البرلمان السوري، أعضاؤه، دورٌ وأهمية

استهلال:

عضو البرلمان السوري هو ممثل شعبي يُنتخب أو يُعيَّن في هيئة تشريعية تُشكّل جزءاً من النظام السياسي لدولة ما، ويتمثل دوره الأساسي في المشاركة في صناعة القوانين، ومراقبة أداء الحكومة، وتمثيل مصالح الناخبين. 

ويعمل البرلمان كسلطة تشريعية مستقلة أو شبه مستقلة في العديد من الأنظمة السياسية، سواء كانت ملكية دستورية أو جمهورية برلمانية أو رئاسية.

كما تختلف مسميات الأعضاء باختلاف الدول؛ ففي بعضها يُطلق عليهم "نواب" أو "ممثلون"، وفي أخرى "شيوخ" أو "أعضاء مجلس الشعب".  

 التطور التاريخي لمهام أعضاء البرلمان:

تعود جذور البرلمانات إلى التجارب الديمقراطية المبكرة، كـ"الإكليسيا" في أثينا القديمة (القرن الخامس قبل الميلاد)، حيث كان المواطنون الذكور يجتمعون لمناقشة القوانين.

وفي العصور الوسطى، ظهرت أشكال أولية للتمثيل النيابي في أوروبا، مثل "برلمان إنجلترا" (1265)، الذي ضم نبلاء ورجال دين وممثلي المدن، وكان هدفه الموازنة بين سلطة الملك والمجتمع.

وفي الدول الإسلامية يمكن اعتبار الصورة البرلمانية فيها ممثلة بمجلس أهل الحل والعقد، والذين يتوافقون مع الخليفة على الشؤون القانونية والسياسية والاجتماعية.

ومع تطور الدولة الحديثة بعد الثورات الفرنسية (1789) والأمريكية (1776)، أصبح البرلمان مؤسسة دستورية تُكرّس مبدأ فصل السلطات (التشريعية، التنفيذية، القضائية). 

لتتوسع في القرن التاسع عشر صلاحيات البرلمانات مع تعميم الاقتراع العام وانتشار الديمقراطية التمثيلية، ليشمل دور الأعضاء التشريع والرقابة المالية والسياسية على الحكومات.  

هذا وتتجلى المهام العامة لأعضاء البرلمان بـ :

  1. التشريع، حيث يشارك الأعضاء في صياغة القوانين ومناقشتها والتصويت عليها، سواء بمبادرات فردية أو عبر الأحزاب.  
  2. الرقابة، إذ يُمارس البرلمان الرقابة على الحكومة عبر استجواب الوزراء، تقديم اقتراحات اللوم، ومناقشة الميزانيات.  
  3. التمثيل، من خلال نقل الأعضاء مطالب مواطنيهم المحليين إلى المستوى الوطني، ويعملون كحلقة وصل بين المجتمع والدولة.  
  4. الدبلوماسية البرلمانية، حيث يشارك بعض الأعضاء في لجان دولية لتعزيز التعاون بين الدول.  
  5. العمل في اللجان، وذلك عبر مناقشة التفاصيل الفنية للقوانين في لجان متخصصة (كالتعليم، الصحة، الاقتصاد).  

 البرلمان في سورية:

خلال العهد العثماني، لم تعرف سورية مؤسسة برلمانية بالمعنى الحديث، لكنها شهدت مجالس محلية محدودة الصلاحيات، ولكن بعد الانتداب الفرنسي (1920–1946)، تأسس "المجلس التمثيلي السوري" كهيئة تشريعية ذات صلاحيات رمزية.  

بعد الاستقلال (1946)، أُقيمت انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب، لكن الانقلابات العسكرية المتكررة (خاصة عام 1963) قيدت دور البرلمان، ومع صعود حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة، تحول البرلمان إلى "مجلس الشعب" (1971)، الذي أصبح أداة لشرعنة قرارات السلطة التنفيذية، حيث هيمن الحزب الواحد على المقاعد.  

وفي دستور 2012م (المعدل بعد الاحتجاجات الشعبية)، نُصَّ على نظام متعدد الأحزاب، لكن الواقع السياسي ظل يُهيمن عليه تحالف "الجبهة الوطنية التقدمية" بقيادة البعث، على أنه ونظريا يتمتع مجلس الشعب بصلاحيات تشريعية، لكن صناعة القرار الفعلية تتركز في يد السلطة التنفيذية (الرئاسة، الحكومة، الأجهزة الأمنية).

كما كانت تشمل مهام الأعضاء السوريين بشكل رئيسي:  

  1. التصويت على القوانين المقدمة من الحكومة.  
  2. مناقشة السياسات العامة دون قدرة حقيقية على تعديلها.  
  3. تمثيل المناطق جغرافيا دون ضمانات كافية لاستقلالية الرأي.   

وقد واجه البرلمان السوري انتقادات بسبب محدودية تأثيره زمن الأسدين الأب والابن، وأيضا بسبب غياب الاستقلالية عن السلطة التنفيذية، وضعف التمثيل السياسي الحقيقي، ولقد أدت الثورة السورية (منذ 2011) إلى تعقيد الوضع، حيث بات جزء من البلاد خارج سيطرة النظام البائد، مما قلص من شرعية المؤسسة التشريعية.  

إن البرلمان يمثل رمزاً للتعددية السياسية وحلقة وصل بين الدولة والمواطن في النظم الديمقراطية، أما في سورية الأسدين، وعلى الرغم من التعديلات الدستورية، بقي دوره هامشياً في ظل نظام مركزي يستند إلى أيديولوجيا الحزب الواحد.

أهمية دور عضو البرلمان، الأدوار العامة، والخصوصية السورية بعد التحرير من نظام الأسد:

يُعتبر عضو البرلمان حجر الزاوية في الأنظمة الديمقراطية، حيث يجسد مبدأ التمثيل الشعبي ويساهم في تحقيق التوازن بين سلطات الدولة، وتتمثل أهميته في:  

  1. صنع السياسات التشريعية، عبر كفالة قوانين عادلة تُلبي احتياجات المجتمع.  
  2. رقابة فعالة على الحكومة، ومنع الاستبداد أو الفساد عبر مساءلة الوزراء ومراقبة الإنفاق العام.  
  3. تعزيز الشرعية السياسية، عبر تمثيل مختلف الفئات المجتمعية، بما فيها الأقليات والمهمشين.  
  4. حل النزاعات عبر الحوار، إذ البرلمان منصة لتسوية الخلافات السياسية بالوسائل السلمية.  

وفي النظم الانتقالية (كالدول الخارجة من حروب أو أنظمة استبدادية)، يُصبح دور الأعضاء أكثر حيوية لبناء مؤسسات جديدة، وصياغة عقد اجتماعي يُنهي أسباب الصراع.  

هذا ونرى أنه في سورية ما بعد نظام الأسد، يمكن للبرلمان أن يصبح أداة رئيسية لإعادة بناء الدولة، وذلك عبر:  

  1. الانتقال من المركزية إلى التعددية، عبر تفكيك هيكل الحزب الواحد، وتمثيل كافة المكونات السياسية والإثنية والدينية.  
  2. المشاركة في صياغة دستور جديد، يكون فيه ضمان فصل السلطات، وحقوق الإنسان، وضمانات الانتقال الديمقراطي.  
  3. تعزيز المصالحة الوطنية، عبر تشريع قوانين للعدالة الانتقالية، وتعويض ضحايا النظام والحرب.  
  4. إعادة هيكلة الاقتصاد، وذلك من خلال تشريعات لمحاربة الفساد، وجذب الاستثمارات لإعادة الإعمار.  
  5. الرقابة على الأجهزة الأمنية، وضمان خضوعها للسلطة المدنية، ومنع عودة التسلط.  

إيجابيات وسلبيات:

تتمثل إيجابيات وجود أعضاء البرلمان عموماً في التمثيل الواسع للمواطنين في صنع القرار، والمرونة التشريعية عبر تعديل القوانين وفق تطورات المجتمع، وأيضا الرقابة البرلمانية التي تحد من إسرارية القرارات التنفيذية، وأخيرا وليس آخراً توجيه الميزانيات لمشاريع البنى التحتية في الدوائر الانتخابية.  

وأما سلبيات أعضاء البرلمان عموماً فتتمثل بالانقسام الحزبي، حيث قد تتعطل التشريعات بسبب الصراعات الأيديولوجية، إضافة لاستغلال المنصب لخدمة مصالح شخصية أو فئوية، والبطء التشريعي من خلال تعقيد الإجراءات البرلمانية الذي يؤخر إقرار القوانين العاجلة، وكذلك التبعية للسلطة التنفيذية، إذ في بعض الأنظمة، يتحول البرلمان إلى "ختم مطاطي" لقرارات الحكومة!

وأما إيجابيات وسلبيات الأعضاء في سورية بالوقت الراهن والمعتاد فتتمثل بـ:

  1. الإيجابيات: 
  2.  أ. شكلية التمثيل الجغرافي، مع وجود أعضاء من معظم المحافظات.  
  3.  ب. منصة محدودة لمناقشة قضايا الخدمات العامة (كالكهرباء والمياه ونحوهما). 
  4. حـ. فرصة لبرلمان تشاركي يعكس تنوع المجتمع السوري.  
  5. د. إقرار قوانين تحقق العدالة الانتقالية وتعيد حقوق المهجرين.  
  6. هـ. تعاون إقليمي ودولي لدعم التشريعات الإصلاحية.  
  7. السلبيات (مما قد يكون أو لا يكون):
  8.  أ- هيمنة هرم السلطة اليوم على القرار التشريعي، مثل تعيين ثلث الأعضاء من الرئاسة، إذ رغم اشتراط الأغلبية للإقرار فإن احتمال "الثلث المُعطل" أن يُقر مستقبلاً أو يُصبح عرفاً.
  9.  ب- غياب الاستقلالية، وتبعية معظم الأعضاء لخط السلطة.  
  10.  جـ- محدودية المشاركة النسائية والتمثيل العادل للأقليات.  
  11. د. خطر استمرار النفوذ الأمني أو عودة وجوه من النظام السابق تحت غطاء ديمقراطي.  
  12.  هـ. الانقسامات المجتمعية الحادة قد يعكسها البرلمان، مما يعرقل التشريع.  
  13.  د. ضعف الخبرة السياسية لدى النخب الجديدة في إدارة البرلمان.  
  14.  و. تدخلات خارجية لفرض أجندات تخدم مصالح دولية على حساب السيادة.  

يُمكن أن يكون عضو البرلمان في سورية ما بعد الأسد رمزاً للانعتاق من الاستبداد، وشريكاً في بناء دولة المواطنة، ولكن، ولتحقيق هذا الدور يتطلب شروطاً أساسية، كضمان انتخابات حرة، واستقلالية القضاء، وإرادة سياسية حقيقية للإصلاح. 

وفي المقابل، فإن إهمال إعادة هيكلة النظام السياسي، أو السماح باستمرار الفساد، قد يحوّل البرلمان الجديد إلى نسخة مُعاد تدويرها من الماضي، تُكرس الأزمات بدلاً من حلها.  

الخاتمة:

يُمثّل البرلمان الذي يتألف من أعضاء يُعتبرون حملة البرلمان (بإيجابياتهم أو سلبياتهم) حتى في سياقه السوري المحدود، إطاراً مؤسسياً قابلاً للتطوير لتعزيز المشاركة السياسية وترسيخ مبادئ المساءلة، ولتحقيق ذلك، يمكن الاستفادة من الإيجابيات المتاحة (كوجود هيكل تشريعي قائم، وخبرات بعض الأعضاء) وتجاوز السلبيات (كضعف الاستقلالية وغياب التمثيل الفعلي) عبر مرحلتين متدرجتين:  

الأولى: مرحلة ما بعد الإعلان الدستوري (المرحلة الانتقالية):

  1. تعزيز الاستقلالية التشريعية، عبر تعديل القوانين الناظمة لعمل البرلمان لتمكينه من ممارسة الرقابة الفعلية على الحكومة، مثل تفعيل حق الاستجواب والتحقيق في أداء الوزارات، وفصل هيكلية البرلمان إدارياً ومالياً عن السلطة التنفيذية، لضمان عدم تدخل الأخيرة في جدول أعماله.  
  2. بناء القدرات المؤسسية، عبر تنظيم برامج تدريبية لأعضاء البرلمان حول صياغة التشريعات، والرقابة المالية، وآليات الحوار السياسي، بالشراكة مع منظمات دولية محايدة.
  3. وأيضاً إنشاء لجان فنية دائمة متخصصة (كالتخطيط الإستراتيجي، وحقوق الإنسان) مدعومة بخبراء مستقلين.  
  4. تعزيز الحوار التشاركي، من خلال فتح قنوات اتصال مع منظمات المجتمع المدني والنخب المحلية لمناقشة مشاريع القوانين قبل التصويت عليها، حتى في ظل القيود السياسية الحالية.
  5. واعتماد حصص تمثيلية (كوتا) بالمرحلة الأولى للشباب والمرأة في اللجان الرئيسية، لضمان تنوع الآراء.  

الثانية: مرحلة ما بعد الانتخابات الشعبية (المرحلة التأسيسية):

  1. ضمان نزاهة الانتخابات، عبر تشكيل هيئة انتخابية مستقلة تشرف على العملية برمتها، مع مراقبة دولية لتعزيز الثقة، وإقرار قانون انتخابي يعتمد التمثيل النسبي، ويُسهِّل مشاركة الأحزاب الجديدة دون شروط تعجيزية.  
  2. تفعيل الرقابة البرلمانية، وذلك عبر منح البرلمان سلطة إقرار الميزانية العامة وتعديلها، ومراجعة العقود الحكومية الكبرى، مع نشر تقارير الرقابة بشكل علني، إضافة لتقنين حق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة أو الوزراء عبر آليات واضحة. 
  3. ربط البرلمان بالمواطن، ويكون من خلال نقل جلسات البرلمان عبر وسائل الإعلام المباشرة، وإنشاء منصات إلكترونية لتلقي مقترحات المواطنين. إضافة لتنظيم جلسات استماع دورية في المحافظات، لضمان تفاعل الأعضاء مع احتياجات المناطق المهمشة.  
  4. التعاون الدولي الإستراتيجي، بالانضمام إلى شبكات برلمانية دولية (كالاتحاد البرلماني الدولي) لتبادل الخبرات حول التشريعات التنموية وإدارة الأزمات.  
  5. لا يمكن فصل تطوير البرلمان السوري عن عملية الإصلاح السياسي الشامل، الذي يتطلب إرادةً داخلية ودعماً دولياً ذكياً.

ولعلنا نأمل ونعمل في تيار المستقبل السوري أن يكون مُمثلاً للإرادة الحرة للشعب السوري، كي يكون نقطة الارتكاز لمصالحة حقيقية بين الشعب، والمُصلح الواقعي لنسيج المجتمع الذي دمرته سنوات الحرب السابقة، وما أحداث الساحل عنا ببعيد، كما أننا نرى البرلمان هو المكان الطبيعي للكيانات السياسية والمدنية أن تُعبر عن رؤيتها وتساهم في تجاوز المحن المتنوعة التي يعانيها البلد، لتتعامل بمبدأ التعددية مع غيرها من الكيانات للمساهمة يداً بيد نحو إعادة إعمار سورية.

ومن هنا، فإن محط نظرنا متوجه للبرلمان، ونسعى للمنافسة الشريفة للوصول إليه، فالمهم لدينا أن يكون البرلمان مستقلاً وطنياً غير مستلب، وحينها سنسعى لدخوله ونحن عليه أقوياء أمناء.

هذا ونقترح في المرحلة الانتقالية، أن يتم تحويل البرلمان إلى منصة للحوار الوطني، تعكس تعددية المجتمع السوري ولو جزئياً، أما في المرحلة التأسيسية، فينبغي أن يصبح البرلمان ركيزةً لتعاقد اجتماعي جديد، يقوم على شرعية تمثيلية حقيقية، وفصلٍ حاسم بين السلطات.

كما نرى أن التحدي الأكبر يكمن في تحويل هذه التوصيات من حبر على ورق إلى ممارسة يومية، عبر إصلاحات تدريجية لكن ثابتة، تُعيد تعريف دور العضو البرلماني من "مُجرد مصدّق" إلى "فاعل رئيسي" في صنع المستقبل.

د. زاهر بعدراني

مكتب الرئاسة

مقال

تيار المستقبل السوري

شاركها على:

اقرأ أيضا

أخبار يوم الأربعاء 2025/07/09م.

تحديثات شاملة عن أخبار يوم الأربعاء 09-07-2025

9 يوليو 2025

إدارة الموقع

سورية والاتحاد من أجل المتوسط: استعادة العضوية أم إعادة تعريف الدور؟

استعادة عضوية الجمهورية السورية تمثل تحولاً سياسياً

9 يوليو 2025

إدارة الموقع