يبدو لكل مطلع بالشأن السوري أن هناك خلافاً بين القوى العسكرية السورية، يبدو جلياً واضحاً بين الإدارة الذاتية الكردية (قسد) والإدارة السورية الجديدة في دمشق حول نظام الحكم الجديد في سورية، وهل يجب أن يكون مركزيًا أو لامركزيًا، فمن مناطق الحكومة المؤقتة وحتى قوات الجنوب بالسويداء ودرعا، هناك نوع من المتباينات مع رؤية الإدارة السورية الجديدة، والتي تريد تذويب كل المكونات العسكرية ضمن مؤسسة وزارة الدفاع، وإتباع جميع الإدارات المدنية ضمن مؤسسات الدولة، وفي هذا الصعيد تسعى هيئة تحرير الشام لتذويب نفسها ضمنها من باب (مَن عَدَلَكَ بنفسهِ فما ظلمَك).
وهنا يمكن القول، أن سبب تأخر الاجتماع الوطني العام (أو سمِّهِ ما شئت) عدة مرات، هو هذا السبب، فكلُّ طرف متمسك بموقفه، ولعل أخشى ما نخشاه حقيقة أن يصل هذا الخلاف إلى مرحلة التأزم، ولتدخل سورية بمرحلة شبيهة بمرحلة التأزم الماضي، زمن حكم الأسد! رغم أن الفارق مهولٌ بين المرحلتين.
وأمام تعنت الطرفين بموقفهما، يبدو من الصعب تقديم اقتراح وسطي يمكن اقناع الطرفين به، ولكن من الممكن النظر في نظام “الحكم المشترك” حيث يتم توزيع السلطة بين الحكومة الوطنية والإدارات المحلية، مما يمكن أن يوفق بين المركزية واللامركزية.
حيث يرى تيار المستقبل السوري أن هذا النظام يمكن أن يعزز الاستقرار والوحدة في سورية أمام حالة التباين السياسي، ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
كما نرى أن نظام “الحكم المشترك” أو “الفدرالية التعاونية” ربما يكون حلاً وسطاً يوفِّق بين المركزية واللامركزية، ويُعرف في بعض الأحيان بالنظام “اللا مركزي المشترك”، وبشرح أكثر تفصيلًا حول هذا الاقتراح نقول:
تعريف النظام المشترك: هو نهج هجين يجمع بين عناصر الحكم المركزي واللامركزي، ويهدف إلى تحقيق توازن بين السلطة المركزية في العاصمة والإدارات المحلية في الأقاليم أو المناطق.
توزيع السلطات:
- الحكومة المركزية: تحتفظ بسلطات مهمة تتعلق بالسياسة الخارجية، الدفاع، الاقتصاد الوطني، والتشريعات الرئيسية، وهذا يضمن وجود سلطة موحدة قادرة على التعامل مع القضايا الوطنية الكبرى والحفاظ على سيادة الدولة.
- الإدارات المحلية: تتمتع بسلطات واسعة فيما يتعلق بالإدارة المحلية، مثل التعليم، الصحة، التنمية المحلية، والإدارة المالية المحلية، وهذا يسمح للأقاليم بالتحكم بشؤونها، وتحقيق التنمية المستدامة وفقًا لاحتياجاتها الخاصة.
التعاون المشترك، ويكون عبر:
- المجالس المشتركة: ويمكن إنشاء مجالس مشتركة تتكون من ممثلين عن الحكومة المركزية والإدارات المحلية، وهذه المجالس تعمل على مناقشة القضايا المشتركة ووضع السياسات التي تخدم مصالح الجميع.
- التنسيق والتشاور: يعتمد النظام على التنسيق والتشاور المستمر بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية لضمان تنفيذ السياسات بشكل فعال وتجنب النزاعات.
- المرونة والقابلية للتكيف: حيث يمكن تكييف القوانين والتشريعات لتتناسب مع الاحتياجات المحلية، مما يعزز من مرونة النظام وقدرته على الاستجابة للتحديات المختلفة، كما توفر الحكومة المركزية الدعم المالي والتقني للإدارات المحلية، مما يساعدها على تحقيق أهدافها التنموية.
الأمثلة العالمية:
- أ- ألمانيا: تعد ألمانيا نموذجًا ناجحًا لنظام الحكم المشترك، حيث تتمتع الولايات بسلطات واسعة في الشؤون المحلية بينما تحتفظ الحكومة الفدرالية بسلطات مهمة على المستوى الوطني.
- ب- سويسرا: تعتبر سويسرا أيضًا مثالًا جيدًا، حيث تعتمد على نظام حكم لا مركزي يشجع على المشاركة والتعاون بين الكانتونات والحكومة الفدرالية.
هذا ونرى أن هناك فوائد محتملة للنظام المشترك في سورية مثل:
- تحقيق توازن بين مصالح المركز والأقاليم، مما يعزز من الاستقرار السياسي.
- يشجع على مشاركة أكبر من قبل المواطنين في صنع القرار المحلي، مما يعزز من الشعور بالانتماء والمسؤولية.
- تقليل النزاعات بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية من خلال توفير آليات واضحة للتنسيق والتعاون،
التحديات والمصاعب:
لاشك هناك تحديات كثيرة، ولكن الظاهر أن هناك مشكلتان يجب حلّهما، وحلّ غيرهما أسهل:
- التنفيذ: قد يكون تنفيذ هذا النظام معقدًا ويتطلب بناء قدرات مؤسسية قوية، وهذا جديد على العقلية السورية، لعله يفتقر معها للتدريب والتنظيم، مما قد يعرقل هذا النظام.
- الثقة المتبادلة: يحتاج إلى بناء ثقة متبادلة بين الأطراف المختلفة لضمان التعاون الفعّال، ونحن نعلم حجم الصراع بين شرق وغرب الفرات، وخصوصاً العلاقة السلبية بين قسد وتركيا، والحديث الدائم عن رفض أي تمدد لقسد أو تغول جديد، مما قد يُفهم برفض هكذا نظام هناك، وبالتالي يستمر العداء التركي القسدي مثلاً، مما يستتبع معه استمرار شد عصب الجيش الوطني، وبالتالي فشل الانخراط بسبب ضعف الثقة بهذا النظام المشترك.
الفرق بين الفيدرالية التعاونية واللامركزية الإدارية:
دائما ما يحاول دعاة اللامركزية الإدارية القول بأن نظامهم شبيه بالفيدرالية التعاونية أو اللامركزية المشتركة، ولكن عند التحقيق، نرى هناك فوارق جوهرية، فالفيدرالية التعاونية واللامركزية الإدارية هما نموذجان مختلفان للحكم والتوزيع للسلطة بين الحكومة المركزية والكيانات المحلية.
ولعل الفرق بينهما يتضح بما يلي:
أ. الفيدرالية التعاونية:
- تعريفها: كما تقدم فإن الفيدرالية التعاونية هي نظام حكم يتم فيه تقسيم السلطة بين الحكومة الفيدرالية (المركزية) والحكومات الإقليمية (المحلية) بطريقة تعاونية، وفي هذا النظام تعمل الحكومات المختلفة معًا لتحقيق الأهداف المشتركة وتنسيق السياسات.
- توزيع السلطة: يتم توزيع السلطة بشكل متوازن بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية، فالحكومات الإقليمية تتمتع بسلطات واسعة في مجالات مثل التعليم والصحة والتنمية المحلية، كما أن الحكومات المركزية والإقليمية تعملان معًا في بعض المجالات لتحقيق التوازن والتعاون.
- التعاون والتنسيق: يعتمد هذا النظام على التعاون والتنسيق المستمر بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية من خلال مجالس أو لجان مشتركة، ويتم تبني سياسات مشتركة وتتخذ القرارات بالتشاور بين المستويات المختلفة من الحكم.
ب. اللامركزية الإدارية:
- تعريفها: اللامركزية الإدارية هي نظام حكم يتم فيه نقل السلطة من الحكومة المركزية إلى الوحدات الإدارية المحلية، مثل المحافظات أو البلديات، والهدف من هذا النظام هو تحسين كفاءة الإدارة وتقريب الخدمات من المواطنين.
- توزيع السلطة: الحكومة المركزية تحتفظ بالسلطة الرئيسية، لكن يتم نقل بعض السلطات التنفيذية والإدارية إلى الحكومات المحلية، كما أن الحكومات المحلية تلتزم بتنفيذ السياسات والإجراءات التي تحددها الحكومة المركزية.
- التنسيق والإشراف: الحكومة المركزية تظل المشرفة الرئيسية وتقوم بتنسيق السياسات على المستوى الوطني، كما أن الحكومات المحلية تنفذ السياسات وتقدم الخدمات بموجب توجيهات الحكومة المركزية.
- أمثلة: فرنسا وإيطاليا هما أمثلة على اللامركزية الإدارية، ففي كلا البلدين، تمتلك الحكومات المحلية سلطات تنفيذية، لكن الحكومة المركزية تحتفظ بالسلطة التشريعية الرئيسية.
جـ. الفرق الأساسي:
- الفيدرالية التعاونية، تعتمد على تقسيم السلطة بشكل متوازن بين المركز والأقاليم مع التركيز على التعاون والتنسيق بينهما.
- اللامركزية الإدارية، تعتمد على نقل السلطات التنفيذية إلى الحكومات المحلية بينما تحتفظ الحكومة المركزية بالسلطة الرئيسية والتوجيهات العامة.
لهذا فإننا نرى أنه يمكن أن يكون تبني نظام يجمع بين عناصر الفيدرالية التعاونية واللامركزية الإدارية حلاً وسطًا لتحقيق التوازن بين المركزية واللامركزية في سورية، مع مراعاة التعاون والتنسيق المستمر بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية.
المكتب السياسي
جمعة محمد لهيب
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري