المكتب الإعلاميمكتب شؤون الأسرة

الأطفال المُتسرِّبون عن مقاعد الدِّراسة، المشكلة والحلول

مقدمة:
يشترك الوضع السوري في الداخل السوري ودول الجوار لسورية بموضوع تسرّب الأطفال عن مقاعد الدراسة، وتذهب إحصائياتٌ كثيرةٌ لتقدير عددهم بالملايين، بحيث تكون حصَّة الشمال السوري وحده قرابة ربع مليون طفل سوري متسرب عن مقاعد الدراسة!
هذه الأرقام ليست مجرد أعدادٍ نمرُّ عليها ضمن المواقع الإخبارية وحسب! متجاهلين أنها ترسم مستقبل جيل سورية القادم، بل هي أرقامٌ لأطفال كانت وما زالت ظروف أسرهم المادية والمعاشية، وظروف أخرى، سبباً مباشراً أو غير مباشر لهذا الواقع المرير والمؤلم، وهنا مكمن الخطورة بعينه.
إننا في مكتب الأسرة لِ تيار المستقبل السوري، نحاول فتح هذا الملف لتوجيه النظر إلى خطورته، مع دراسة أسبابه، ووضع اقتراحات لحل تلك المعضلة الشائكة.
وعلى العموم فبالإمكان القول أن هذا الدراسة اعتمدت على معطيات من الواقع من خلال (1) التواصل و (2) العمل مع أبناء الأرض أنفسهم، وذلك عبر عمل استبياناتٍ محدودةٍ ومختصرة، ولقاءاتٍ متنوعة، وتواصل مع عدد من الناشطين بالحقل التعليمي، وجهدٍ مباشرٍ ضمن مراكزنا التعليمية هناك، ولذا فإننا نراه جهداً مشتركاً لنا مع الجميع، ونتمنى مِن كلِّ مَن له مساهمةٌ في هذا الجانب، ووجد إضافة تُغني الدراسة أو تصويباً لها، أن يُدليَ بدلوه معنا، لنوجه الرؤية نحو المرض بشكل دقيق، ونصف العلاج له بشكل صحيح، وليستفيد من ذلك كلُّ مَن لهُ بهِ حاجة، فما نحن إلاّ إخوةُ هدفٍ واحدٍ، وهو يتمثل في: رفع الظلم والظلام عن شعبنا، وبناء جيلٍ سليم يكون دعامة الحاضر لنهضة المجتمع، وبناء الوطن.

تسرَّبوا!
لا شك أن نسبة التسرُّب المدرسي بعد الحرب في سورية زادت بشكل كبير عما كانت عليه قبلها، والسبب تدمير النظام السوري للبنية المجتمعية، قبل تدميره للمدارس، وقتله للمدرسين، لهذا كانت الحرب السبب الأول وبل الأعمق والأخطر في تسرُّب الأطفال عن مدارسهم وتعليمهم، وهناك أسباب أخرى يمكن إجمالها بما يلي:
1- ضعف الكادر التعليمي خصوصاً في المدارس الحكومية أو العامة المجانية، لاعتبارات كثيرة لعل أهمها:

  • التوظيف بالواسطة وليس بالكفاءة، وهذا المرض لا يستغرق الجانب التعليمي فقط، بل كل مفاصل المجتمع في مناطق سورية الأربعة (والتي تعرّضنا لذكرها في دراسةٍ سابقةٍ عن قسم البحوث والدراسات التابع لمكتبنا العلمي)
  • ضعف رواتب المُدرِّسين، ما جعل معظمهم يستغني عن العمل كموظفٍ في قطاع التعليم.
    2- غيابُ الخطط التعليمية الرشيدة، وعدم الاستفادة من أنواع التعليم الحديث والمتطور، والاهتمام بتدجين طلاب، أشبه ما يكونوا بِ “مُسجلات زمنية”، فلا ينقضي العام الدراسي حتى يغيب أثر التعليم، إضافة إلى الاستمرار باتباع منهج تعليمي غير مرن مع الأطفال، ولا يتناسب مع أعمارهم أو مع قدراتهم.
    3- الفقر المدقع، وهو ما منع الأهل من إرسال أطفالهم للمدارس، ودَفعِهِم للعمل في الزراعة، وربما التسوُّل، و رفد عمالة الأطفال بعمَّال جدد كل عام بحثاً عن اكتفاء الأسرة اقتصادياً.
    4- الضمان الأسري، مع غياب فكرة الضمان في بلاد تسودها الحرب، ويستغرقها الفقر، أصبح تكثير إنجاب الأطفال، وإرسالهم للعمل صغاراً عاملَ ضمانٍ اقتصاديٍ من جهة، وضمان شيخوخة للأهل من جهة ثانية، وهكذا دواليك حتى تكثر فكرة تكثير الأطفال ليحملوا أعباء ذويهم الاقتصاديّة، وليس العكس! مع أن هذه الفكرة فيها جانب أخلاقي أسري، ولكنها تُحيل إلى تسرُّب الأطفال عن مقاعد دراستهم، والتحاقهم بسوق العمل الذي يجلب المال السريع.
    5- ازدياد أعداد الأيتام ممن فقدوا ذويهم بسبب ظروف الحرب القاسية على مدار عقدٍ من الزمن أو يزيد، بالإضافة لجائحة الزلزال المدمّر والذي ضرب كلاً من شمال سورية وجنوب تركيا، مخلِّفاً وراءه أعداد إضافية من الأيتام.
    6- العادات البالية التي لا زالت موجودة في بعض مجتمعاتنا لدى بعض الأسر، والقاضية بإهمال التعليم، واللامبالاة بأثره وقيمته، وبالتالي يتوارث الأطفال طبيعة أعمال أهلهم وعملهم، فيستمرون في حياتهم دون تعليم، إلاَّ تعلُّمِ بعض الأبجديات كما يقال، وأما الفتيات فلهن نصيب الضِّعف من الإهمال، فالمرأة عندهم مردُّها لبيت زوجها، الأمر الذي سبب أيضاً حالات زواج مبكر لهنَّ بدل دراستهنَّ! (وقد ناقشنا الأمر بدراسة خاصة صدرت من قسم البحوث والدراسات التابع لمكتبنا العلمي).

يسألونك عن الحل، قل:
يبقى الحل القريب والأسرع والأجدى هو في وقف الحرب، وتطبيق مقررات الأمم المتحدة 2254، وقيام نظام حكم جديد، مع حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة لمرحلةٍ تُتَوَّجُ بقوانين تُستمدُّ من جوهر الأديان وعمادها الأخلاق، وما بلغته الدول المتحضرة في كافة المجالات ومنها الاهتمام بالأطفال وتحصيلهم العلمي، ولذلك الحين فإننا مضطرون للنظر إلى الواقع بواقعيّةٍ، ولنحاول إيجاد بعضها:
1- دعم المدارس المجانية بكل مصادر الدعم من قبل سلطات الأمر الواقع، ومن قبل المموّلين، ورجال الأعمال، وأهل الإحسان والبذل، وكذلك المنظمات المعنية بذلك، هذا الدعم يشمل كل مناحي التعليم المجاني، منها:

  • رفع أجور المعلمين، ووضع خطط استثنائية باستقبال المدرسين الأكفَّاء، ولو لم نستطع تجاوز الوساطات والمحسوبيات! ولكن المهم أن يكون المدرِّس مفيداً لأطفالنا.
  • دعم المؤسسات الفكرية المهتمة بالمناهج التعليمية، والتواصل مع مؤسسات مهمتها الاستفادة من مناهج تعليم الدول المتقدمة للاستفادة من خبراتهم.
    2- صناعة كادر تدريسي قوي خاصةً بالمراحل التأسيسية من صفوف المرحلة الابتدائية إلى مرحلة الثانوي.
    3- توجيه رجال الأعمال للاستثمار بقطاع التعليم الجيد والرشيد، ورفده بكل التسهيلات السياسية والقانونية والمجتمعية.
    4- نشر التوعية بأهمية التعليم للأطفال ذكوراً ونساء عبر الاستفادة من:
  • حضِّ رجال الدعوة وعلماء الدين من المتنورين للحض على التعليم وفضله دينياً.
  • المؤسسات الحكومية والدولية المهتمة بالطفولة.
  • الإعلام ومنصات السوشل ميديا بكل أشكالها ووسائلها.
    5- سن قوانين تمنع الأسر من تسريب الأطفال من التعليم المدرسي، مع مراعاة عامل الحرب، واختيار أساليب التدرج معها في الاقناع والتصحيح.
    6- تشجيع الأطفال على الدراسة عبر الهدايا والتحفيزات والمسابقات، ووضع جوائز كبيرة للمتفوقين تعطي للتعليم قيمة مادية مع قيمتها المعنوية.
    7- تفعيل مفهوم (أوقاف المدارس)، وجعلها باباً من أبواب الزكاة، حتى نصل إلى مرحلة رصد رواتب معتبرة لكل أستاذٍ وطالب، مع تمييز المتفوقين بالمِنَحِ الأعلى، والمبادرات المدعومة بالمنح التعليمية للمتفوقين، بشكل يدفع الأسر وأطفالهم، والمدرّسين والكادر التعليمي للتفوق والابداع، وتفرغ المعلّم للتعليم، والطلاب للدراسة، وجعل تلك الفكرة من أولويات الدعوة المدنية والمجتمعية.

خاتمة:
إننا في تيار المستقبل السوري ننظر لأطفالنا باعتبارهم حاضر سوري، وجسر مستقبلها، ولهذا أولينا منذ انطلاقتنا للعمل في العمق السوري، عناية فائقة بالأطفال المتسربين من مقاعد الدراسة وخاصةً الأيتام منهم، فأسسنا مركزين تعليميين اثنين (كخطوةٍ أولى)، في كلٍّ من مدينتي اعزاز وعفرين في الشمال السوري، وأطلقنا عليها اسم: مدارس “تواد التعليمية”، ولتكونا نواة مشروع وطني كبير نحلم به في تيار المستقبل السوري، يكون منطلقهُ: حصر عدد الأطفال السوريين من المتسربين عن مقاعد الدراسة، وتقديم ما يلزم لهم من وسائل الدَّعم المريح، والمُسهِّل لتحصيلهم العلم، وتلقّيهم ما تحتاجونه بالتوازي من تربيةٍ وصقلٍ للشخصية المتَّزنة والواعية، بالإضافة لاستمرار تقديم محاضراتٍ للأهل وذوي الأطفال من خلال متخصصين تربويين لتبيان أهمية العلم والتعلُّم، وضرورة تسلُّح أبنائهم بذلك لتحصينهم من أن يكونوا تربةً خصبةً لأمراض المجتمع المتعددة.
ولهذا فإننا نوضح ما يلي:

  • تيار المستقبل السوري يمد يده إلى كلِّ من يريد العمل في هذا الثغر العزيز والاستراتيجيِّ، ونحن مستعدون لمشاركة تجربتنا مع من يريد تنميتها وطنياً.
  • تيار المستقبل السوري مستعدون للتنسيق والتعاون مع أي جهة تحمل هم مساعدة أطفالنا المتسربين عن مقاعد الدراسة في سورية بالداخل، ودول الجوار واللجوء، طالما أن مشاريعنا متشابهة الخطط، وواضحة المعالم والتوجهات.
  • تيار المستقبل السوري يحضُّ المموِّلين والمنُفقين لدعم مشاريع التَّعليم كافة، وخاصة مشاريع تعليم أطفالنا المتسربين عن مقاعد الدراسة لإلحاقهم بركب العلم والتعلُّم، لما في ذلك من منفعة مجتمعيّةٍ واضحةٍ وبيِّنَةٍ لا لبس فيها.

المراجع:
318 ألف متسرب من الدراسة.. معظم الأطفال في الشمال السوري يتجهون للعمل | سياسة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
بعد 10 سنوات من النزاع في سوريا: يحتاج 90٪ من الأطفال إلى الدعم إذ يدفع العنف والأزمة الاقتصادية وجائحة “كوفيد-19” العائلات إلى حافة الهاوية – اليونيسف (unicef.org)
الأزمة السورية: حقائق سريعة | UNICEF الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
عشر سنوات من الحرب في سوريا، وأكثر من نصف الأطفال لا يزالون محرومين من التعليم (unicef.org)
تسرب التلاميذ في سوريا ـ ظاهرة يفاقمها الفقر والعادات وغياب تفعيل القانون | ثقافة ومجتمع| قضايا مجتمعية من عمق ألمانيا والعالم العربي | DW | 21.02.2010
ظاهرة التسرّب المدرسي في سورية… قبل الحرب وبعدها | Laha Magazine
إسرائيل: التسرّب المدرسي إلى ارتفاع (alaraby.co.uk)
إنهاء بناء وتجهيز الفرع (2) لـِ سلسلة مدارس “تواد” التابعة لـِ المكتب العلمي لِـ تيار المستقبل السوري. – تيار المستقبل السوري (sfuturem.org)

بقلم رئيس تيار المستقبل السوري
الدكتور زاهر بعدراني
مكتب الأسرة
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى