إبراهيم مصطفىالمكتب الإعلاميالمكتب العلميدراساتدراسات إعلاميةقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيار

الواقع الاعلامي السوري خارج سيطرة النظام السوري

الإعلام حالةٌ من التفاعل البشري الذي يتولى مسؤوليّة نشر الأخبار وإيصال المعلومات للأفراد، وتختلف في ملكيّتها، بين عامة أو خاصة أو تابعة لكيان رسمي أو غير رسميّ، وكما ويقدم الإعلام مواضيع مختلفة للجمهور، على رأسها الأخبار، والترفيه والتسليه، وغيرها من المعلومات والمواضيع التي تهم الفرد والمجتمع، ولا يخفى انتشار رقعة الإعلام في الآونة الأخيرة، خاصة مع ظهور الثورة الرقمية.

أهمية الاعلام في الساحة السورية:
الإعلام أحد أهم الأدوات لنقل معاناة الشعب السوري، والتعبير عن مطالبه وحقوقه.
ويلعب الإعلام دوراً حيوياً في توثيق وتوعية وتحريض وتنظيم وتأثير وتغيير الواقع السوري، كما وهناك بعض النقاط المهمة التي يصنعها الاعلام منها:
• توثيق الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها النظام السوري وحلفاؤه ضد الشعب السوري، وإبراز الضحايا والشهداء والجرحى والمعتقلين والمهجرين واللاجئين والمفقودين والمنسيين.
وبذلك يشكّل الإعلام أرشيفاً تاريخياً وقانونياً وإنسانياً لأحداث الثورة السورية، وما تعرض له السوريون من مآسٍ وظلم وقهر.
• توعية الشعب السوري والعالم بالوضع السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والصحي والبيئي في سوريا، وبالقضايا والتحديات والفرص والمخاطر التي تواجهها. وبالمقابل نشر المعلومات والمعارف والخبرات والآراء والأفكار والمبادرات والحلول والابتكارات التي تساهم في تنوير وتثقيف وتمكين وتطوير الشعب السوري والمجتمع الدولي.
كما وإن أعظم دور للإعلام يكمن في تعزيز الحوار والتفاهم والتعاون والتضامن والتكامل بين السوريين من جانب، وبين السوريين والعالم من جانب آخر.
• تحريض الشعب السوري والعالم على النضال ونشر القيم والمبادئ والأهداف والرؤى والأحلام التي ينشدها الشعب السوري. وذلك من خلال تحفيز وتشجيع وتقوية الشعب السوري، والعالم، لمناصرة الثورة السورية ودعمها ومساندتها وحمايتها وإنجاحها.
• تنظيم الشعب السوري، والعالم، على شكل هيئات ومنظمات ومؤسسات وحركات فاعلة بشكل أو بآخر.

أنواع الإعلام الراهن في سورية:
هناك أنواع مختلفة من الإعلام، تختلف حسب الشكل والمحتوى والجمهور، ولعل بعض الأنواع الشائعة من الإعلام السوري:
• الإعلام المطبوع: وهو الذي يستخدم الورق والحبر والطابعة لعرض المعلومات، مثل الصحف والمجلات والكتب والمنشورات.
هذا النوع من الإعلام يعتبر قديماً وتقليدياً، لكنه لا تزال له أهمية ومصداقية في المجتمعات، ومنها: صحيفة “عنب بلدي” الأسبوعية التي انطلقت من مدينة داريا بريف دمشق، ومجلة “أوكسجين” في الزبداني بريف دمشق الغربي، و”حبر” و”زيتون”، و”سوريتنا” و”طلعنا عالحرية” التي تتبع لجان التنسيق المحلية، وصحيفة “عين المدينة”، “صدى الشام”، و”كلنا سوريون”، و”رؤية سورية”، و”الغربال”، و”حنطة”، و”طيارة ورق”.، ووصلت أعداد صحف ومجلات الإعلام البديل التي صدرت خلال الفترة ما بين أيار 2011، ومطلع 2020، في الداخل السوري ودول اللجوء، خصوصاً تركيا، إلى أكثر من 360 صحيفة ومجلة مطبوعة ورقياً، وإلكترونية مصممة بقالب طباعي، ويحتفظ موقع “أرشيف المطبوعات السورية”، بأعداد لـ 304 صحيفة ومجلة، ولكن للأسف لم يبق منها سوى 12 ما تزال نشطة حتى اليوم، بعضها بصورة متقطّعة.
• الإعلام المرئي: وهو الذي يستخدم الصورة والصوت لعرض المعلومات، مثل التلفاز والسينما والفيديو، والأفلام، هذا النوع من الإعلام يعتبر حديثاً ومتطوراً، ويجذب الكثير من الجماهير بسبب قوة تأثيره وتنوعه، منه: “تلفزيون سورية”، و “قناة أورينت”، التي أغلقت محطتها وانتقلت لمواقع التواصل الاجتماعي، وسيتم ايقافها بداية سنة 2024م، كما وقد ظهر أكثر من عشر قنوات معارضة للنظام، جميعها تبث من خارج البلاد، مثل قناة “الجسر” التي كانت تسمى قناة “دير الزور”، و”سورية 18 آذار”، و”سورية الغد”، والثلاثة أغلقوا. وقناة “شدا الحرية”، و”السوري الحر”، بالإضافة إلى قناة “سوريا الشعب”، التي أُغلقت بعد ثلاث سنوات لأسباب عدَّة من ضمنها غياب الدعم وأمور أخرى تتعلق بالسياسة التحريرية، وقناة “شامنا”، التي لم تستمر طويلًا أيضاً لغياب الدعم، وقناة “بردى”، التي كانت تتمتع بدعم غربي، وكان ظهورها منذ ما قبل الثورة السورية، إلا أنها أُغلقت كذلك.
وتوجد اليوم قناة “حلب اليوم”، التي بدأت بثها في نهايات 2011 من داخل مدينة حلب سراً بالتعاون مع شركة بث فضائي خارج سورية، قبل أن يصبح مقرها لاحقاً في غازي عنتاب التركية.
• الإعلام السمعي: وهو الذي يستخدم الصوت فقط لعرض المعلومات، مثل الراديو والمذياع والبودكاست.
هذا النوع من الإعلام يعتبر متوسطاً بين الإعلام المطبوع والمرئي، ويناسب الناس الذين يفضلون الاستماع عن القراءة أو المشاهدة، مثل “راديو الكل”، و”أورينت”، و”روزنا”، و”بداية جديدة”، و”نسائم” و”سمارت” و”وطن” و”ألوان” وغيرها.
• الإعلام الإلكتروني: وهو الذي يستخدم الإنترنت والتكنولوجيا لعرض المعلومات، مثل المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتطبيقات والمنتديات.
هذا النوع من الإعلام يعتبر أحدث وأسرع وأوسع وسيلة إعلامية، ويتيح للناس المشاركة والتفاعل والحصول على المعلومات بسهولة وسرعة.
مثل موقع “كلنا شركاء”، وموقع “روزنة”، وموقع “الحل”، ووكالة “آباء”، “الدرر الشامية”، وصحيفة “نبض المحرر”، وغيرها.
• الإعلام الشخصي: من خلال صفحات لإعلاميين عبر برامج التواصل الاجتماعي، والتي قد تفوق مشاهداتها جميع وسائل الاعلام التقليدية، لأنها تحاكي الجمهور بشكل أوسع، يمكن التمثيل عليها:
1- صفحات النشطاء في الداخل مثل (هادي العبدالله)، و (جميل الحسن)، و غيرهما.
2- الصفحات للنشطاء في الخارج مثل: ( نضال معلوف)، و (مشعل العدوي)، و ( كمال اللبواني)، و (ماهر شرف الدين)، و (سمير متيني) وغيرهم.
• صفحات التلجرام: والتي تعتبر موردا هاما لنقل الاخبار والإشاعات عبر مجموعات ضخمة وشخصيات متفاعلة مع الواقع السوري منها “كابوس جرابلس”، و “أس الصراع في بلاد الشام”، و “طاهر العمر”، و “من ادلب”، و “مزمجر الثورة السورية”، و “أبو هادي”، و غيرها.

الصعوبات:
ولم تتوقف الانتهاكات بحق الإعلاميين عند النظام السوري وقواته فحسب، بل يتم استهدافهم من قبل مختلف التنظيمات والقوى المسيطرة في الداخل السوري.
إذ وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ارتقاء نحو 695 من الكوادر الإعلامية، ومن بينهم صحفيون أجانب في الفترة ما بين 15 آذار 2011، وبداية شهر أيار 2019.
حيث وقع العدد الأكبر للضحايا على يد النظام السوري، والميليشيات المحلية، والأجنبية، المساندة له! (546 إعلامياً)، ليأتي تنظيم “الدولة” (داعش) في المرتبة الثانية بـ (64)، ويتوزّع الباقي بين القوات الروسية، و”هيئة تحرير الشام”، و”قوات سوريا الديموقراطية/ قسد”، وفصائل المعارضة السورية.
أما بالنسبة لـ “هيئة تحرير الشام”، فمنذ إتمام سيطرتها على إدلب (2015)، ولغاية مطلع 2020، فقد كثرت أنباء احتجاز أو اختطاف النشطاء الإعلاميين في مناطق سيطرتها، ناهيك عن مسؤوليتها المباشرة في اغتيال عدد من الإعلاميين البارزين في ريف إدلب، مثال ما حصل مع رائد الفارس، وزميله محمود جنيد، وإعدامهم للمحتجز لديهم، الناشط سامر السلوم.
وتدريجياً، بدأت تتراجع تلك الحالات بعد 2020 نظراً لتحكّم “الهيئة” وواجهتها المدنية “حكومة الإنقاذ”، بمختلف أشكال الإعلام في مناطق سيطرتهم.
كما تشهد مناطق سيطرة “قسد” العديد من الانتهاكات جراء قمعها لكل من يعارض سياستها من الصحفيين، وتعرض الكثير منهم للاحتجاز والاختفاء القسري، والأمثلة على ذلك كثيرة، من بينها ما حدث خلال عام 2022، سواء مع الصحفي أحمد صوفي مراسل شبكة “ARK” في شباط، وتعليق ترخيص عمل الشبكة الإعلامية في مناطق سيطرة “قسد” في شهر آب من نفس العام، بالإضافة إلى اعتقال 16 صحفياً في الرقة في تموز 2022.
ولم يكن الوضع في المناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني السوري” أقل سوءاً من المناطق السالفة، ولعل حادثة اغتيال الإعلامي حسين خطّاب، ومحاولة اغتيال مراسل تلفزيون سوريا بهاء الحلبي في مثل هذا اليوم من عام 2021، بالإضافة إلى اغتيال الناشط محمد أبو غنوم مع زوجته الحامل في تشرين الأول الماضي، من بين أفظع حالات استهداف الإعلاميين في شمال غربي سورية.
وحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2022م، والذي نشرته منظمة “مراسلون بلا حدود”، فقد حلّت (سورية) في المرتبة 171 من بين 180 دولة، متقدمة بمرتبتين عن تصنيف العام 2021، وأشارت مراسلون بلا حدود إلى أن نحو “ثلث الإعلام المستقل والمعارض حالياً موجود في المنفى.

خاتمة:
يظهر من كل ماسبق أهمية وضرورة الإعلام، بل وخطورته، وخطره على إظهار حالات الفساد، وكشف سلطات الأمر الواقع، إضافة إلى أن مناطق النظام السوري تعتبر الأكثر تضييقا على الاعلام والاعلاميين.
ولعل التضييق والتجفيف بات يظهر جلياً لوكالات الإعلام والقنوات المنهجية غير الشخصية، والتي تخضع لعمل مؤسساتي، الأمر الذي يعتبر خطيراً من ناحية طمس رغبة الشعب السوري بالتحرر، ولصوته المطالب بالعدالة! فالصفحات الإعلامية (الشخصية) مهما بلغت من وزن فإنها لن تصل لأهمية وضرورة وجود مؤسسات إعلامية متنوعة تنقل صورة الواقع السوري بكل اتجاهاته وتوجهاته.

لهذا فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي بضرورة إيلاء الواقع الإعلامي الثوري (الحالي) أهميةً قصوى، مع ضرورة المحافظة على التنوع الإعلامي والذي يفرض سياق التنافس والتكامل، الأمر الذي يدفع نحو التغيير والإصلاح الناعم ضمن خطط استراتيجيةٍ مدروسة.

المراجع
عمر ادلبي, الاعلام في سورية, تحديات الواقع والمستقبل, مركز حرمون.
عباس علي موسى, العمل الاعلامي في شمال سورية, 2017م, مركز حرمون.
محمد جودت ناصر (1998)، الدعاية والاعلان والعلاقات العامة (الطبعة الأولى)، عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، صفحة 15

أرشيف المطبوعات السورية – مكان واحد للمطبوعات السوريةأرشيف المطبوعات السورية (syrianprints.org)
“مراسلون بلا حدود”: الصحفيون في سوريا يئنون تحت أهوال الحرب (syria.tv)
الإعلام السوري المعارض: تجربة جديدة وتحديات كبيرة – My CMS (syrianpc.com)
من براثن السلطة إلى المنفى: الإعلام السوري وتحولاته (2000- 2023) (syria.tv)

ابراهيم مصطفى
باحث في قسم البحوث والدراسات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى