دول الخليج العربي وسورية، إلى أين؟
اتخذت دول الخليج العربي في بداية الثورة السورية مواقف متفاوتة منها بشكل عام، حيث مرّ الموقف الخليجي من الثورة السورية ضمن ثلاث تحولات أو منعطفات:
تميّز الأول بالدعوة إلى الإصلاح والحوار، ثم تقديم حلٍّ عربي، ثم نزع الشرعيّة عن الأسد ودعوته إلى التنحّي، ثم المطالبة بالتدّخل الدولي وتسليح المعارضة السورية.
قاد آنذاك جهود اللجنة العربية لحلّ الأزمة السورية “الشيخ حمد بن جاسم” رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها، حيث كانت العلاقات بين قطر وسورية تشكل علاقة تحالف إستراتيجي، بينما لوحظ تراجع في العلاقة بين سورية والسعودية بسبب زيادة توطيد بشار لعلاقاته مع إيران على حساب علاقات ومصالح سورية المشتركة مع دول الخليج العربي.
أما بالنسبة للإمارات، فقد كان هناك تميز في علاقاتها الاقتصادية مع سورية؛ بحجم استثمارات تتجاوز 10 مليارات دولار، ما يجعلها المستثمر الأول في سورية.
وكذلك الحال بالنسبة للكويت، حيث تعدُّ ثاني أكبر مستثمر في سورية بعد الإمارات بحجم 6 مليارات دولار.
وفقاً لذلك، لم يخرج السلوك الخليجي عن هذا الإطار في المرحلة الأولى لتفجر الثورة السورية.
لقد اتخذت دول الخليج العربي مواقف أكثر وضوحاً حيال نظام الأسد الحاكم في سورية مقارنةً بغيرها من الدول العربية في مرحلة الاحتجاج السلمي! حين تحولت الدعوات الخليجية من الحوار والإصلاح إلى دعواتٍ للمطالبة بالتغيير. وقد تميزت تلك المرحلة بالتصعيد السياسي والإعلامي والاقتصادي. حيث أعلنت دول الخليج عن سحب سفرائها من دمشق، وأعلنت السعودية والبحرين والكويت عن تجميد جميع الأنشطة الاقتصادية مع سورية.
وفي المرحلة الثالثة، بدأت دول الخليج تدعم المعارضة السورية المسلحة، فأعلنت السعودية وقطر عن تقديم الدعم المادي والعسكري للمعارضة السورية، بينما أعلنت الإمارات عن تقديمها الدعم الإنساني للشعب السوري.
تعد دول الخليج العربي، بما في ذلك السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، ممن قدّم دعمًا مهمًا للمعارضة السورية المسلحة خلال النزاع في سورية.
• في شمال سورية، كانت الفصائل المدعومة من قطر وتركيا الأكثر نفوذًا، مثل حركة أحرار الشام الإسلامية.
• في الغوطة الشرقية قرب دمشق، كان فصيل جيش الإسلام، المدعوم من السعودية، هو الأكثر تأثيرًا.
• الإمارات العربية المتحدة قدمت دعما لوجستيا للمعارضة السورية مثل تصاريح إقامة لأكثر من 100 ألف سوري منذ عام 2011.
• إضافة إلى مواقف سياسية ودولية ودعم عسكري لغرفتي الموك والموم.
بعد التدخل الروسي عسكريا 2015م، تغيرت مواقف دول الخليج العربي بشكل ملحوظ، ولعل هناك عدة أسباب لهذا التغيير:
- التحالفات الجديدة: بعد التدخل الروسي، بدأت روسيا في تعزيز علاقاتها مع إيران وتركيا وإسرائيل ومصر والكثير من دول الخليج، أدى ذلك إلى تغيير في التوازنات الإقليمية، وأثر على مواقف دول الخليج.
- القلق من النفوذ الروسي: وقد أدى إلى تغيير في مواقف دول الخليج.
- الخلافات مع الولايات المتحدة: حيث كانت هناك خلافات بين دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية بشأن صيغ السياسة الأمريكية في سورية، تلك الخلافات أدت إلى تغيير في مواقف دول الخليج العربي، تجلى ذلك في موقف الرياض من هيئة التفاوض، ومؤتمر رياض1، ورياض2، حيث نصحت السعودية حينها المعارضة السورية بالخروج لدولة أوربية لأن أمريكا لا تريد مساندتهم، ولن يكون بمقدور السعودية تقديم المزيد من الدعم، وليكون مؤتمر رياض2 برعاية روسية، وبحضور ومشاركة منصتي روسيا والقاهرة على حساب صقور المعارضة السورية كـَ رياض حجاب وغيره.
- التحديات الأمنية: كانت هناك تحديات أمنية مرتبطة بالنزاع السوري، بما في ذلك القلق من عودة الجهاديين إلى دول الخليج العربي، تلك التحديات أدت إلى تغيير وتباين في مواقف دول الخليج العربي من قضية الثورة السورية برمّتها.
ليكون كل ذلك سبباً في تكوّن فترتين مفصليَّتين من الحاضر السوري:
1- فترة الانسحاب من الغوطة الشرقية بعد التدخل الروسي، وتسليمها للنظام السوري، وإيقاف الدعم عن الفصائل المسلحة.
2- رفع اليد عن فصائل الجنوب، بسبب الرغبة الأمريكية زمن أوباما وتسليم الفصائل العسكرية إلى روسيا، أو نزوحهم للشمال السوري تحت القبضة التركية.
في الفترة الأخيرة، تشهد المواقف الخليجية تجاه الأزمة السورية تطورات مهمة منها:
• إعادة الانخراط الخليجي مع سورية: حيث تعيد دول الخليج العربي تقييم علاقاتها مع نظام الأسد، ومع ذلك، تشكل العقوبات الأمريكية، التي تمنع عمليات الاستثمار والإعمار، عقبة أمام إعادة اندماج سورية بشكل حقيقي في المنطقة.
• التقارب مع النظام السوري: في الأشهر القليلة الماضية، اكتسب إعادة انخراط دول الخليج العربي مع سورية زخمًا، ففي بداية شهر مايو/أيار، التقى رئيس الاستخبارات السعودية اللواء خالد الحميدان مع نظيره في دمشق، ومع الأسد أيضًا.
• التطورات الدبلوماسية: صدرت تقارير غير مؤكدة بأن السعوديين على وشك إبرام اتفاق تطبيع دبلوماسي مع حكومة الأسد، ونكاد نجزم في تيار المستقبل السوري أنه تم، وقد ترأّس وزير السياحة السوري رامي مارتيني وفدًا سوريًا إلى الرياض لحضور اجتماع لجنة الشرق الأوسط في منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط، ليصل مستوى التطور الدبلوماسي إلى دعوة بشار الأسد لمقعد سورية في جامعة الدول العربية، ومحاولة وضع خطة طريق مبنية على مبادرة الخطوة بخطوة، والتي تكلمنا عنها في مكتبنا العلمي سابقا ووصفناها بـ “طائف سوري جديد”.
• التعاون الاقتصادي حيث بدأت أواخر يونيو/حزيران 2021م، بإعلان الخطوط الجوية السورية عن استئناف رحلاتها المباشرة إلى دبي اعتبارًا من الثالث من يوليو/تموز.
من خلال كل هذا السرد يمكن الخلوص لنتيجة مفادها أن دول الخليج العربي تريد مساعدة السوريين ليس حباً بالديمقراطية، فدول الخليج ليست دولاً ديمقراطية، ولكن من بوابات أخرى لا تعدو مصالحها وحسب، كما لا يمكنها أن تخرج عن المسار الدولي، والسياق العالمي والذي تحاول دول الخليج أن تلتقط موجاته عبر أثير دبلوماسيتها الفاعلة والنشطة وذات التأثير، وليبني على أساسها قاعدة تحركاتها نحو الملف السوري عموماً ونظام الأسد على وجه الخصوص.
على أن الموقف الجديد من اتفاق السعودية وطهران في بكين، قد يشي بشيء من تدخل خليجي خارج إطار الإرادة الأمريكية أو الرغبة الروسية.
ومع كلّ ما سلف فإنه لا يمكن الاعتماد على الحضن العربي عموماً، والخليجي خصوصاً في الحالة السورية بسبب:
1- تقاسم الكعكعة السورية بشكلها الحالي، وإبعاد العرب عن حيازة نصيبها إلا من خلال دول الطوق والتأثير.
2- عدم وجود حدود برية أو بحرية لسورية مع دول الخليج العربي، مما ترك الأردن يكابد غزوات النظام السوري وإيران بسلاح الكبتاغون، وهي التي استلمت ملف تصنيف الفصائل السورية بعد رفض الرياض تَسلُّمه.
3- مستنقعانية الحالة السورية، وتعقيده، حيث إن سورية انقسمت إلى أربعة مناطق نفوذ سورية، كل منطقة فيها مافيها من تراكيب استخباراتية وعسكرية وسياسية متنوعة، قد تجعل الداخل بينها يغرق بتفاصيلها ودون أن يُثير شهية دول الخليج العربي لاتخاذ مواقف ملحوظة خلال هذه الآونة، خصوصاً مع انشغال العالم بطوفان الأقصى، ما يجعل مركب نظام الأسد آيلاً للغرق في أي لحظة ضمن تسونامي يفرضه عليه نشاط المشاكسة لدى حزب الله، وموقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية المتأرجح من ذلك.
مراجع:
- AGSIW | إعادة الانخراط الخليجي مع سوريا: مسارٌ نحو طريق مسدود
- مركز عمران للدراسات الاستراتيجية – دول الخليج: تطورات ومستقبل الأزمة السورية (omrandirasat.org)
- بعد عشر سنوات على الحرب: هل مايزال إنهاء الأزمة السورية ممكنا؟ – BBC News عربي
- دول الخليج والأزمة السورية: مستويات التحرك وحصيلة المواقف | مركز الجزيرة للدراسات (aljazeera.net)
- نحو تقييم واقعي لاستقبال دول الخليج للسوريين | The Washington Institute
- زيادة المساعدات العسكرية للمعارضة السورية؟ بعض الحقائق على الأرض | Brookings
- تقرير: أزمة قطر تحرج المعارضة السورية – موقع 24
- تأثيرات الازمة الخليجية على وضع المعارضة السورية – DW – 2017/7/4
- الموقف المصري من التدخل الروسي في سوريا والعلاقات مع دول الخليج – مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (ahram.org.eg)
- حصاد التدخل الروسي في سوريا بعد 5 سنوات (alarabiya.net)
- هل كشف غزو روسيا لأوكرانيا عن شروخ في علاقة واشنطن مع دول الخليج؟ – BBC News عربي
- التدخل الروسي في سوريا.. هل يقلق أميركا؟ | المعرفة | الجزيرة نت (aljazeera.net).
بلال محيي الدين
قسم البحوث والدراسات
المكتب العلمي