدارس والمستشفيات والطرق وغيرها من المرافق الحيوية، وتوفير الخدمات الأساسية، وتعزيز التنمية الاقتصادية.
ولذا فإننا نوصي ولترسيخ الدور الإيجابي للمتطوعين في سورية، ما بعد سقوط نظام الأسد بما يأتي:
- إنشاء إطار مؤسسي واضح، ويكون عبر ما نقترحه من تأسيس "هيئة وطنية للتطوع" تُنسق بين المبادرات المحلية والدولية، وتُحدد أولويات العمل التطوعي وفقًا لاحتياجات كل منطقة، مع ضرورة اعتماد معايير تدريبية موحدة للمتطوعين، خاصة في المجالات الطبية والتعليمية، بالشراكة مع المنظمات الدولية
- ضمان التمويل المستدام، من خلال توجيه جزء من عائدات المنظمات الدولية الداعمة لسورية نحو مشاريع تطوعية مُستدامة، مثل إعادة تأهيل المدارس أو المراكز الصحية، إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص السوري في الداخل والخارج على تبني مبادرات تطوعية عبر برامج المسؤولية الاجتماعية.
- حماية المتطوعين قانونيًا ونفسيًا، عبر إصدار تشريعات تُجرِّم استغلال المتطوعين أو تعريضهم للمخاطر دون تأمين حماية كافية، مع توفير دعم نفسي للمتطوعين الذين عاشوا تجارب صادمة خلال الحرب، بالتعاون مع خبراء في الصحة النفسية.
- تعزيز المشاركة المجتمعية، من خلال إطلاق حملات توعوية تُعيد إحياء ثقافة التطوع في الأجيال الجديدة، مع الربط بينها وبين الهوية السورية المشتركة، مع ضرورة دمج المتطوعين السوريين في الخارج في برامج إعادة الإعمار عبر منصات رقمية لتوظيف مهاراتهم.
- توثيق التجارب ونشر المعرفة، من خلال مانقترحه بإنشاء أرشيف وطني يُوثق قصص المتطوعين وجهودهم خلال الثورة، كجزء من الذاكرة الجمعية السورية، إضافة إلى إنتاج دراسات أكاديمية بالتعاون مع الجامعات السورية لتحليل نجاحات وإخفاقات التجارب التطوعية خلال الحرب.
د. زاهر بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري