النقابات ودورها في الانتقال السياسي، سورية نموذجاً

مقدمة:

في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها سورية، تبرز أهمية تفعيل دور النقابات كأحد الروافع الرئيسية لتحقيق الانتقال السياسي السلمي والمستدام. وتعتبر النقابات منظمات جماهيرية تُمثل مصالح العمال والموظفين، وأصحاب الفنون والمصالح المختلفة، وتلعب دورًا حيويًا في تعزيز الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار.
إن تفعيل دور النقابات في سورية يمكن أن يسهم في تحقيق التوازن بين القوى السياسية المختلفة، وتعزيز الحوار الوطني، وضمان حقوق العمال والمواطنين في ظل التغيرات السياسية.

تعد النقابات قوة اجتماعية قادرة على التأثير في السياسات العامة والمساهمة في بناء مؤسسات ديمقراطية قوية، وذلك من خلال تنظيم العمال والدفاع عن حقوقهم، ويمكن للنقابات أن تكون صوتًا قويًا للمجتمع المدني، وتعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وفي هذا السياق، يصبح تفعيل دور النقابات في سورية ضرورة ملحة لتحقيق الانتقال السياسي الناجح وبناء مستقبل أفضل للبلاد.

التاريخ والتطور النقابي في سورية:

نشأة وتطور النقابات في سورية يعود إلى بدايات القرن العشرين، حيث بدأت النقابات العمالية في الظهور كرد فعل على ظروف العمل الصعبة والظروف المعيشية الصعبة التي كانت تعيشها الطبقة العاملة. في العشريات الأولى من القرن العشرين، شهدت سورية نشوء العديد من النقابات العمالية، وكانت تلك النقابات تسعى إلى تحسين ظروف العمل والحصول على حقوق أفضل للعمال.
وفي العام 1933م، تأسس الاتحاد العام للعمال في سورية، والذي كان أول اتحاد عمالي رسمي في البلاد. هذا الاتحاد كان يعمل على تنظيم العمال والدفاع عن حقوقهم والمطالبة بتحسين ظروف العمل، وفي العام 1947، تأسس "الاتحاد العام للعمال السوريين" والذي أصبح الجهة الرئيسية المسؤولة عن تنظيم النقابات العمالية في سورية.
ومع مرور الوقت، شهدت النقابات العمالية في سورية تطورًا كبيرًا، حيث بدأت تشمل مجموعة أوسع من الفئات الاجتماعية والمهنية. ففي العام 1963م، تم إنشاء "الجامعة العامة للعمال السوريين"، والتي كانت تعمل على تنظيم النقابات العمالية والدفاع عن حقوق العمال في سورية.
ولكن، في العقود الأخيرة، بعد استيلاء البعث وحكم الأسد، شهدت النقابات العمالية في سورية تحديات كبيرة أدت لتدجينها مثل جميع الهيئات المدنية وخضوعها للسلطة الامنية.

إذاً فالنقابات العمالية في سورية، مثلما هو الحال في العديد من البلدان، تقوم بعدة أدوار تقليدية يمكن تلخيصها كالتالي:

  • أ. الدفاع عن حقوق العمال:
    • تلعب النقابات دورًا رئيسيًا في الدفاع عن حقوق العمال والمطالبة بتحسين ظروف العمل والأجور. تقوم النقابات بتمثيل العمال في المفاوضات مع أصحاب العمل، سواء كانت هذه المفاوضات متعلقة بالأجور أو ساعات العمل أو ظروف العمل.
  • ب. التوعية والتثقيف:
    • تساهم النقابات في توعية العمال بحقوقهم وواجباتهم وتعريفهم بقوانين العمل، وتنظم ورش عمل ودورات تدريبية لتعزيز قدرات العمال وتطوير مهاراتهم.
  • جـ. تقديم الدعم الاجتماعي:
    • توفر النقابات مجموعة من الخدمات الاجتماعية لأعضائها، مثل الدعم الصحي والتعليم والإسكان، وهذه الخدمات تساهم في تحسين جودة حياة العمال وعائلاتهم.
  • د. تعزيز الوحدة والتضامن:
    • تعزز النقابات من وحدة وتضامن العمال، مما يمكنهم من الوقوف جنبًا إلى جنب لتحقيق مصالحهم المشتركة، وفي كثير من الأحيان، تكون النقابات هي الصوت الجماعي الذي يعبر عن مطالب العمال.
  • هـ. المساهمة في صنع القرار:
    • تلعب النقابات دورًا في المشاركة في صنع القرار على المستوى الوطني، وذلك من خلال الضغط على الحكومة وصناع السياسات، فتسعى النقابات إلى تحقيق تغييرات إيجابية في التشريعات والسياسات المتعلقة بالعمل.

على أن تأثير النقابات على المجتمع السوري يتأتى من خلال دورها في الدفاع عن حقوق العمال وتحسين ظروف العمل، تساهم النقابات في رفع مستوى المعيشة للعمال وعائلاتهم.
كما تسعى النقابات إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة.
وأيضا من خلال تمثيل مصالح العمال والدفاع عنها، تساهم النقابات في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والحد من النزاعات.
كما تساهم النقابات في زيادة وعي العمال بالقضايا السياسية والاجتماعية، مما يعزز من مشاركتهم في الحياة العامة.

النقابات والانتقال السياسي:

تلعب النقابات دورًا حيويًا في فترات الانتقال السياسي في العديد من دول العالم. وبهذا الدور، تساهم النقابات في تحقيق الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية. ومن أهم الأدوار البارزة التي تلعبها النقابات خلال فترات الانتقال السياسي:

  1. تعزيز الديمقراطية:
    • تعمل النقابات على تعزيز المشاركة الديمقراطية من خلال تشجيع العمال على الانخراط في العملية السياسية والتصويت في الانتخابات، كما تشجع النقابات الحوار والتعاون بين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية.
  2. الدفاع عن حقوق العمال:
    • تلعب النقابات دورًا رئيسيًا في الدفاع عن حقوق العمال خلال فترات الانتقال السياسي، فهي تعمل على ضمان ألا يتم تجاهل حقوق العمال في العمليات السياسية والإصلاحات الاقتصادية.
  3. المساهمة في الاستقرار الاجتماعي:
    • من خلال التوسط في النزاعات بين العمال وأصحاب العمل، تساهم النقابات في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والحد من النزاعات العمالية، وهذا الاستقرار يعتبر ضروريًا لتحقيق التحول السياسي الناجح.
  4. الضغط من أجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية:
    • تستغل النقابات قوتها العددية والنفوذ السياسي للضغط من أجل تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تصب في مصلحة العمال وتشمل هذه الإصلاحات تحسين ظروف العمل، وزيادة الأجور، وتوفير الحماية الاجتماعية.
  5. بناء التحالفات:
    • تعمل النقابات على بناء تحالفات مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتحقيق أهداف مشتركة، وهذا التعاون يمكن أن يساعد في تعزيز القوة التأثيرية للنقابات في العمليات السياسية.

ومن الأمثلة من التاريخ على دور النقابات في المساهمة بإنجاح الانتقال السياسي:

  • أ‌. جنوب أفريقيا، إذ لعبت النقابات العمالية دورًا رئيسيًا في الكفاح ضد نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) وفي دعم التحول الديمقراطي في جنوب أفريقيا، فكانت "كونفدرالية نقابات جنوب أفريقيا" (COSATU) أحد الأعضاء الرئيسيين في تحالف المعارضة الذي أدى إلى إنهاء الفصل العنصري.
  • ب‌. بولندا، كانت النقابة العمالية "التضامن" (Solidarity) بقيادة ليخ فاوينسا حافزًا رئيسيًا في التحول من نظام الحكم الشيوعي إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.
  • ت‌. تونس، لعب فيها الاتحاد العام التونسي للشغل دورًا كبيرًا في الانتقال السياسي بعد الثورة التونسية في 2011، حيث كان الاتحاد جزءًا من "الرباعي الراعي للحوار الوطني" الذي حصل على جائزة نوبل للسلام في 2015 لدوره في تحقيق الحوار الوطني والدفع باتجاه الاستقرار والديمقراطية.

وهذه الأمثلة وغيرها تُظهر كيف يمكن للنقابات أن تكون قوة دافعة نحو التغيير الإيجابي خلال فترات التحول السياسي.

تحديات ومصاعب:

تواجه النقابات في سورية العديد من التحديات التي تؤثر على قدرتها على تمثيل العمال والدفاع عن حقوقهم، ولعل أهم التحديات الرئيسية:

  1. أ. التحديات القانونية والسياسية:
    • القوانين الصارمة، الحكومة السورية السابقة والتي كانت تابعة لنظام الأسد البائد تمنع تشكيل النقابات الحرة وتقيد حقوق العمال في التظاهر والاحتجاج، ولازالت القوانين اليوم بعد التحرير تحتاج إلى تعديلات سريعة.
    • الضغط السياسي، النقابات تواجه ضغوطًا كبيرة، التي تسعى للحد من تأثيرها وتقييد نطاق عملها.
    • التمرد والاضطرابات: النزاعات المسلحة والاضطرابات الداخلية تعوق عمل النقابات وتجعل من الصعب عليها تنفيذ مهامها بشكل فعال.
  2. ب. التحديات الاقتصادية والاجتماعية:
    • التضخم والتفاقم الاقتصادي، الأوضاع الاقتصادية الصعبة تؤثر على قدرة النقابات على توفير الدعم المالي للعمال.
    • البطالة والعمالة غير الرسمية، تزايد معدلات البطالة والعمالة غير الرسمية يعني أن النقابات تواجه صعوبة في تمثيل جميع العمال.

التغيرات الاجتماعية، التغيرات الاجتماعية والسياسية في البلاد تؤثر على العلاقة بين النقابات والعمال وتجعل من الصعب على النقابات الحفاظ على دعمهم. دور النقابات في تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية:

تملك النقابات دورًا حيويًا في تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية في فترات الانتقال السياسي، وهذه الفترات تكون غالبًا حاسمة لمستقبل الديمقراطية في البلاد، ومن هنا تأتي أهمية دور النقابات والتي تتمثل بـ:

  1. تحفيز المشاركة السياسية، فالنقابات تعمل على تشجيع العمال وأفراد المجتمع على الانخراط في العملية السياسية، سواء عبر التصويت في الانتخابات أو المشاركة في المظاهرات والاحتجاجات السلمية.
  2. توعية المجتمع، النقابات تقوم بتوعية العمال والمجتمع بحقوقهم وواجباتهم السياسية، وهذا يشمل نشر الوعي بالقوانين والحقوق المتعلقة بالعمل والمشاركة السياسية.
  3. الضغط السياسي، النقابات تستخدم قوتها العددية والنفوذ السياسي للضغط على الحكومات من أجل تبني سياسات ديمقراطية وتحقيق الإصلاحات اللازمة، وذلك من خلال التنظيم والاحتجاج السلمي، فيمكن للنقابات أن تكون صوتًا قويًا للمجتمع المدني.
  4. الحوار الوطني، تساهم النقابات في تعزيز الحوار الوطني بين مختلف الفئات السياسية والاجتماعية،مما يُسهم في الوصول إلى توافق وطني شامل حول المسائل الحيوية.

إذاً يمكن القول أن للنقابات مساهمة في بناء مؤسسات ديمقراطية ومستدامة عبر الآتي:

  1. الشفافية والمساءلة في المؤسسات الحكومية والخاصة، من خلال مراقبة السياسات والممارسات والعمل على كشف الفساد، تساعد النقابات في بناء مؤسسات نزيهة وفعّالة.
  2. ضمان حقوق العمال وتحسين ظروف العمل، وهذا يتضمن التفاوض على الأجور وظروف العمل، وتقديم الدعم القانوني للعمال في حالة وقوع نزاعات، ومن خلال هذه الجهود، يمكن للنقابات تحسين جودة الحياة للعمال وأسرهم.
  3. تعزيز التنمية المستدامة من خلال الدفاع عن حقوق العمال والمشاركة في صياغة السياسات الاقتصادية، وهذا يمكن أن يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وموزون يضمن العدالة الاجتماعية.
  4. تعزيز وحدة المجتمع وتضامن أعضائه، مما يسهم في بناء نسيج اجتماعي قوي قادر على مواجهة التحديات، وذلك من خلال تقديم الدعم للعمال والمشاركة في العمل الاجتماعي، تلعب النقابات دورًا حيويًا في بناء مجتمع متماسك ومستدام.


إذاً، إن تفعيل دور النقابات في سورية خلال المرحلة الانتقالية ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لتحقيق الانتقال السياسي الناجح وبناء مستقبل مستدام وديمقراطي للبلاد. النقابات كقوة اجتماعية وسياسية:

تلعب النقابات دورًا حيويًا كقوة اجتماعية وسياسية في المجتمعات، وذلك من خلال تنظيم وتوحيد العمال والمساهمة في تحقيق التغيير السياسي والاجتماعي.

دعونا نستعرض كيف يمكن تحويل النقابات إلى قوة ضاغطة لتحقيق التغيير السياسي ودورها في تعزيز الحوار الوطني والمصالحة.

  1. أ. كيفية تحويل النقابات إلى قوة ضاغطة لتحقيق التغيير السياسي، وذلك عبر:
    • التنظيم والتوحيد: حيث يعد التنظيم الفعّال والتوحيد من أهم الخطوات لتحويل النقابات إلى قوة ضاغطة، فمن خلال تنظيم العمال في وحدات نقابية قوية وموحدة، يمكن للنقابات تحقيق تأثير أكبر في العملية السياسية.
    • التثقيف والتوعية: توعية أعضاء النقابات بحقوقهم وواجباتهم وتثقيفهم بالقضايا السياسية والاجتماعية يمكن أن يساهم في تعزيز دور النقابات كقوة ضاغطة، إذ أن النقابات يمكنها تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية لرفع مستوى الوعي بين أعضائها.
    • التحالفات والتعاون: بناء تحالفات مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية يمكن أن يزيد من قوة النقابات في التأثير على السياسات العامة، فمن خلال التعاون مع شركاء مختلفين، يمكن للنقابات تعزيز قوتها التفاوضية.
    • المظاهرات والاحتجاجات السلمية: إن تنظيم المظاهرات والاحتجاجات السلمية كأداة ضغط يمكن أن يكون له تأثير كبير على صنع القرار السياسي، وهذه الاحتجاجات تسلط الضوء على مطالب العمال وتلفت انتباه الحكومة والرأي العام.
    • المشاركة في الحوار الوطني: وذلك من خلال المشاركة الفعّالة في الحوار الوطني، إذ يمكن للنقابات أن تكون جزءًا من العملية السياسية وتقديم رؤاها وحلولها للتحديات التي تواجه المجتمع.
  2. ب. دور النقابات في تعزيز الحوار الوطني والمصالحة، من خلال:
    • الجسر بين الأطراف المختلفة، فالنقابات يمكن أن تكون جسرًا بين الأطراف المختلفة في المجتمع، سواء كانت فئات اجتماعية أو سياسية، فمن خلال تشجيع الحوار والتفاهم، يمكن للنقابات أن تسهم في تقليل التوترات والصراعات.
    • الدعوة إلى المصالحة الوطنية وتعزيز السلام الاجتماعي، فمن خلال تنظيم مبادرات ومؤتمرات للمصالحة، يمكن للنقابات أن تسهم في بناء جسور الثقة بين الفئات المختلفة.
    • تقديم حلول عملية ومستدامة للتحديات التي تواجه المجتمع، فمن خلال المشاركة الفعّالة في صياغة السياسات، يمكن للنقابات أن تكون قوة دافعة نحو التغيير الإيجابي.
    • دعم العملية الديمقراطية من خلال تشجيع المشاركة السياسية وحماية حقوق العمال، وهذا يعزز من استقرار النظام السياسي ويشجع على الحكم الرشيد.

وباختصار، يمكن للنقابات أن تكون قوة اجتماعية وسياسية فعّالة في تحقيق التغيير السياسي وتعزيز الحوار الوطني والمصالحة، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وعدالة. استراتيجيات لتعزيز دور النقابات في الانتقال السياسي:

نقترح في المكتب السياسي لـ تيار المستقبل السوري استراتيجيات أربعة لتعزيز دور النقابات في الانتقال السياسي:

  1. بناء القدرات التنظيمية، وذلك عبر توفير برامج تدريبية وورش عمل للعمال والنقابيين لرفع مستوى الوعي بحقوقهم وواجباتهم وكيفية التأثير في العملية السياسية، مع ضرورة تحسين هيكلية النقابات وتعزيز قدرتها على تنظيم العمال وتوحيد جهودهم لتحقيق أهداف مشتركة.
  2. التواصل والتعاون، من خلال بناء التحالفات، وتعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات الأخرى لتحقيق أهداف مشتركة، والمشاركة في الحوارات الوطنية والمفاوضات السياسية لتعزيز دور النقابات كوسيط بين العمال والحكومة وأصحاب العمل.
  3. الضغط السياسي، مثل تنظيم مظاهرات واحتجاجات سلمية للضغط على الحكومة لتحقيق الإصلاحات المطلوبة، واستخدام وسائل الإعلام لنشر الوعي بمطالب العمال والتحديات التي تواجهها النقابات.
  4. المشاركة في صنع القرار، عبر السعي للحصول على تمثيل في اللجان والمجالس الحكومية التي تعنى بصنع السياسات المتعلقة بالعمل والاقتصاد، والمساهمة في صياغة القوانين عبر تقديم مقترحات وتشريعات تسهم في تحسين ظروف العمل وضمان حقوق العمال.
  1. رؤية مستقبلية لدور النقابات في سورية:
    • في ظل التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها سورية، يتعين على النقابات أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة بناء المجتمع وتعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ومن هنا فإننا نقدم رؤية مستقبلية لدور النقابات في سورية يمكن أن تشمل ما يلي:

  1. تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية: تعد النقابات جزءًا أساسيًا من النسيج الديمقراطي لأي مجتمع، ويمكن للنقابات في سورية أن تعزز من دورها في تشجيع المشاركة السياسية من خلال تثقيف العمال بحقوقهم وواجباتهم وتشجيعهم على الانخراط في العملية السياسية، وأن تكون صوتًا قويًا يدافع عن حقوق العمال ويطالب بالإصلاحات السياسية التي تضمن حقوق الجميع.
  2. تحسين ظروف العمل وحماية حقوق العمال: يلعب تحسين ظروف العمل وحماية حقوق العمال دورًا حيويًا في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، حيث تعمل على ضمان توفير بيئة عمل آمنة وصحية، والمطالبة بتحسين الأجور وتأمين الحقوق الاجتماعية مثل التأمين الصحي والتقاعد.
  3. تعزيز الوحدة والتضامن: من خلال تعزيز الوحدة والتضامن بين العمال، يمكن للنقابات أن تقوي موقفها وتزيد من تأثيرها من خلال بناء شبكات قوية من الدعم والمساعدة المتبادلة بين العمال، مما يسهم في تعزيز قوتها التفاوضية.
  4. الضغط من أجل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية: يمكن للنقابات أن تكون قوة دافعة لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تصب في مصلحة العمال والمجتمع بأسره، من خلال الضغط على الحكومات وصناع السياسات، يمكن للنقابات أن تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
  5. المشاركة في الحوار الوطني وبناء السلام: يمكن للنقابات أن تلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز الحوار الوطني وبناء السلام في سورية، من خلال العمل على تحقيق المصالحة والتعاون بين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية، يمكن للنقابات أن تسهم في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وعدالة.

بالطبع، فإن هذه الرؤية تأتي مع تحديات كبيرة، مثل الوضع الأمني والسياسي المتقلب، الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة قد تعيق عمل النقابات وتحد من تأثيرها.
كما إن التحديات الاقتصادية قد تجعل من الصعب على النقابات تحقيق أهدافها وتحسين ظروف العمل.
إضافة إلى أن التغيرات الاجتماعية والهجرة والنزوح قد تؤثر على تركيبة النقابات وتضعف من تماسكها.

ويمكن القول إن النقابات في سورية لديها دور محوري يجب أن تلعبه في المرحلة الانتقالية، ولكن نجاحها يعتمد على قدرتها على التكيف مع التحديات والمستجدات والعمل بروح التضامن والوحدة.

السيناريوهات المحتملة للنقابات السورية في المستقبل:

مستقبل النقابات في سورية يمكن أن يتأثر بالعديد من العوامل والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

لهذا فإننا نرى أن هناك عدة سيناريوهات محتملة لدور النقابات في المستقبل:

  1. السيناريو الإيجابي: التعافي والتطور:
    • في هذا السيناريو، تتمكن النقابات من التعافي والتطور بشكل ملحوظ، ويشمل ذلك تحقيق إصلاحات سياسية تضمن حقوق العمال وتحسن من ظروف العمل، كتحسين الأجور، وتوفير الحماية الاجتماعية، وضمان حق التنظيم والتظاهر السلمي. وأن تساهم النقابات في تعزيز الديمقراطية من خلال تشجيع المشاركة السياسية والتعاون مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، مع تقديم برامج تعليمية وتدريبية للعمال لتحسين مهاراتهم وزيادة الوعي بحقوقهم وواجباتهم.
  2. السيناريو المتحدي (المقاومة والصمود) :
    • في هذا السيناريو، تواجه النقابات تحديات كبيرة، ولكنها تتمكن من الصمود والمقاومة، ويتضمن هذا السيناريو استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية على النقابات مما يعوق قدرتها على تحقيق أهدافها بشكل كامل، والذي قد يجعلها مشغولة في تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات السلمية كوسيلة للضغط على الحكومة والمطالبة بالإصلاحات، بالإضافة إلى بناء التحالفات مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتعزيز القوة التفاوضية للنقابات.
    • السيناريو السلبي (الضعف والانحسار) :
      في هذا السيناريو، تعاني النقابات من ضعف وانحسار دورها، ويشمل ذلك استمرار السياسات القمعية التي تعوق حرية التنظيم والتظاهر، مما يؤدي إلى تراجع تأثير النقابات، ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية، مما يؤثر سلبًا على قدرتها على تقديم الدعم المالي والخدمات الاجتماعية للعمال إضافة إلى انقسام النقابات وضعف الوحدة والتضامن بين العمال، مما يقلل من تأثير النقابات في العملية السياسية.
    • السيناريو الواقعي (التكيف والتحسين التدريجي) :
      في هذا السيناريو، تتكيف النقابات مع التحديات تدريجيًا وتحقق تحسنًا ملموسًا على المدى البعيد، ويتضمن ذلك تحقيق إصلاحات تدريجية تحسن من ظروف العمل وتضمن حقوق العمال، وتطوير علاقة تعاون إيجابية مع الحكومة وأصحاب العمل لتحقيق الأهداف المشتركة، مع زيادة وعي المجتمع بأهمية دور النقابات وتعزيز الدعم الشعبي للنقابات.

خاتمة:

بغض النظر عن السيناريو، ستواجه النقابات في سورية تحديات كبيرة تشمل الوضع الأمني والسياسي المتقلب مما يعيق عمل النقابات وتحد من تأثيرها، والتحديات الاقتصادية قد تجعل من الصعب على النقابات تحقيق أهدافها وتحسين ظروف العمل، مع استمرار الهجرة والنزوح والتي تؤثر على تركيبة النقابات وتُضعف من تماسكها.

وختاماً، إن مستقبل النقابات في سورية يعتمد بشكل كبير على قدرتها على التكيف مع التحديات واستغلال الفرص المتاحة لتعزيز دورها وتحقيق أهدافها.

المكتب السياسي
بلال محي الدين
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

شاركها على:

اقرأ أيضا

المكرم رقم (41) عبد العزيز الدغيم

إننا في تيار المستقبل السوري، وانطلاقًا من جهوده العلمية والأكاديمية، ووقوفه إلى جانب أبناء شعبه في ثورتهم ضد الظلم والطغيان،

19 يونيو 2025

Media Office

سورية بين مفترق المصير ورؤية الخلاص

منذ أواخر القرن الماضي، وسورية تتأرجح بين حلم الدولة الوطنية ومخاطر التفكك الإقليمي والدولي، ومنذ 2011، تحوّلت البلاد إلى ساحة

19 يونيو 2025

Media Office