المكتب السياسيالمكتب العلميجمعة محمد لهيبقسم البحوث و الدراساتمقالات

مخابرات الأسد (بين الوهم والوهن)

قبل خمسة أيام كَتب “محمد هرشو” الصحفي الموالي للنظام السوري في موقع “هاشتاك سورية”، والمعروف بتبعيته العضوية لجهاز أمن القصر الجمهوري، مقالاً بعنوان: “الأسد يستهل العام الجديد بقرارات استثنائية، الأمن والحزب في خدمة سوريا المدنية”.

حيث يذكر المقال أنّ العمل جار بعيداً عن الإعلام على أهم ملفين في التاريخ المعاصر للدولة السورية، (هيكلة الأجهزة الأمنية وحزب البعث)، ويؤكد الموقع أننا سنلحظ ترجمة “هذا العمل خلال الأيام القادمة وستكون بكل بساطة نقطة تحول باتجاه سوريا المدنية”.

وحتى حينها، فإننا لا نملك إلا أن ننتظر ما يعدنا به “هرشو” من هرش الكلام عن إصلاحات استثنائية!.

وكيف لا تكون استثنائية والشعب إنما قام بثورته للتحرر من القبضة الأمنية التي أطبقت على أنفاسه عقود، فما استمر نظام الأسد بحكم سورية، ولا الثورة السورية ضده حتى اليوم، إلا اصلاحاته التي لو كانت منذ الأيام الأولى لجنبنا سورية ويلات هذا الصراع وما نتج عنه من مضاعفات! فهل يا ترى، بالفعل يُعطي الأسد (الذي يرى نفسه منتصراً)، إصلاحاتٍ لم يُعطها لشعبه يوم كان يَعُدُّ بالملايين، وكان يواجه سيناريوهاتٍ، أسوأها كَـ القذافي، وأفضلها كَـ زين العابدين بن علي!!

أمنٌ للمواطنَ لا عليه:

بهذا العنوان ذكر “هرشو” أن التوجيهات قد صدرت بدمج بعض الفروع الأمنية من قبل ما أسماها “لجان القصر”، على أن تكون الأجهزة الأمنية أمناً للمواطن لا عليه، وذلك عبر:

1- إلغاء البيروقراطية، بعد دمج العديد من الفروع في الشعبة أو الإدارة الواحدة، وإلغاء فروع أخرى في خطوة موازية.

2- إلغاء العديد من الأقسام التي كانت مهمتها متابعة العمل الحكومي، والابتعاد عن الأداء الإداري والمدني.

3- متابعة ملفات الفساد المستشري عبر الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، أو وزارة الداخلية.

وعبر هذه النقاط الثلاثة في الملف الإصلاحي للمخابرات السورية، فإنه، وحسب مقال “هرشو”، سيتم الانتقال بسورية نحو “المدنية”!.

وطبعاً فإن “هرشو” الذي جمع في العنوان بين إصلاح الأمن والحزب، فإنه أجّل لنا الحديث عن إصلاح الحزب لمقالٍ آخر!!

ونتسائل هنا، هل فعلاً يمكن في سورية الأسد إصلاح جهاز مخابراتها؟

إن أول ما يتبادر هنا، أين تلكم القرارت التي صدرت حتى نقرأها ونراقب خط سيرها هل من مراسيم بالفعل صدرت، تُحجّم أو تقنّن أو تهيكل أجهزو المخابرات؟

ثانياً: الدمج حصل بحسب “هرشو” من قبل (لجان القصر)، وبغضّ النظر أننا لا نعلم من هم لجان القصر، وهل هم مدنيون أم عسكريون، أم ضباط مخابراتٍ متقاعدون، أو غير ذلك!! إذاً هل هي خدمةٌ مقصورةٌ على ساكني القصر نفسه ومن يدور في فلكه!

ثالثاً: وهو السؤال الحقيقي، هل بالفعل يستطيع النظام السوري اليوم تغيير بنيته الحالية التي حفظت له حكمه، بل وخدمته عملياً في استمراره!

رابعاً: هل الدمج (لو حصل)، فسببه اكتفاؤه بمن هم في حضنه (أو هو في حضنهم) من قوى خارجية، أو داخلية فاعله ومؤثرة داخل سورية الأسد؟

خامساً: هل هذا الدمج من قبل الأفرع الأمنية، يُخرج النظام السوري عن صبغته ودمغته الأمنية البوليسية! أم هي حالة تغيير للجلد، أو استغناءٌ عن خدمات ضباط أوغلوا في دماء السوريين فوجبت تنحيتهم وإطفاء الضوء عن تاريخهم الأسود!

سادساً: هل سمعنا عن دمج شعب المخابرات مع بعضها (العسكرية، والسياسية، والجوية، والمخابرات العامة، والأمن القومي) مثلا؟! أم أنها بقيت كأصابع خمسة للنظام السوري، وكلها في قبضة رئاسة الجمهورية أو ما أسماهم “هرشو” لجان القصر! ألا يمكننا التساؤل عن قيمة دمج الفروع أو حتى إلغائها مع استمرار الأصل؟

لاشك أن بنية النظام السوري اليوم في حالة تفكك، ما بدى واضحاً من زيادة السيطرة الخارجية على مفاصل الدولة من جهة، ومن الصراع الداخلي في الحلقة الضيقة لسكان القصر من جهة أخرى، وما يبنى عليه من حالة شد الحبال بين الروس والإيرانيين، وكلُّ حسب من يدعم! وقد كتب قسم البحوث والدراسات التابع للمكتب العلمي لـِ تيار المستقبل السوري مقالاً سابقاً عن تحييد أسماء الأخرس للعلوية السياسية السلطوية في سورية!

فهل في حالة التفكك هذه يمكن لنظام الأسد أن يصيب نفسه بمقتل! أو أن يقطع أصابعه التي كانت ولا زالت السبب الأكبر في تثبيت سلطته!؟

ماهي الإصلاحات المطلوبة؟

إذا أراد النظام السوري حقاً أن يجدد ويصلح بنيته الحالية، وأن يخرج من صبغته الأمنية، إلى الصبغة المدنية، فهو يحتاج لعدة خطوات لعل أهمها:

1- جمع الشعب الخمسة كلّها بجهاز أمني وطني واحد، بحيث يعرفه القاصي والداني باسمه الصريح لا بأرقام وأسماء منفصلة عن حجمه وشكله وبنيته الطبيعية.

2- محاسبة الضباط المتورطين بالدم السوري عبر قضاء داخلي، وبشكل علني أمام الإعلام الرسمي وغير الرسمي!.

3- إفساح المجال للقضاء والضابطة العدلية ممثلة بالشرطة المدنية فقط بأخذ دورها الحقيقي، وجعل القضاء هو الآمر في العلاقة بين المواطن والسلطة، وليس أقبية الأمن وسراديب المخابرات.

4- تحديد الجنايات والقضايا التي يحال صاحبها إلى الجهاز الأمني بشكل لا يدعو للتأويل، ولا يبلغ الإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي.

5- رفع جميع أسماء السوريين عن قوائم الأفرع والشُعب ممن هم بالخارج، وإحالتها للقضاء المدني.

6- منع تدخل القصر الرئاسي بعمل الجهاز الأمني المستحدث، عبر قانون واضحٍ وصريح.

7- نشر أسماء من ماتوا في أقبية المخابرات السورية قبل الثورة السورية وحتى اليوم، وإغلاق كافة السجون الأمنية بعد الإفراج غير المشروط عن معتقلي الرأي وأمثالهم، وإحالة من يجب للقضاء المدني ليأخذ مجراه.

8- إلغاء كل الاستثناءات الأمنية دون قيد أو شرط.

نقاطٌ ثمانية يمكن إضافة غيرها أيضاً، فالحالة الأمنية في سورية متغلغة لدرجة مسؤوليتها الأولى والمباشرة عما وصلت إليه سورية اليوم، وفي حال أراد النظام السوري فعلاً القيام بإصلاحٍ حقيقي، مُنطلقاً من خطورة الواقع، فإنه يحتاج لتطبيق هذه الخطوات العملية وغيرها، وليس الاكتفاء بتصدير أوهام عن تغييرات شكلية، لا أثر لها، وقيمة الحبر التي كُتبت فيه أغلى ثمناً منها.

جمعة محمد لهيب
المكتب السياسي
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى