إعادة بناء الاقتصاد السوري، الاستراتيجيات والفرص

مقدمة:

بعد سنوات من الصراع المستمر، يواجه الاقتصاد السوري تحديات هائلة تتطلب استراتيجيات فعالة لإعادة البناء والتنمية. تتناول هذه الدراسة تحليلًا للتحديات الاقتصادية التي تعترض طريق إعادة بناء سورية، مع التركيز على الفرص المتاحة والاستراتيجيات الممكنة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، سواء من خلال استعراض العوامل المؤثرة، بما في ذلك البنية التحتية المدمرة، والنزوح السكاني، والتحديات السياسية والاجتماعية، وتسعى هذه الدراسة إلى تقديم رؤية شاملة ومتكاملة حول كيفية تحويل هذه التحديات إلى فرص للنهوض بالاقتصاد السوري.
حيث تشير التقارير إلى أن حوالي 30% من البنية التحتية في سورية قد تضررت أو دمرت بالكامل خلال سنوات الصراع، ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هناك أكثر من 6.6 مليون نازح داخليًا في سورية، بالإضافة إلى 5.6 مليون لاجئ سوري في الخارج، بالإضافة لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي لسورية بنسبة تزيد عن 60% منذ بداية الصراع في عام 2011، هذا وقد وصلت معدلات البطالة إلى حوالي 50%، مما يعكس التحديات الكبيرة في سوق العمل السوري، مما أدى إلى أن يعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر، مما يزيد من تعقيد جهود إعادة البناء والتنمية.

عن تقييم الأضرار الاقتصادية في سورية بعد الصراع و التي لحقت بالقطاعات المختلفة:

تسبب الصراع في سورية بأضرار اقتصادية جسيمة طالت مختلف القطاعات من ذلك:

  1. البنية التحتية: تعرضت البنية التحتية في سورية لدمار واسع النطاق، حيث قدرت تكلفة الأضرار في ست مدن رئيسية بحوالي 41 مليار دولار بأسعار عام 2021، وقد شملت هذه الأضرار تدمير الطرق، الجسور، شبكات الكهرباء، والمياه والصرف الصحي.
  2. القطاع الزراعي: كان القطاع الزراعي من أكثر القطاعات تضررًا، حيث فقد العديد من المزارعين أراضيهم ومعداتهم الزراعية، مما أدى إلى انخفاض كبير في الإنتاج الزراعي وزيادة الاعتماد على الواردات الغذائية.
  3. الصناعة: تعرضت المنشآت الصناعية للدمار أو التوقف عن العمل بسبب القتال، ما أدى إلى تراجع كبير في الإنتاج الصناعي وفقدان العديد من الوظائف.
  4. التعليم: تضررت العديد من المدارس والجامعات، ما أثر على جودة التعليم وإمكانية الوصول إليه.
    وتشير التقديرات إلى أن حوالي 2.4 مليون طفل سوري خارج النظام التعليمي بسبب الصراع.
  5. الصحة: تعرضت المستشفيات والمرافق الصحية للتدمير أو الضرر، ما أدى إلى تدهور الخدمات الصحية وزيادة معدلات الأمراض والوفيات.
  6. الناتج المحلي الإجمالي: انخفض الناتج المحلي كما مر سابقا الإجمالي لسورية بنسبة تزيد عن 60% منذ بداية الصراع، مما يعكس حجم التدهور الاقتصادي الكبير.

لهذا ستكون هذه الأضرار متطلبة جهودًا كبيرة لإعادة البناء والتنمية، مع التركيز على استراتيجيات فعالة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

استراتيجيات إعادة الإعمار والتمويل الممكنة:

إعادة إعمار الاقتصاد السوري بعد سنوات من الصراع تتطلب استراتيجيات شاملة ومتكاملة، بالإضافة إلى مصادر تمويل متنوعة. أهم هذه الاستراتيجيات الممكنة:

  1. إعادة بناء البنية التحتية: يجب التركيز على إعادة بناء البنية التحتية الأساسية مثل الطرق، الجسور، شبكات الكهرباء، والمياه والصرف الصحي، حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال التعاون مع المنظمات الدولية والدول المانحة، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات الخاصة في مشاريع البنية التحتية.
  2. تحفيز القطاع الزراعي: يعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات الاقتصادية في سورية، حيث يمكن تعزيز هذا القطاع من خلال توفير الدعم للمزارعين، تحسين أنظمة الري، وتقديم البذور والمعدات الزراعية. وهذا سيساهم في تحقيق الأمن الغذائي وزيادة الإنتاجية الزراعية.
  3. تشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي: يجب خلق بيئة استثمارية جاذبة من خلال تحسين القوانين واللوائح، وتقديم حوافز ضريبية، وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات. حيث يمكن أن يلعب السوريون في الخارج دورًا مهمًا في هذا السياق من خلال استثمار أموالهم وخبراتهم في إعادة بناء الاقتصاد.
  4. تنويع مصادر التمويل: يمكن تمويل مشاريع إعادة الإعمار من خلال القروض الدولية، المساعدات الخارجية، والاستثمارات الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إنشاء صناديق سيادية لإدارة الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز بشكل شفاف ومستدام.
  5. إصلاح النظام التعليمي والصحي: يجب إعادة بناء المدارس والمستشفيات وتوفير الخدمات الأساسية للسكان، حيث سيساهم ذلك في تحسين جودة الحياة وزيادة الإنتاجية الاقتصادية على المدى الطويل.
  6. تعزيز الحوكمة والشفافية: يجب مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد والمشاريع، حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء مؤسسات رقابية مستقلة وتطبيق قوانين صارمة لمكافحة الفساد.
  7. الاستفادة من الموقع الجغرافي: يمكن لسورية الاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي لتعزيز التجارة الإقليمية والدولية، حيث يمكن تطوير الموانئ وشبكات النقل لجعل سورية مركزًا لوجستيًا في المنطقة.

نرى أن هذه الاستراتيجيات تتطلب تعاونًا دوليًا ومحليًا وجهودًا مستمرة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي المستدام في سورية.

دور المساعدات الدولية والاستثمارات الأجنبية:

تلعب المساعدات الدولية والاستثمارات الأجنبية دورًا حيويًا في إصلاح الوضع الاقتصادي السوري بعد الصراع.

  • أولاً: المساعدات الدولية، حيث قدمت المنظمات الدولية مساعدات إنسانية كبيرة للسوريين، بما في ذلك الغذاء والمأوى والرعاية الصحية. هذه المساعدات كانت ضرورية لتخفيف معاناة السكان المتضررين من الحرب. كما تساهم المساعدات الدولية في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، مثل المدارس والمستشفيات والطرق. هذا يعزز من قدرة البلاد على التعافي الاقتصادي.
  • وأما ثانياً: الاستثمارات الأجنبية، حيث يمكن للاستثمارات الأجنبية أن تساهم في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاجية للمساعدة في تحسين مستوى المعيشة للسكان المحليين، كما تسهم في نقل التكنولوجيا والمعرفة الفنية إلى سورية مما يعزز من قدرات القطاعات المختلفة مثل الصناعة والزراعة.
  • ثالثاً: التحديات من استقرار سياسي ووجود بيئة سياسية مستقرة وآمنة، ورفع العقوبات المفروضة على سورية التي تعيق تدفق الاستثمارات والمساعدات.

وبشكل عام، يمكن للمساعدات الدولية والاستثمارات الأجنبية أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة بناء الاقتصاد السوري، بشرط توافر الظروف السياسية والأمنية المناسبة.

التحديات التي تواجه الاقتصاد:

تواجه سورية العديد من التحديات الاقتصادية الداخلية والخارجية بعد نهاية الصراع بيننا وبين نظام بشار الأسد، حيث تنقسم هذه التحديات إلى نوعين:

النوع الأول: التحديات الداخلية:

  1. خسائر الحرب: حيث تُقدر تكلفة الصراع في سورية بأكثر من 500 مليار دولار، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، كما تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة 70% بسبب تدمير المصانع والبنية التحتية، وانخفض الإنتاج الزراعي بنسبة 60% نتيجة لتدمير الأراضي الزراعية ونقص المياه.
  2. التضخم وانهيار العملة: ارتفعت معدلات التضخم إلى أكثر من 200%، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين، كما فقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها منذ بداية الصراع.
  3. الفساد وسوء الإدارة: حيث تحتل سورية مرتبة متقدمة في مؤشرات الفساد العالمية، مما يؤثر سلباً على الاستثمارات والنمو الاقتصادي.
    النوع الثاني: التحديات الخارجية:
  4. العقوبات الاقتصادية: فقد فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على سورية، مما أدى إلى تقييد التجارة والاستثمارات الأجنبية.
  5. إعادة الإعمار: تقدر تكلفة إعادة إعمار سورية بأكثر من 400 مليار دولار، وهو تحدي كبير في ظل نقص التمويل والدعم الدولي.

نرى أن هذه التحديات وغيرها تتطلب جهوداً كبيرة من الحكومة السورية والمجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وإعادة بناء البلاد.

الفرص المتاحة للنمو الاقتصادي في المستقبل:

رغم التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد السوري، هناك بعض الفرص المتاحة للنمو الاقتصادي في المستقبل:

  1. إعادة الإعمار، حيث تقدر تكلفة إعادة إعمار سوريا بأكثر من 400 مليار دولار، مما يفتح الباب أمام فرص استثمارية كبيرة في قطاعات البناء والبنية التحتية، كما يمكن لمشاريع إعادة الإعمار أن تساهم في خلق آلاف فرص العمل، مما يساعد في تقليل معدلات البطالة وتحسين مستوى المعيشة للسكان المحليين.
  2. الزراعة، إذ يمكن للاستثمارات في التكنولوجيا الزراعية وتحسين إدارة الموارد المائية أن تساهم في زيادة الإنتاجية الزراعية، مما يعزز من الأمن الغذائي ويقلل من الاعتماد على الواردات، كما يمكن لسورية أن تستفيد من موقعها الجغرافي لتصدير المنتجات الزراعية إلى الأسواق الإقليمية والدولية، مما يعزز من العائدات الاقتصادية.
  3. الطاقة، إذ يمكن للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح أن يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحسين الاستدامة البيئية، كما يمكن لاستغلال الموارد النفطية والغازية في سورية أن يساهم في تعزيز العائدات الاقتصادية وتوفير الطاقة اللازمة لإعادة الإعمار.
  4. السياحة، يمكن لإعادة تأهيل المواقع السياحية التاريخية والطبيعية أن يساهم في جذب السياح وزيادة العائدات السياحية، كما يمكن لسورية أن تستفيد من تاريخها الغني وثقافتها المتنوعة للترويج للسياحة الثقافية والدينية، مما يعزز من الاقتصاد المحلي.
  5. التكنولوجيا والابتكار، يمكن للاستثمارات الأجنبية أن تساهم في نقل التكنولوجيا والمعرفة الفنية إلى سورية مما يعزز من قدرات القطاعات المختلفة مثل الصناعة والزراعة، كما يمكن لدعم ريادة الأعمال والابتكار أن يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي.

خاتمة:

في الختام، يمكن القول إن الاقتصاد السوري يقف على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص بعد نهاية عهد الأسد. تتطلب هذه المرحلة جهودًا مكثفة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، واستعادة القطاعات الإنتاجية، وتحسين مستوى المعيشة للسكان، وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة، فإن هناك فرصًا واعدة يمكن استغلالها، مثل الاستفادة من الكوادر البشرية الماهرة، وجذب الاستثمارات العربية والدولية، وإدارة الموارد النفطية بشكل فعال.
إن تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي سيكون مفتاح النجاح في هذه المرحلة، حيث يتطلب الأمر وضع سياسات اقتصادية واضحة وشفافة، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، بالإضافة إلى تعزيز العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وبفضل هذه الجهود يمكن لسورية أن تتجاوز آثار الحرب وتبني مستقبلًا مشرقًا لأجيالها القادمة.
هذا ونُشدد هنا على التوصيات التي ذكرناها في الدراسة السابقة المنشورة عبر موقعنا الرسمي، والمعنونة بـ العقوبات التكنولوجية على سورية، المرض الصامت.

المكتب الاقتصادي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري

المراجع:

  1. فرص وتحديات.. ما مستقبل الاقتصاد السوري بعد الأسد ومتطلباته للتعافي ….
  2. تحديات المرحلة الانتقالية والهوية الاقتصادية في سوريا الجديدة.
  3. سورية ما بعد الأسد: خريطة القوى والتحديات والدور العربي المُنتظَر.
  4. Growth in Syria: Losses from the War and Potential Recovery in the ….
  5. Market Research In Syria | SIS International Research.
  6. BTI 2024 Syria Country Report.
  7. دراسة حول الأزمة السورية2011-2022) والصراع الإقليمي والدولي في ….
  8. ما الذي ينتظر الاقتصاد السوري المنهك في مرحلة ما بعد الأسد؟.
  9. الاقتصاد السوري بعد سقوط بشار الأسد.. رؤية مستقبلية لقطاع العملات والمعيشة.
  10. م ع ك التقرير الاقتصادي الأسبوعي التخصصي رقم 494/2024، المقالات ….
  11. العقوبات التكنولوجية على سورية، المرض الصامت.
شاركها على:

اقرأ أيضا

أزمة السيولة والإصلاح الهيكلي: قراءة فلسفية لتحوّل الاقتصاد السوري بعد سقوط الأسد ورفع العقوبات

المقدمة: شهد المشهد السياسي السوري تحولات جذرية في السنوات الأخيرة مع سقوط النظام البائد وتمهيد الطريق لمرحلة تحوّلية جديدة، تميزت

22 يونيو 2025

Research Team

حول اعتقال وسيم الأسد

تيار المستقبل السوري يرحّب بإعلان وزارة الداخلية عن إلقاء القبض على المدعو وسيم الأسد، يوم السبت 2025/06/21م، وهو أبرز المتورطين

22 يونيو 2025

Media Office