تشكل الجيوش العمود الفقري للدول الحديثة، وهي رمز قوتها وحامي سيادتها.
ومن هذا المنطلق، فإن تأسيس أي جيش جديد في سورية يجب أن يستند إلى أسس وطنية واضحة، بعيدًا عن أي توجه أيديولوجي أو ديني محدد، لضمان شموليته واستقلاليته.
خطورة الطابع العقائدي الديني للجيش:
إن ظهور الجيش الجديد في سورية وهو يردد هتافات دينية ويرفع شعارات إسلامية قد يبدو أمرًا عفويًا أو مستوحى من سياقات الحرب والهوية الثقافية السائدة، لكنه ينطوي على مخاطر كبيرة على عدة مستويات:
- الانعكاسات الدبلوماسية والإقليمية:
- تقديم الجيش السوري الجديد للعالم بصفة جيش عقائدي إسلامي قد يثير القلق على المستويين الدولي والإقليمي.
- فالمجتمع الدولي، الذي ينظر بعين الحذر إلى أي تشكيل عسكري يحمل طابعًا دينيًا، قد يراه امتدادًا لتجارب غير ناجحة في المنطقة، مما يحدّ من شرعيته الدولية وقدرته على بناء علاقات دبلوماسية وعسكرية متوازنة. كما أن دول الجوار، التي تعاني بعضها من تحديات طائفية أو حركات مسلحة مؤدلجة، قد تتوجس من ظهور كيان عسكري يحمل صبغة دينية واضحة.
- التأثير على التعددية الوطنية داخل الجيش:
- الجيش هو المؤسسة الوطنية التي يجب أن تضم كافة السوريين، بغض النظر عن معتقداتهم وانتماءاتهم، وحين يُطبع بهوية دينية واحدة، فإنه يستبعد – بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – المكونات الأخرى التي قد تشعر بعدم الانتماء لهذا التوجه.
- إن سورية بلد متعدد الطوائف والمذاهب، وإذا كان الجيش القادم يمثل دولة المستقبل، فيجب أن يكون انعكاسًا لهذا التنوع، لا أن يتحول إلى مؤسسة ذات هوية دينية أو طائفية ضيقة.
- تهديد وحدة النسيج الاجتماعي السوري:
- إن اعتماد خطاب ديني داخل الجيش قد يساهم في تعميق الانقسامات داخل المجتمع السوري، فالعديد من السوريين، بمختلف توجهاتهم، يريدون جيشًا يعبر عنهم جميعًا، لا عن فئة دون أخرى! وإذا تم فرض توجه ديني معين، فقد يؤدي ذلك إلى عزوف الكثيرين عن الانخراط فيه، مما يخلق فراغًا داخل المؤسسة العسكرية ويفتح الباب أمام تشكيلات موازية خارج إطار الدولة.
رؤية عقلانية ومتوازنة للمصلحة العامة:
إننا في تيار المستقبل السوري لا نتناول هذا الموضوع من منطلق شخصي أو أيديولوجي، وإنما من زاوية مصلحة سورية والسوريين، على المدى القريب والبعيد.
إن بناء جيش وطني قوي ومستقل يستوجب أن يكون بعيدًا عن الأدلجة الدينية أو السياسية، وأن يقوم على أسس احترافية محضة، تضمن ولاءه للوطن فقط.
إن الجيش القادم يجب أن يكون لجميع السوريين، دون استثناء، بحيث يشعر الجميع بأنه يمثلهم ويحميهم، دون تمييز على أساس الدين أو الطائفة، فالتجارب التاريخية أثبتت أن الجيوش العقائدية غالبًا ما تتحول إلى أدوات استبدادية أو إلى قوى صدام داخلية، بدلًا من أن تكون مؤسسات جامعة للدولة والمجتمع.
رؤية تيار المستقبل السوري:
يؤمن تيار المستقبل السوري بأن بناء جيش وطني حديث هو ركن أساسي في بناء الدولة السورية الجديدة، ومن هذا المنطلق، فإننا نوصي بالآتي:
- إبعاد الجيش عن أي أيديولوجيا دينية أو سياسية:
- يجب أن يكون الجيش السوري القادم جيشًا وطنيًا خالصًا، بعيدًا عن التجاذبات العقائدية، وأن يكون ولاؤه الوحيد للوطن والشعب، لا لأي فكر أو تيار ديني أو سياسي.
- توحيد الخطاب العسكري حول القيم الوطنية الجامعة:
- يجب أن يكون الخطاب العسكري موحدًا حول القيم الوطنية، مثل حماية سيادة سورية، والدفاع عن وحدة أراضيها، وحماية مواطنيها جميعًا دون تمييز، بدلًا من تبني شعارات ذات طابع ديني أو فئوي.
- تعزيز العقيدة العسكرية الاحترافية:
- يجب أن تكون عقيدة الجيش قائمة على المهنية والانضباط والولاء للوطن، وفقًا لمعايير الجيوش الحديثة، مما يضمن استقراره ويبعده عن الصراعات الداخلية أو الولاءات الضيقة.
- إرساء شراكات دولية داعمة لجيش وطني مستقل:
- ندعو إلى بناء شراكات استراتيجية مع الدول الداعمة لجيش سوري حديث ومتطور، يلتزم بالقوانين الدولية والمعايير المهنية، مما يعزز شرعيته ويمنحه القوة والتوازن في المشهدين المحلي والدولي.
- احترام التنوع داخل الجيش:
- الجيش السوري يجب أن يكون نموذجًا للوحدة الوطنية، بحيث يضم جميع السوريين بمختلف انتماءاتهم، دون إقصاء أو تمييز، مما يعزز شعور الجميع بالانتماء إليه كحامٍ للوطن لا لمعتقد أو تيار معين.
الخاتمة:
يرى تيار المستقبل السوري أن التأسيس لجيش وطني جامع، بعيد عن الأدلجة الدينية أو السياسية، هو خطوة أساسية نحو بناء دولة مستقرة ومتقدمة.
إن مستقبل سورية يتطلب جيشًا حديثًا يعبر عن جميع السوريين، ولا يتحول إلى مؤسسة ذات طابع ديني أو أيديولوجي ضيق، لأن أي انحراف عن هذا المسار قد يؤدي إلى تكرار تجارب كارثية شهدتها المنطقة.
إن التحدي اليوم ليس في شعار الجيش، وإنما في قدرته على حماية سورية والسوريين بكل أطيافهم، والمضي نحو مستقبل يعزز الأمن والاستقرار، ويؤسس لدولة تحترم الجميع وتحقق تطلعاتهم.
مكتب الرئاسة
د. زاهر بعدراني
مقال
تيار المستقبل السوري